ورطة يخوت الأثرياء الروس المصادرة في أوروبا: كلفة باهظة واجراءات البيع معقدة

26 سبتمبر 2023
اليخت الفاخر الروسي المصادر شهرزاد في مرسى ميناء توسكاني الإيطالي ( Getty)
+ الخط -

كان من السهل على الحكومات الغربية مصادرة اليخوت التي يملكها أثرياء روسيا، ولكن مع استمرار الحرب في أوكرانيا وجدت تلك الحكومات صعوبة في التصرف في الموجودات والأصول الروسية المصادرة، خاصة تلك ذات الكلفة العالية مثل اليخوت الفاخرة الراسية في موانئ أوروبا والكاريبي.

إذ إن تجميد الأصول لا يمنح السلطات الحق القانوني في الحصول على ملكيتها وبيعها على الفور، حسب القوانين الغربية.

وفي كثير من الحالات، يأتي ذلك فقط بعد جهود قانونية معقدة لإظهار أن الأشخاص الخاضعين للعقوبات ارتكبوا جرائم، وهي عملية قد تستغرق شهوراً أو سنوات.

وحسب تقرير نشر بصحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الاثنين، أطلقت الدول الأوروبية أكثر من 300 تحقيق جنائي ضد الروس الخاضعين للعقوبات، ولدى وزارة العدل الأميركية فريق مكون من 50 مسؤولاً يعملون على إعداد قضايا جنائية، وتأمل أن تدر هذه القضايا مئات الملايين من الدولارات عن طريق بيع الأصول الروسية الخاضعة للعقوبات، والتي يمكن تسليمها بدورها للمساعدة في إعادة بناء أوكرانيا.

"وول ستريت جورنال": أطلقت الدول الأوروبية أكثر من 300 تحقيق جنائي ضد الروس الخاضعين للعقوبات الغربية

وتقول الصحيفة إن "هذه اليخوت تكلّف دافع الضرائب مبالغ طائلة، خصوصاً الدول الصغيرة التي تعاني من ضائقة مالية تقدّر بنحو 28 ألف دولار أسبوعياً لصيانة القارب الثابت، بما في ذلك راتب قبطان إيطالي و2000 دولار يومياً من الديزل للحفاظ على تشغيل مكيف الهواء".

وإذا تم إيقاف تشغيل اليخت، فسوف يفسد الأثاث الفاخر بالسفينة في غضون 48 ساعة، مما قد يؤدي إلى إتلاف الجزء الداخلي من الخشب الصلب ولوحة ميرو الموجودة على متنها. كما تدفع الدولة المصادرة لليخت كذلك رواتب طاقم مكون من ستة أفراد، وكلف إمدادات القارب ووجباتهم من الشمبانيا والكافيار.

ومنذ توغلت الدبابات الروسية في أوكرانيا، أطلقت العشرات من الحكومات جهوداً غير مسبوقة للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحمله على إنهاء الحرب من خلال ملاحقة رفاقه من الأثرياء.

وأفادت فرقة عمل النخبة والوكلاء والأوليغارشيين الروس، وهي مجموعة حكومية متعددة الجنسيات تنسق بشأن العقوبات، في مارس/آذار الماضي أن ما يقدر بنحو 58 مليار دولار من أصول الأوليغارشية، بما في ذلك اليخوت والقصور والاستثمارات، قد تم تجميدها أو حظرها بسبب ارتباط أصحابها بالكرملين.

وعلى صعيد الموجودات الروسية المصادرة، قال مسؤول إيطالي: "مشكلاتنا هي اليخوت"، "إذا استمرت الحرب... فمن المحتمل أن تتجاوز تكاليف التشغيل لهذه اليخوت قيمتها الفعلية".

تسمح بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا للمالكين الخاضعين للعقوبات بنقل الأموال لدفع تكاليف الصيانة الخاصة باليخوت المصادرة في موانئها

من جانبه قال المحامي في شركة  "كي ستون" للمحاماة المتخصصة في تقديم المشورة بشأن اليخوت الضخمة، بنجامين مالتبي، إن القاعدة العامة هي أن صيانة اليخوت الكبيرة تكلف حوالي 10% من قيمتها سنويًاً. ويجب أن يتم كشط هياكلها بانتظام، وأن تعمل وحدات تكييف الهواء على مدار الساعة تقريباً، كما يحتاج الطاقم أيضًا إلى دفع الرواتب بانتظام وكذلك تسديد كلف التأمين والإيجار في المراسي.

وأضاف، "إجبار المالكين أنفسهم على دفع تكاليف صيانتها أمر معقد، إذ لا يُسمح للأطراف الخاضعة للعقوبات باستخدام النظام المالي لتحويل الأموال دون الحصول على إذن خاص من الحكومات، والحصول على الإذن قد يستغرق شهوراً أو سنوات حتى يتم الحصول عليه. ولكن تسمح بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا للمالكين الخاضعين للعقوبات بنقل الأموال لدفع تكاليف الصيانة الخاصة باليخوت المصادرة في موانئها".

وقال مالتبي لـ"وول ستريت جورنال"، إن بيع القارب المصادر أمر صعب الموافقة عليه، كما لا يحب العديد من المشترين فكرة شراء قارب مستعمل خاضع للعقوبات خوفاً من استعادته من قبل أصحابه الأصليين عندما يدخل مياه ولاية قضائية بدولة لها قوانين لا تجيز الحظر والمصادرة للممتلكات الروسية.

واضاف المحامي مالتبي قائلا: "ستكون الكثير من هذه القوارب عالقة، وفي طي النسيان طوال استمرار الحرب في أوكرانيا".

من جانبه قال المدير السابق لفريق عمل شركة " كليبتو كابشر" الأميركية، أندرو آدامز، "لا يوجد سوق لقولبة اليخوت ... علينا أن نحرص على التأكد من أننا نحافظ على قيمتها"، وهنالك الكثير من القضايا العالقة بشأن اليخوت المصادرة.
 

يخت شهرزاد
من اليخوت المصادرة في إيطاليا العام الماضي يخت شهرزاد، أحد أكبر وأغلى اليخوت في العالم،. لكن القارب الذي تبلغ قيمته 650 مليون يورو ليس له مالك محدد علناً.

ورأت الشرطة المالية الإيطالية أن ملكية اليخت شهرزاد تعود لرئيس شركة روسنفت النفطية السابق إدوارد خديناتوف، لكنها لم تتمكن من تأكيد ملكيته لها.

وأثارت مجموعة مكافحة الفساد التابعة للمنشق الروسي أليكسي نافالني احتمال أن تكون الملكية تابعة لبوتين نفسه.

ويرسو اليخت الذي يبلغ طوله 460 قدمًا في ميناء مارينا دي كارارا في توسكاني، حيث تتم إعادة تجهيزه، وهو العمل الذي بدأ قبل الاستيلاء عليه.

ولا تزال الشركة المالكة للقارب رسمياً والمسجلة في جزر كايمان، تغطي هذه التكاليف، وفقًا لأشخاص مطلعين على الوضع الحالي للقارب. لكن ما الذي سيحدث لشهرزاد بمجرد الانتهاء من التجديد غير واضح حتى الآن؟.

كما أن اليخت "أى" عالق في إيطاليا أيضا، وهو قارب بقيمة 530 مليون يورو وتكاليف تشغيله تبلغ حوالي مليون يورو شهريًا. وهو يخت مملوك لأندري ميلنيشينكو، ملياردير الفحم والأسمدة الروسي.

واليخت الذي يبلغ طوله 469 قدماً عالق في ميناء تريست بشمال إيطاليا منذ مارس/آذار العام 2022، عندما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ميلنيتشينكو، ومثل غيره من القلة، يأمل ميلنيتشنكو في استعادة ممتلكاته.

وبسبب قلقه من تعرض اليخت لأضرار جسيمة في أيدي الدولة الإيطالية، عرض ميلنيتشينكو دفع تكاليف صيانته، وفقًا لشخص مطلع على تحركاته القانونية.

بيع الممتلكات المصادرة:

على الصعيد  القانوني، يتفاوض الاتحاد الأوروبي حالياً حول كيفية جعل التهرب من العقوبات جريمة في جميع دوله الأعضاء. ويمكن أن يوفر ذلك في نهاية المطاف أساساً أوسع لمصادرة الأصول، لكنه سيظل يتطلب إثباتًاً قانونياً.

نجح مصرف "جي بي مورغان" في تقديم التماس لبيع اليخت Axioma في مزاد لسداد مبلغ 20.5 مليون يورو مستحقة على مالكه

وحتى الآن، لم تكن عملية مصادرة القوارب الروسية الأكثر شهرة  ناجحة من قبل الحكومات، بل من قبل  المصارف، حيث نجح مصرف "جي بي مورغان" الأميركي في تقديم التماس لبيع اليخت Axioma في مزاد لسداد مبلغ 20.5 مليون يورو مستحقة على مالكه، وهو أحد الأصول الروسية الخاضعة للعقوبات.

وبيعت اليخت الملئ بسينما ثلاثية الأبعاد بمبلغ 37.5 مليون دولار في مزاد لمشتري لم يذكر اسمه في جبل طارق المكان الذي كان محتجزاً فيه.

وقال "جي بي مورغان"، إنه حصل على ما يستحقه. ولا يزال يتعين على المحكمة في جبل طارق أن تقرر ما يجب فعله بالأموال المتبقية، وفقًا لمسؤول بالمحكمة.
وفي الأشهر التي تلت غزو أوكرانيا، أغلق اليخت الفاخر ألفا نيرو الروسي جهاز الإرسال والاستقبال الخاص به لتجنب تعقبه ولكن تم تحديد موقعه في النهاية من قبل المسؤولين الأميركيين.

وحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن اليخت الراجع ملكيته لمؤسس شركة PhosAgro، وهي شركة كيميائية روسية رائدة، ووفقًا للحكومة الأميركية، تمتلك الشركة ثاني أكبر عقار في لندن بعد قصر باكنغهام. 

في ذاتى الصدد، قال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وهو ذراع إنفاذ القانون التابع لوزارة الخزانة الأميركية، إن الملياردير الروسي جورييف الخاضع للعقوبات اشترى اليخت في عام 2014. وكان جورييف قد ادعى سابقًا أن ألفا نيرو لم يكن ملكًا له، لكنه كان يستخدمه من وقت لآخر.

وقال إن القارب مملوك لشركة مدرجة في جزر فيرجن البريطانية تدعى Flying Dutchman، والتي تديرها بدورها شركة Opus Private، وهي شركة خدمات ائتمانية مقرها في جزيرة غيرنسي، الجزيرة الواقعة في القناة الإنجليزية. وبالتالي فهنالك سلسلة من الغموض حول العثور على الملك الحقيقي لبعض اليخوت الفاخرة المصادرة في الدول الغربية وتوابعها. 

المساهمون