تحاصر أزمات الحرب في أوكرانيا والتضخم المرتفع واحتمال ارتفاع الفائدة الأميركية إلى 3.3% بنهاية العام الجاري المستثمرين في أسواق المال. إذ بينما تهدد الفائدة الأميركية سوق "وول ستريت" المالي بالركود تزيد كذلك من مخاطر إفلاس بعض الاقتصادات الضعيفة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
وتتكاتف هذه العوامل معاً وتضع المستثمرين في محنة حقيقة خلال العام الجاري وتربك تبعاً لذلك مسار الاستثمار في العالم. فالحرب الروسية في أوكرانيا رفعت من أسعار السلع الأساسية في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا ورفعت التضخم بمعدلات اضطرت الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" إلى رفع الفائدة بنسبة 0.75% يوم الأربعاء الماضي.
ويتوقع اقتصاديون في مسح أجرته صحيفة وول ستريت جورنال، أن يرفع البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الدولار إلى نسبة 3.3% بنهاية العام الجاري.
ووفق محللين فإن المستثمرين يواجهون خيارات صعبة ومحدودة حول قنوات الاستثمار التي من الممكن أن تحقق لهم أرباحاً أو حتى تؤمن أموالهم من تكبد الخسائر.
على صعيد الأسهم الأميركية التي كان يعول عليها المستثمرون الأجانب في تحقيق عوائد بالدولار، يتوقع خبير الاستثمار بصندوق "أكسونك كابيتال"، بيتر سيشيني، في تعليقات لنشرة "بيزنس إنسايدر"، أن يتعرض المستثمرون في السوق الأميركي لخسائر كبيرة خلال العام الجاري.
ويشير سيشيني، إلى أن رفع الفائدة الأميركية في ظل وجود التضخم ربما يسبب متاعب اقتصادية للأسر في الولايات المتحدة، إذ يرفع من كلف الاستدانة في وقت يتواصل فيه غلاء السلع الأساسية من الوقود والغذاء.
ولا يستبعد سيشيني أن تتعرض سوق المال الأميركية لتصحيح خطير يضرب أسعار الأسهم، مشددا على أن احتمال خسارتها نسبة 50% من قيمتها باتت واردة.
وهذا المعدل إذا تحقق فسيعني ضربة حقيقية للمستثمرين في سوق الأسهم الأميركية. ولاحظ خبراء أن الشركات الأميركية لم تخفض بعد من توقعات الدخل لهذا العام رغم المخاطر المحيطة بالاقتصاد الأميركي.
في ذات الصدد، يقول خبير الاستثمار بمصرف "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي، مايك ويلسون، في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي"، أنه لا يعتقد أن رفع الفائدة بهذا المعدل الكبير سيحل مشكلة التضخم.
ويشير ويلسون إلى أن رفع الفائدة يزيد من مخاطر الركود الاقتصادي، لأن تشديد السياسة النقدية يقود تلقائياً إلى تباطؤ الدورة الاقتصادية.
وعادة ما يؤدي ارتفاع سعر الاستدانة في المجتمعات الاستهلاكية إلى تراجع في دورة المشتريات الاستهلاكية ويزيد من مخاوف الأسر من مستقبل تسديد الديون، خاصة أصحاب القروض العقارية.
ويقول ويلسون، إن الخطأ الذي وقع فيه مجلس الاحتياط الفيدرالي هو "رفع الفائدة بمعدلات أعلى من التوقعات".
وفي ذات الشأن توقع مسح أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" وشارك فيه عدد من المحللين وخبراء الاقتصاد، دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود خلال العام الجاري أو في النصف الأول من العام المقبل.
وذكر 44% من الاقتصاديين الذين شملهم المسح، أن الاقتصاد سيدخل في ركود خلال الـ 12 شهراً المقبلة.
على صعيد السوق الأوروبي الذي يعتبر ثاني أهم الأسواق في الكتلة الرأسمالية، فوجئ المستثمرون بخسارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للأغلبية في الانتخابات البرلمانية الفرنسية. وهذه الخسارة تعمق من أزمة السندات السيادية في أوروبية.
وحسب بيانات نشرها موقع ناسداك الأميركي فإن سندات الخزينة الفرنسية أجل 10 سنوات كانت أولى ضحايا خسارة ماكرون، حيث ارتفع العائد عليها، وبالتالي زاد الفارق بينها وبين العائد على السندات الألمانية.
وحسب البيانات التي نشرها الموقع الأميركي ارتفع العائد على السندات الفرنسية إلى نسبة 2.21%.
ويقلق المستثمرون من تداعيات الخسارة على الحد من قدرته على تمرير سياسات الإصلاح الاقتصادي في فرنسا، وكذلك من تأثيرها على قدرته في تشكيل مسار السياسة في أوروبا، وبالتالي تضاعف نتائج الانتخابات الفرنسية من الأزمة العميقة التي تعيشها سوق السندات الأوروبية. وكان العائد على السندات الإيطالية قد قفز الأسبوع الماضي إلى نسبة 4%.
ويواجه المستثمرون في أوروبا مجموعة من التحديات أكبرها الحرب الروسية في أوكرانيا التي تهدد مستقبل الاستقرار في شرق أوروبا، كما تزيد من مخاطر الاستثمار في سندات الدين الأوروبي.
ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا خسر أكبر مصرفين في إيطاليا نحو 37% من قيمة أسهمهما. ويهرب المستثمرون حالياً من شراء السندات الإيطالية، مما زاد من مشتريات البنك المركزي الأوروبي.
على صعيد الأسواق الناشئة، يشير تقرير لمصرف "جي بي مورغان" الاستثماري الأميركي إلى الهروب الكبير من عدة أسواق بسبب تدهور سعر صرف العملات الناشئة مقابل الدولار والفشل في تسديد أقساط الديون ونضوب العملات الصعبة من احتياطات البنوك المركزية في أكثر من 15 دولة.
على مستوى السيولة الدولارية حتى الآن واجهت الاقتصادات الناشئة هروباً متواصلاً في رأس المال من أسواقها إلى السوق الأميركي.
في هذا الصدد، تقول بيانات معهد التمويل الدولي في واشنطن إن حجم "الأموال الصافية" التي هربت من الأسواق الناشئة في شهر مارس/آذار الماضي بلغ 9.8 مليارات دولار.
وحسب بيانات المعهد على موقعه فإن معدل هروب رأس المال تواصل في شهور الربع الثاني من العام الجاري.