هل هنالك بديل لدولرة الاقتصاد العالمي؟

27 يونيو 2023
قيمة الأصول في السوق المالي الأميركي تفوق 90 تريليون دولار (Getty)
+ الخط -

رغم محاولات العديد من الدول التخلص من " دولرة اقتصاداتها" والبحث عن بديل في التسويات التجارية والاحتياطات الأجنبية، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أنّ العملة الأميركية ربما ستظل الوسيلة النقدية المثالية في العالم لفترة طويلة مقبلة وأن البدائل المحتملة تواجه صعوبات رئيسية.

في هذا الصدد يرى محللون أن التهديدات على الدولار مبالغ فيها ومن غير المرجح أن يتعرض الدور الحالي للعملة الأميركية في الاقتصاد العالمي لتحديات خطيرة في أي وقت قريب، وذلك بساطة  لأربعة أسباب رئيسية، أولها أن الدولار ظل "وسيلة التبادل" المهيمنة في العالم، أو وسيلة الفوترة المثالية في البيع وشراء السلع الاستراتيجية في التجارة العالمية مثل الطاقة والذهب.

وعلى سبيل المثال، ذكرت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) أن الدولار لا يزال العملة الأكثر استخدامًا في نظام الدفع العالمي، حيث بلغت نسبته 41.7% من المدفوعات العالمية، يليه اليورو، بينما بلغت حصة اليوان الصيني نسبة 2.4% من مدفوعات SWIFT.

الدولار لا يزال العملة الأكثر استخدامًا في نظام الدفع العالمي، حيث بلغت نسبته 41.7% من المدفوعات العالمية، يليه اليورو

وتأتي تلك الحصة الضئيلة لليوان رغم أن الصين تأخذ حصة كبيرة من التجارة العالمية. ويلاحظ أن الصين نفسها تعتمد على الدولار في معظم تسوياتها التجارية وتحتفظ بأكثر من 3 تريليونات دولار في احتياطاتها الأجنبية. وبالتالي ربما تكون أكثر حرصاً على استقرار الدولار في المدى القصير لأن استقراره يساهم في نموها الاقتصادي والتجاري.

أما السبب الثاني، فقد ظل الدولار "وحدة الحساب" الأساسية على مستوى العالم، مما يعني أنه بمثابة الطريقة القياسية التي يقيس بها الشركاء التجاريون القيمة السوقية للسلع والخدمات التي يتم تبادلها.

موقف
التحديثات الحية

ووفقًا لمجلس الاحتياط الفيدرالي، في الفترة من 1999 إلى 2019، شكل الدولار، نسبة 96% من الفواتير التجارية في أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية و74% في منطقة آسيا والمحيط الهادئ و 79% في بقية العالم.

وكان الاستثناء الوحيد في أوروبا، إذ ظل اليورو العملة الأساسية للفواتير. ولذا لا توجد حتى الآن عملة منافسة يمكن أن تكون بديلة للدولار على المدى القريب.

وثالث الأسباب، يُنظر المستثمرون الكبار في أنحاء العالم للدولار على نطاق واسع على أنه "مخزن للقيمة" وملاذ آمن في فترات الأزمات، وأنه العملة الأكثر استقراراً مقارنة بالعملات الأخرى. في هذا الصدد، تقول دراسة بمعهد بروكغنز للدراسات الأميركي، أن أكثر من 65 دولة تربط عملتها بالدولار.

أما السبب الرابع، فهو عمق السوق المالي والمصرفي الأميركي، حيث يقدر حجم سوق السندات الأميركية بأكثر من 50 تريليون دولار وسوق الأسهم في "وول ستريت" بأكثر 40 تريليون دولار، كما أن القطاع المصرفي الأميركي يعد الأضخم والأنشط في العالم.  وهذا العمق في الأدوات الاستثمارية والسيولة النقدية غير متوفرة في أسوق المال العالمية.

وسيطر الدولار على التجارة والتمويل العالميين منذ الحرب العالمية الثانية، وظل بمثابة الوسيط الأساسي لشراء وبيع السلع، فضلاً عن كونه العملة الأكثر أمناً لاحتياطيات النقد الأجنبي للمؤسسات المالية والشركات في جميع أنحاء العالم.

ويرى مصرف "مورغان ستانلي" الأميركي في دراسة أن الدولار يدعم التميز الاقتصادي والمالي للولايات كقوة عظمى مهيمنة على النظام العالمي. ويمنح  الدولار الولايات المتحدة وضعاً مهيمناً في التجارة والتمويل والتسويات الدولية.

أسواق
التحديثات الحية

ونظرًا لأن التجارة الدولية مقومة إلى حد كبير بالدولار، فإن الشركات والمستهلكين الأميركيين بشكل عام أقل احتمالاً من نظرائهم الدوليين لمواجهة تكاليف معاملات الصرف الأجنبي أو أخطار تغيير أسعار الصرف.

فضلاً عن ذلك، يقول البنك في الدراسة إن الطلب العالمي القوي على الأوراق المالية الأميركية المقومة بالدولار، مثل سندات الخزانة، سمح للحكومة الأميركية بالاقتراض بأسعار فائدة منخفضة نسبياً لتمويل احتياجات الإنفاق.

ولكن رغم هذا التميز للعملة الأميركية، يخشى بعض المستثمرين من أن الدولار قد يفقد مكانته المهيمنة التي احتفظ بها منذ أن حل محل الجنيه الإسترليني كأكبر عملة احتياط في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي الآونة الأخيرة، زادت هذه المخاوف وسط التوترات الجيوسياسية التي قد تعزز دور العملات الأخرى في التجارة والتمويلات والتسويات المالية في العالم، مثل اليورو واليوان الصيني أو حتى بروز عملة مشتركة مقترحة بين مجموعة دول البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

وظلت فكرة "إزالة الدولرة"  أو الحد منها تسيطر على العديد من المستثمرين خلال العقد الجاري بسبب التنافس العالمي بين تحالف " بكين  ـ موسكو" وبين واشنطن وضغوط العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة على عدة دول مناوئة لسياستها.

وأدت هذه الضغوط إلى تراجع حصة الدولار من العملات الاحتياطية بسبب تنويع البنوك المركزية لاحتياطاتها من العملات الأجنبية تفادياً للعقوبات الأميركية.

ويقول " مورغان ستانلي" من الناحية النظرية، يمكن أن تضر المنافسة المتزايدة من العملات الأخرى بالطلب العالمي على الدولار، مما قد يتسبب في انخفاض قيمته في أسواق الصرف الأجنبي وخسارة بعض المزايا التي منحتها هيمنته على المؤسسات والمستثمرين الأميركيين.

لكن تحليل المصرف الاستثماري، يقول: "رغم التململ العالمي من الدولار في العديد من دول العالم، ولكن لا  يوجد بديل حتى الآن، له قابلية الحلول محله، ولا يوجد وسيط نقدي عالمي يقترب من تشكيل تهديد حقيقي للعملة الأميركية.

فاليورو، ثاني أكبر عملة احتياط في العالم ويمثل نسبة 21% من الاحتياطيات الأجنبية، ولكنه لا يزال بعيداً عن منافسة الدولار الذي يحتل ما يقرب من 60% من احتياطات البنوك المركزية العالمية.

من جانبه يشير مكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأميركية إلى أن هنالك عوامل رئيسية تمنع استخدام اليورو كعملة احتياط بديلة للدولار، أهمها النقص في المعروض من الأصول عالية الجودة المقومة به والتي يمكن للمستثمرين الدوليين والبنوك المركزية استخدامها كمخزن للقيمة، خارج منطقة اليورو.

ويضيف أن الرنمينبي أو اليوان الصيني يمثل جزءاً  صغيراً جدًا من احتياطيات النقد الأجنبي العالمي، كما أن الإدارة المركزية للاقتصاد الصيني وتحكم صانعي السياسة في سعر اليوان يجعل من غير المرجح أن يكتسب ثقة المستثمرين على المدى المتوسط.

على صعيد الذهب كبديل للدولار، يقول محللون اقتصاديون إن حجم التجارة العالمية وتوسع الناتج المحلي للاقتصادات يفوق مئات أضعاف كمية الذهب الموجودة في العالم، كما أنه مكلف في النقل، مما يجعله غير مثالي كوسيط للتبادل التجاري أو وحدة حساب مثالية مقارنة بالدولار.

على صعيد محاولات "تحالف بكين موسكو"، يرى محللون أن العملة الموحدة التي تدرسها مجموعة بريكس  لا تزال عملة "افتراضية" حتى الآن وقد تجد دول المجموعة صعوبة في التنسيق عبر بنوكها المركزية، وقد تثبت في النهاية عدم استعدادها لاستبدال اعتمادها على الدولار بعملة يحتمل أن تكون متقلبة وقد تواجه صعوبات في تسويقها.

وسط هذه الظروف يرى خبراء، سيكون من الصعب الابتعاد عن النظام المرتكز على الدولار، وأن التهديدات على الدولار التي يتناولها البعض مبالغ فيها ومن غير المرجح أن يتعرض الدور الحالي للدولار في الاقتصاد العالمي لتحديات خطيرة في أي وقت قريب.

وعلى الرغم من كل الحديث عن ضرب العولمة وإزالة الدولرة، لا يزال الدولار يهيمن على التسويات المالية والتجارة العالمية، كما أن العلاقات المالية والتجارية بين الولايات المتحدة والشركاء الرئيسيين قوية، خاصة مع أوروبا التي يصل حجم التجارة بينها وبين أميركا إلى نحو تريليون دولار.

ويذكر أن قوة الدولار بسبب الارتفاع السريع في الفائدة التي نفذها مجلس الاحتياط الفيدرالي، البنك المركزي الأميركي" منذ العام الماضي سببت متاعب للعديد من الاقتصادات العالمية، وسعت بعض البنوك المركزية في أوروبا وتركيا رسم مسارات مختلفة ولكنها سرعان ما عادت لمسار رفع الفائدة.

حيث سعى البنك المركزي الأوروبي لرسم مسار مختلف عن الاحتياط الفيدرالي في وقت مبكر من العام الماضي، مشيراً إلى أنه سيبقي أسعار الفائدة على اليورو دون تغيير، لكنه عاد لاحقاً لزيادة الفائدة حينما تدهور سعر اليورو وهربت الاستثمارات من السندات الأوروبية.

المساهمون