توقفت المباحثات بين مصر والصين بشأن إصدار سندات بالعملة الصينية "اليوان"، إلى أجل غير مسمى.
وأكدت مصادر في مجلس الأعمال المصري الصيني، فشل المباحثات بين وزارة المالية، والمسؤولين الصينيين، في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن طرح السندات، لأسباب فنية جوهرية، تحول دون طرح بيع السندات في بورصتي شنغهاي وشينزن.
طلبت السطات الصينية من البنك المركزي المصري تفعيل اتفاق وقعه الطرفان عام 2016، باستخدام "اليوان" كعملة متداولة في البنوك المحلية، من خلال وديعة بالبنك المركزي، تبلغ قيمتها 18 مليار يوان (2.62 مليار دولار).
وأشارت المصادر إلى أن البنك المركزي استغل الوديعة، كاحتياطي نقدي، دون أن يمكن الشركات المصرية أو الصينية من السحب منها لتمويل صفقات التبادل التجاري بين البلدين.
ظهرت آثار مشكلة تعطيل الاتفاق بعد تعليمات البنك المركزي للبنوك، بمنع تمويل استيراد البضائع من الخارج، من دون تدبير العملة الصعبة، ووضع أغلب المنتجات الواردة من الصين على قوائم المحظورات، في وقت تحتل فيه البضائع الصينية المرتبة الأولى في الواردات الأجنبية طوال 10 أعوام، وهي في ازدياد بنسب تصل إلى 20 في المائة سنوياً، حتى بلغت 16 مليار دولار عام 2021.
رفض البنك المركزي المصري طلبات الشركات بالحصول على اليوان، كبديل للدولار، لتنفيذ صفقاتهم، بما استدعى تدخل شركات صينية، في منطقة السويس الاقتصادية، وأخرى مشاركة في صناعة الجلود والغزل والنسيج ومعدات طبية وعقارية، لمطالبة الحكومة بتمويل شراء مدخلات الإنتاج الصينية باليوان. فضل البنك المركزي اكتناز اليوان، رغم أن الاتفاق مع الجانب الصيني ينصّ على توظيفه في تسهيل الحركة التجارية والاقتصادية بين البلدين.
كما وافقت الصين في الاتفاق على إقراض مصر، نحو مليار دولار، وضعته في حسابها، عند تأسيس البنك الآسيوي للتنمية، الذي أنشأته الصين لدعم مشروعات واقعة على مسار "الحزام والطريق"، الذي تتبناه الصين، بالإضافة إلى إقراض البنك الأهلي 700 مليون دولار لتمويل مشروعات مصرية صينية، بالعاصمة الإدارية، حيث تستثمر أكبر شركة مقاولات حكومية صينية مبلغ 1.2 مليار دولار في البرج الأيقوني، وعمارات الوزارات.
ويلزم الاتفاق مصر بوضع اليوان الصيني في قوائم شراء وبيع العملة الصعبة بالبنوك المحلية، وتسعيره وفقاً لحالة السوق، مربوطاً بالدولار، أسوة بالعملات الصعبة، بعد أن أقر البنك وصندوق النقد الدوليان استخدامه كوحدة حسابية دولية، والبنوك المركزية. رغم عدم بيع اليوان للجمهور، امتنعت البنوك في الآونة الأخيرة عن تحديد سعره على شاشات البيع، بسبب تدهور قيمته، منذ 22 مايو/ أيار الماضي، مع تطبيق الحكومة الصينية سياسات مالية، فكت ارتباط عملتها بالدولار.
وبينت المصادر وجود نقاط خلافية، بين الطرفين، عندما اشترطت البنوك الصينية قيام مؤسسات مالية آسيوية بإعادة تقييم الحالة المالية لمصر، بعد رفضها التقييمات المالية، التي تصدرها المؤسسات الغربية، التي تعتمد الحكومة على شهاداتها للتقييم المالي، وعلى رأسها ستاندرد آند بورز وموديز وفيتش.
وتحصل مصر دورياً على تقييم من المؤسسات الثلاث، قبل عمليات طرح سنداتها الدولية، عدا ما أصدرته بالين الياباني، في مارس/ آذار 2022، حينما طرحت سندات "الساموراي"، بقيمة 60 مليار ين (500 مليون دولار)، بضمان وإصدار بنك سو ميتو مويتسوي الياباني.
يؤكد مصطفى إبراهيم عضو جمعية رجال الأعمال أن مصر تأخرت كثيراً، في توظيف استخدام اليوان، كعملة تداول، لخدمة حركة التبادل التجاري بين البلدين، مشيراً إلى إمكانية توظيفها، في التخفيف عن ضغوط المستوردين على الدولار، وتشجيع المصدرين على زيادة مبيعاتهم في الأسواق الصينية، في حالة تحصيلهم قيمة الصادرات باليوان.
وذكر أن الحكومة الصينية تمنح الشركات التي تتعامل باليوان أفضلية لدخول أسواقها، بما يعني أن المنتجات المصرية ستحصل على مميزات، ترفع مستوى الصادرات للصين، التي لم تبرح حد المليار دولار، طيلة السنوات الماضية، وأغلبها لمنتجات نفطية وخامات أولية.
كان وزير المالية، محمد معيط، قد عقد اجتماعاً بسفير الصين في القاهرة، لياو لي تشيانغ في 11 مايو الماضي للاتفاق على دعم الحكومة الصينية إصدار "سندات الباندا"، لمساعدة مصر في تمويل نفقات الموازنة لعام 2022-2023، والتي تبدأ مطلع الشهر المقبل.
ورغم تصريح وزير المالية الأحد بتأجيل طرح سندات دولارية في الخارج، لمدة قد تصل إلى 4 أشهر، إلا أن خبراء أشاروا إلى صعوبة طرح أية سندات مصرية باليوان، في بورصتي شنغهاي وشينزن، لمدة عام على الأقل، لمرور الاقتصاد الصيني بحالة من عدم الاستقرار، أدت إلى تراجع اليوان بشكل حاد، أمام الدولار واليورو.
وفي 22 إبريل/ نيسان الماضي، سمحت الحكومة الصينية بخفض عملتها لأول مرة، منذ عام 2015، حينما شهدت تراجعاً حاداً في أداء بورصاتها المحلية، أدى إلى تراجع الاحتياطي النقدي من 4 تريليونات دولار إلى 3.2 تريليونات دولار.
تسببت حالة الإغلاق الكامل للمدن الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها شنغهاي وشينزن وهونغ كونغ، لتطبيق سياسة "صفر كوفيد" الصارمة، التي يتبعها رئيس الصين شي جين بينغ، وإغلاق مساحات واسعة من الاقتصاد، وتراجع الحكومة عن توفير السيولة للبنوك والشركات، وإصدار قوانين رقابة مالية مشددة، أخرجت العديد من شركات التمويل والمضاربين في سوق الأسهم والسندات، من السوق الصينية.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن سوق السندات في الصين تعرض لهزة كبيرة، الأسابيع الماضية، مدفوعاً بتباطؤ خطير في النمو الاقتصادي، وغلق سوق المال، فتراجعت الأسهم والسندات، في مؤشر CSI300 الذي يغطي أكبر الشركات في شنغهاي وشينزن، إلى أسوأ مستوى في تاريخ البورصة الصينية عام 2015. وأشارت إلى اهتزاز ثقة المتعاملين في سوق السندات، بعد أن أصبحت جميع سندات الخزانة، لمدة 10 سنوات، لا تحقق أية مكاسب جديدة. ومع عودة غلق شنغهاي مع انتشار موجة ثالثة لوباء كوفيد 19، اندفع المستثمرون لشراء سندات الخزانة، باعتبارها الملاذ الآمن مرة أخرى، فانخفض العائد المتوقع، ليصبح بالسالب.
وتحذر " بلومبيرغ" من مخاطر التعامل مع سوق الصين، غير المستقر، لفترة ليست بقصيرة، مع حالة عدم اليقين حالياً، في انتهاء الوباء والغلق، مبينة أن "القاع لم يتضح بعد"، وأن ضعف اليوان حقق مكاسب للدولار واليورو، وعندما "يسقط الفيل يسبب كثيراً من الضرر".
ويؤيد رجال أعمال ما توصلت إليه "بلومبيرغ"، مشيرين إلى أن انخفاض قيمة اليوان أمام الدولار، (الدولار = أعلى من 7 يوان) يعني مزيداً من الخسائر في قيمة حصيلة السندات باليوان، وتذبذب احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
وأوضح الخبراء أن كثرة الإغلاق في الصين تعرض اليوان لمزيد من الضغوط، وانعكاس ذلك على قيمة العملات المرتبطة به، مثلما حدث من انخفاض شديد، في سعر البيزو البيروفي والبيزو الكولومبي، وتراجع حاد في البيزو التشيلي والراند الجنوب أفريقي، والريال البرازيلي. من جهة أخرى، أكد الخبراء أن لجوء الحكومة إلى خفض قيمة الجنيه، أمام الدولار، كلما أرادت تقليل الواردات، أساء إلى سمعة الاقتصاد المصري، المرتبط في مجموعه بالدولار.
ويشير خبراء إلى أن طرح سندات مصرية في الصين، في وقت تعاني فيه البلاد، من تراجع في الاحتياطي النقدي، ووجود مؤشرات تدل على عدم الاستقرار المالي، وانخفاض العائد على السندات في السوق الصينية، سيدفع الجهات المنظمة للترويج للسندات إلى إلزام مصر بدفع رسوم تأمين أعلى للشركات التي ستغطي الطرح، بما يرفع تكلفة السند.
يشير إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأميركية إلى أن اللجوء إلى المزيد من الديون عبر السندات والقروض أمر غير مطلوب على الإطلاق، مشيراً إلى أن إجمالي الدين العام وصل إلى 93.7 في المائة من الناتج المحلي.
وانضم عوض إلى نخبة من الخبراء ووزراء مالية سابقين ممن طالبوا الحكومة، في دراسة نشرت الأحد، بوقف العمل بالسياسات التي أدت إلى الاستدانة، دون كابح، وفتح باب المشاركة في صياغة بدائل لها، للخروج من الأزمة المالية التي تواجهها البلاد، بدلاً من أن تلجأ الحكومة إلى مواجهة العجز بالاقتراض، من أجل الإنفاق على أبواب منها ما لا يستحق الإنفاق عليه.