هندسة المجاعة في غزة عبر خطة "الخطوط الحمراء"

25 يونيو 2024
سوء التغذية الحاد يفتك بأطفال غزة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إسرائيل تتبع استراتيجية التجويع في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بإغلاق المعابر ومنع دخول الشاحنات الغذائية، ما أدى لتفاقم الوضع الإنساني واستخدام التجويع كأداة ضغط.
- الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع ندرة السلع الأساسية وارتفاع الأسعار، مما يؤثر بشكل مدمر على الأطفال والنساء، وتسجيل حالات ولادة مبكرة بسبب سوء التغذية.
- الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان تحذر من حالة جوع شامل بحلول منتصف يوليو إذا لم تتحسن الإمدادات، مع تأكيد على استمرار الإبادة الجماعية عبر استخدام الجوع كسلاح حرب.

منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 يتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع بحق الفلسطينيين عبر إغلاق المعابر الحدودية ومنع إدخال الشاحنات الغذائية وعرقلة وصولها واستهداف من يقوم بحراسة المساعدات الشحيحة التي تصل للمناطق في الشمال المدمر.
ويركز الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها على الضغط العسكري الشديد على الفلسطينيين ثم استخدام سلاح التجويع ضدهم بعد الانسحاب في محاولة منهم لتعزيز الضغط على المقاومة الفلسطينية.
وتحدث رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل واضح عن استخدام التجويع في أكثر من مناسبة من خلال الإشارة إلى حجم السعرات الحرارية التي يحصل عليها الفلسطينيون أو حجم الشاحنات التي تصل للقطاع بين فترة وأخرى.
وكذلك يتحدث الاحتلال كثيراً عن وجود خطة تحمل اسم "الخطوط الحمراء" يستهدف من خلالها مراقبة استهلاك الغذاء الوارد للقطاع ويقدر فيها عدد السعرات الحرارية اللازمة يوميًا للفرد في القطاع بـ 2279 سعرة، وما يدخل لغزة لا يحقق المعدلات الطبيعية للسعرات الحرارية، بل ويؤدي إلى الموت جوعا في بعض الحالات.

وخلال الأسبوع الأخير، يتحدث الفلسطينيون في مدينة غزة وشمالها عن عودة التجويع وشبح المجاعة للواجهة من جديد في ظل ندرة السلع الغذائية من لحوم وخضروات وفواكه وارتفاع أسعارها وعدم وجودها بشكلِ يومي.
وأظهرت بعض الصور ومقاطع الفيديو تأثيرات المجاعة على الأطفال والنساء لا سيما الحوامل منهن، وهو ما أشارت له الجهات الصحية في غزة عن عمليات ولادة مبكرة تتم بفعل سوء التغذية الناجمة عن المجاعة.


سلع شحيحة تفاقم المجاعة


يفيد الفلسطيني محمد شهوان من الباقين في شمال القطاع، بأن المجاعة عادت بشكل فعلي وحقيقي لمدينة غزة وشمالها في ظل ندرة السلع الغذائية وعدم توفرها في الأسواق مقارنة بالفترات السابقة، وهو أمر له تداعيات خطيرة.
ويقول شهوان لـ "العربي الجديد" إن أسعار السلع تجعل السكان غير قادرين على شرائها في ظل انعدام فرص العمل وعدم وجود مصادر دخل مالية بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر التاسع على التوالي.
وحسب المواطن الفلسطيني، فإن أسعار الخضروات الأساسية مثل البندورة (الطماطم) وصلت إلى 120 شيكلا للكيلو غرام الواحد، أما الخيار فبـ60 شيكلا، في حين يبلغ ثمن الفلفل 400 شيكل للكيلو، والكوسا 40 شيكلا. (الدولار = 3.76 شواكل إسرائيلية)
وعن اللحوم، يلفت شهوان إلى عدم توفرها مثل الخضروات بشكل دائم فيما تسجل هي الأخرى أسعاراً قياسية حيث يصل سعر الكيلو غرام الواحد من جناح الدجاج إلى 120 شيكلا و150 شيكلا لصدر الدجاج في حين تبلغ تكلفة لحم العجل 400 شيكل للكيلو الواحد و300 شيكل للكيلو الواحد من لحم الخروف.



المجاعة الحقيقية 


من جانبه، يقول نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" جميل سرحان إن ما يحدث في شمال القطاع هو انعدام للأمن الغذائي ودرجة من درجات المجاعة في ظل عدم وجود تنوع في الغذاء، ما يمس بالهرم الغذائي.
ويضيف سرحان لـ "العربي الجديد" أنّ هناك نقصا في السلع الخاصة بالمواطنين في غزة والشمال، الأمر الذي يؤدي لانعدام كامل في تكوين الجسم ونقص كامل في المناعة لدى الأطفال على وجه الخصوص.
ويشير إلى أن هناك وفيات سجلت بفعل المجاعة، إلا أن طواقم المؤسسة الحقوقية لم تتمكن من رصد العدد الإجمالي لها في ظل أن هناك وفيات بفعل سوء التغذية إلى جانب وجود حالات مرضية تؤدي لعدم رصدها بشكل دقيق.
ووفق نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن أزمة التجويع تتزامن مع انعدام في جودة المياه ونقصها إلى جانب انهيار المنظومة الصحية وتراكم النفايات في الشوارع العامة في ظل استمرار الحرب للشهر التاسع على التوالي.
ويشدد سرحان على أنّ التجويع في غزة مرتبط بإعاقة قوات الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المساعدات، وهو ما تسبب في تراجع المساعدات الواردة للقطاع بما في ذلك الطائرات الجوية التي تلقي المساعدات، حيث وصلت نسبة التراجع إلى 79%.
ويؤكد سرحان أن ما يحصل من قبل الاحتلال هو استكمال للإبادة إلى جانب السلاحين الجوي والمدفعي، فالاحتلال يستخدم الجوع عبر هندسة خاصة ما يؤدي لضعف المناعة بالتزامن مع انهيار المنظومة الصحية.



تراجع كبير في المساعدات


من جانبها، تؤكد القائم بأعمال مدير الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إيناس حمدان لـ"العربي الجديد"، أنه لم يطرأ تغير ملحوظ على مستوى دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
وتقول حمدان إنّ ما يدخل للقطاع، بما في ذلك مناطق شمال القطاع، كميات قليلة جداً ولا تكاد تكفي للحاجات الضخمة والمهولة التي يحتاجها أكثر من مليوني نسمة في القطاع، مشيرةً إلى أنّ إجمالي شاحنات المساعدات التي دخلت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة للقطاع لم يتجاوز 450 شاحنة فقط، وهذه نقطة في بحر الاحتياجات.
وحسب القائم بأعمال مدير الإعلام في أونروا، فإن خبراء أمميين يلفتون إلى أنه ما لم يتم إدخال كميات منتظمة وكافية من الإمدادات الإغاثية، فإن قطاع غزة قد يدخل حالة من الجوع الشامل في منتصف يوليو /تموز المقبل.



تدمير قطاع الزراعة


في إطار خطة الاحتلال لتجويع القطاع وزيادة الأسعار بمعدلات قياسية، قالت مؤسسة حقوقية دولية، أمس الاثنين، إنّ الاحتلال الإسرائيلي أخرج أكثر من 75% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، إما بعزلها تمهيدًا لضمها للمنطقة العازلة على نحو غير قانوني أو تدميرها وتجريفها.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأدى العدوان الإسرائيلي، وفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى تدمير السلة الغذائية من الخضروات والفواكه واللحوم، بالإضافة إلى تدمير كافة مقومات الإنتاج الغذائي المحلي الأخرى، بالتوازي مع منع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية في إطار تكريسها للمجاعة في قطاع غزة واستخدام التجويع سلاح حرب، ضمن جريمة الإبادة الجماعية المستمرة للشهر التاسع على التوالي.
وفي بيان وصل إلى "العربي الجديد"، قال المرصد الذي يتخذ من جنيف مقراً له، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي عملت بشكل منهجي منذ بدء هجومها العسكري على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على تدمير منهجي وواسع النطاق للأراضي الزراعية ومزارع الطيور والمواشي بنمط واضح ومتكرر؛ بهدف تجويع السكان وحرمانهم من السلة الغذائية من الخضار والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، وجعل أمر نجاتهم مرهونًا بالقرار الإسرائيلي بإدخال أو منع إدخال المساعدات الإنسانية.
وتوفي أربعة أطفال فلسطينيين في شمالي قطاع غزة نتيجة التجويع وسوء التغذية، الأمر الذي يرفع عدد ضحايا التجويع إلى نحو 40 شخصا في قطاع غزة، وفق إعلان سابق من مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع، وثق تفاصيله المرصد.
وخلص تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج (اليونوسات) إلى تراجع ملموس في صحة المحاصيل وكثافتها في شتّى أرجاء القطاع بسبب عمليات التجريف وحركة المركبات الثقيلة والقصف الجوي والمدفعي، وغير ذلك من العمليات المرتبطة بالنزاع وحتى شهر مايو/ أيار 2024.
إلى جانب ذلك، أظهر تقييم آخر لمنظمة الأغذية والزراعة أن نحو 30% من مساحة البيوت البلاستيكية في قطاع غزة لحقت بها الأضرار حتى يوم 23 إبريل/ نيسان الماضي، فيما شهدت مناطق مدينة غزة وشمال غزة أشد الأضرار (نحو 80% من مساحات البيوت البلاستيكية فيها دُمرت). وتضررت مئات المباني الزراعية حتى تاريخ 20 أيار/مايو، بما فيها 537 حظيرة منزلية و484 مزرعة دجاج و397 حظيرة أغنام و256 مستودعًا زراعيًا، فضلًا عن نحو 46% من الآبار الزراعية في غزة (1049 من أصل 2261 بئرًا).

المساهمون