وجدها أرخميدس عصره

10 مارس 2024
ثمة تخبط وغياب لبنى تنظيمية تترجم ما يقترحه الأسد لتعزيز الاقتصاد (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

اكتشاف العلل بقليل من التوصيف واقتراح حلول بسيطة وممكنة التطبيق لحلها من جذورها ميزة خاصة يملكها عادة المنحدرون من وادي عبقر، أو أسلافهم من أصحاب النظرة الثاقبة أو "الكرامات الإلهية".

ورئيس النظام السوري بشار الأسد يجمع بين السلف والمنحدرين بآن، فهو، وبتوجيه واحد فقط، سيحيل الاقتصاد السوري من الندرة والركود إلى الوفرة والنمو.

وعلى الأرجح، ستقتدي الاقتصادات المتعثرة الخارجة من أنفاق كورونا والحروب والتضخم بالوصفة السورية، لنرى النعيم والنمو والرخاء يلف العالم بأفضال وتوجيهات سيادته.

والحل الذي وجّه به الرئيس خلال اجتماعه بحكومته، أمس، سهل ويسير وممكن التطبيق، فهو أقرب للوصفة السحرية التي ستنقل الاقتصادات من إلى.

ما هو؟! الأرجح ثمة تشوّق لدى القارئ لمعرفة الحل السحري والاكتشاف الخارق والمبتكر؟

هو المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، أجل، ومن يعتمده سيضمن له السيد الرئيس إنتاجاً وفيراً وكفاية السوق المحلية، بل وفوائض تزيد من عائدات الصادرات ما سينعكس، فورا وحالاً، على الميزان التجاري وسعر الصرف.

ربما ثمة صعوبة بطرح القائد الملهم لبدهيات الاقتصاد وصيرورة الأشياء، ولكن "كل واحد وعلامه" ولا بد للذين يطمحون بالاقتداء أن يطوروا من معارفهم ليتمكنوا من فك الطلاسم.

فمما قاله الأسد خلال الاجتماع التخصصي مع الحكومة المصغّرة "ضرورة تصحيح الهيكليات وتطوير البنية التنظيمية للمؤسسات والهيئات الموجودة المعنية بالاستثمار والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لتكون قادرة على تنفيذ السياسات اللازمة لخلق المشروعات الصغيرة وتمكينها وتطويرها أيضاً، بحيث تستطيع أن تكبر وتتحول لاحقاً إلى مشروعات متوسطة وكبيرة، ومن ثم وضع قواعد الرقابة والإشراف والمتابعة لها، والغاية هي الوصول إلى إنعاش الاقتصاد السوري".

ولئلا يشوب اكتشاف السيد الرئيس ثغرة، وجه الوزراء إلى تأمين الخطط والبنية المطلوبة كي يصلوا إلى الغاية المطلوبة، فتوجيهاته الحكيمة انطلقت من تحديد الغايات والأهداف العامة إلى رسم السياسات ووضع الخطط والبرامج التنفيذية، بالتوازي مع بناء سجل وطني للمشروعات يتضمن دليل هذه المشروعات وتصنيف الأنشطة الاقتصادية.

قصارى القول: ربما أول سؤال يتوثب على شفاه القارئ هو: هل سورية دولة تؤسس الآن لنسمع هكذا بدهيات مطوّلة مكسوة بحلل الفزلكة والتعقيد اللفظي؟ أم أن سورية حتى الآن، لا توجد فيها مشروعات صغيرة أو أعمال عائلية وهي من غزت صناعاتها، في خمسينيات القرن الماضي أسواق العالم، وبلغت شركاتها العائلية والصغيرة مبلغ الريادة قبل ضربة التأميم مطلع ستينيات القرن المنصرم؟

ويتابع السائل: أم أن النمو ودمج الشركات بسورية أحال اقتصادها إلى شركات كبرى ومساهمة، وضاعت إبداعات الأفراد وحار أصحاب الرساميل المحدودة بدخول سوق العمل؟

لكن فضول القارئ ينقصه أن ترخيص شركة صغيرة بسورية يحتاج رشى ومشاركة إجبارية للمتنفذين. أما من يريد العمل منفرداً ومن دون دفع إتاوة، فعليه المرور عبر 20 جهة للتخطيط و27 جهة للتنظيم و40 جهة لتنفيذ المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وهذه البيروقراطية، وعدد الجهات الوصائية هذا، منقولان رقماً وحرفياً عن وزير الاقتصاد بحكومة الأسد سامر خليل خلال لقائه مع الإعلام السوري الرسمي قبل لقاء الأسد بالحكومة بيوم واحد.

ما يعني، وفق الوزير وليس تحليل أو تجنٍ، أن المشكلة هي إدارية تنظيمية "علينا الانتباه إلى أن هناك حجم تخبط كبيراً، واستسهالاً كبيراً، وهناك بنى تنظيمية لا ضرورة لوجودها، وعلينا معرفة الجهات المسؤولة بشكل واضح ووضع الآليات بشكل واضح".

مع الأخذ بالاعتبار أن كلام الوزير فيه من المواربة والدبلوماسية ومحاولات ستر الفساد أشياء وأشياء، إذ يمكن اختصار "اللف والدوران" الذي سلكه الوزير مضطراً للمحافظة على موقعه وربما حريته، بكلمة واحدة وهي الفساد.

أجل، لا ينخر دود جسد الاقتصاد السوري كما الفساد، ولا خطر على مصير سورية أكثر من "الأوليغارشية"، فوصول حديثي النعم والمال إلى واجهة سورية وطرد أباطرة التجارة والصناعة التقليديين، بعد سيطرة أسر محددة وشركاء حصريين، أحالا سورية إلى أكثر البلدان الطاردة للكفاءات والمشاريع والاستثمارات حول العالم.

فإن قفزنا على "حامل التنمية" وهروب أكثر من 6.5 ملايين سوري هاجروا- بعد الثورة والمطالبة بالحرية والعدالة باقتسام الثروة- خارج البلاد باتجاه نحو 136 دولة، لنشير فقط إلى هروب الرساميل وإغلاق المنشآت.

فلدينا تصريح رسمي صادر عن اتحاد غرف الصناعة عام 2021 يقول: هاجر 47 ألف صناعي سوري، منهم 19 ألفاً من مدينة حلب، في حين هاجر 28 ألفاً من مدينة دمشق، باتجاه مصر وتركيا والأردن والدول الأوروبية.

نهاية القول: أغلب الظن أن علّة سورية بنظامها الوراثي الفاسد ومن حوله من تجار الحرب المتاجرين بقوت ومصير الشعب، وكل ما عدا هذي المسلمة الواقع هو تفاصيل.

فأن نقول عن تكاليف الترخيص وتعدد الجهات أو ركود الأسواق وزيادة تكاليف الإنتاج وغيرها من مشاكل تكسو سورية واقتصادها بما في ذلك الاحتلال، فكل ذلك، على أهميته، هو لزوم ما لا يلزم، بواقع وجود وريث السلطة والفساد "أرخميدس سورية" الذي وجد بالمشاريع الصغيرة طوق النجاة.

المساهمون