هل ساهم رفع الفائدة في دعم الليرة التركية ولجم التضخم؟

30 اغسطس 2023
يكابد الأتراك والمقيمون الأمرّين في ظل غلاء الخدمات والسلع الحيوية (فرانس برس)
+ الخط -

لم يُجدِ رفع أسعار الفائدة نفعاً لناحية دعم سعر صرف الليرة التركية التي عاودت اليوم الأربعاء الهبوط إلى 26.734 مقابل الدولار، بعد تحسّن مؤقت في اليومين السابقين إلى 25.5 ليرة مقابل الدولار، إثر رفع سعر الفائدة، الخميس الماضي، من 17.5% إلى 25%، لتعود تركيا، لفخ الفائدة المرتفع الذي ستكون له تبعات "وخيمة" على تكاليف الإنتاج والبطالة، ويزيد من الآثار المعوِّقة لنسبة النمو، برأي مراقبين.

وكان البنك المركزي التركي قد رفع أسعار الفائدة بمقدار 750 نقطة أساس أي 7.5%، لتصل إلى مستوى 25%، مخالفاً توقعات اقتصاديين أشارت إلى زيادة تراوح بين 100 و250 نقطة أساس، ليكون الرفع الثالث منذ تشكيل الحكومة في مايو/ أيار الماضي، وتعيين حفيظة غاية أركان محافظة للبنك المركزي.

ولم يزد سعر الفائدة بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية في 28 مايو الماضي على 8.5% قبل الرفع الأول إلى 15% بعهد الحكومة الجديدة التي يقود فريقها الاقتصادي وزير المال محمد شيمشك، ومن ثم جاء الرفع الثاني إلى 17.5% قبل الرفع الأخير الذي فاق توقعات الشارع والمراقبين.

ويرى أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير، فراس شعبو، أنّ رفع سعر الفائدة بهذه النسبة "المرتفعة جداً" فاقت، حتى توقعات دعاة الرفع، لافتاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إلى أنّ الحكومة التركية الجديدة "تعتمد الصدمات ومخالفة توقعات الشارع والاقتصاديين"، وكأنّ الهدف هو تأكيد استقلالية القرار الاقتصادي وعدم علاقة الساسة به و"الرئيس أردوغان تحديداً، لأنه من أعداء الفائدة المرتفعة"، علّ تركيا تستعيد ثقة المستثمرين والأموال التي "هربت قبل الانتخابات وخلالها"، محذراً في الوقت عينه من التمادي باستخدام أداة رفع سعر الفائدة، ومذكّراً بما حصل من رفع للفائدة في الأرجنتين وصل إلى 81%.

وفيما يحذر من آثار رفع سعر الفائدة على الركود وانخفاض معدل النمو، بعد أن حققت تركيا نجاحات بهذا المجال وبلغت الثانية ضمن مجموعة العشرين (نحو 4% خلال الربع الأول والتوقعات بأن تصل إلى نحو 2.8% خلال العام الجاري)، يلفت شعبو إلى أنّ نسبة التضخم لا تزال مرتفعة (نحو 47%)، مستبعداً أن يواصل البنك المركزي التركي رفع نسبة الفائدة إلى مستوى التضخم وإن بقي عائد الإيداع سلبياً.

وحول الحلول الممكنة لتحسين سعر الصرف وتخفيض نسبة التضخم، يشير شعبو إلى أنّ "خلاص الاقتصاد التركي باستعادة ثقة الأموال والمستثمرين عبر تسهيلات وإعفاءات إضافية، بالتوازي مع زيادة الصادرات المتوقع وصولها العام الجاري إلى نحو 300 مليار دولار، وتنشيط السياحة، آسفاً لـ"رؤية سلوكيات عنصرية تؤثر بالسياحة" في تركيا.

ودافعت محافظة البنك المركزي التركي عن سياسة رفع سعر الفائدة، بقولها إنّ البنك ما زال يتبع خريطة طريق بهدف خفض مستدام لمعدل التضخم في عام 2024، "كما أعلنا للجمهور خلال تقرير التضخم"، من خلال اتخاذ إجراءات تدريجية وحاسمة.

استبعاد أن يستمر المصرف المركزي لرفع نسبة الفائدة إلى مستوى التضخم وإن بقي عائد الإيداع سلبياً

وجاءت تصريحات غاية أركان بعد أن رفع البنك المركزي التركي نسبة الفائدة، الخميس الماضي، وارتفع التضخم، الشهر الماضي، من 38.21% إلى 48% بسبب تدهور الليرة التركية وتأثير زيادات الضرائب المفروضة أخيراً من قبل الحكومة التركية.

لكن تركيا، بواقع الأزمات العالمية وآثار حرب روسيا على أوكرانيا، والخلل بعرض النفط والغذاء، لا تمتلك برأي الباحث باكير أتاجان إلا أدوات محددة، لتحسين سعر الصرف وتخفيض نسبة التضخم، ومنها تحريك سعر الفائدة لتحقيق وعود الحكومة بعودة التضخم إلى 10%.

ويشير أتاجان، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إلى أنّ "الحكومة والبنك المركزي بالغا هذه المرة برفع سعر الفائدة، لأنّ العودة إلى القواعد الاقتصادية التقليدية ربما هو الحل بواقع الاقتصاد التركي وتبعات الأزمات الدولية والنهج العالمي لرفع سعر الفائدة، ولكن ليس بهذه النسبة المرتفعة التي تدل على رفع جديد قد يصل إلى 30% نهاية العام".

ويلفت الباحث التركي إلى أنّ ما يهم المستهلك، تخفيض أسعار المنتجات وسعر الصرف، "لأن التضخم أكل زيادة الأجور التي قبضها قبل شهرين، ولم يتحقق استقرار الأسعار والاستقرار المالي، ووعد الوزير شيمشك كمبررات لرفع سعر الفائدة".

وكان وزير المال التركي قد وعد ببلوغ الاستقرار المالي الكلي ليكون من الأولويات لزيادة الرفاهية الاجتماعية، كاشفاً عن خطوات الخطة التي تعتمد أولاً على التزام الشفافية، والاتساق، والقابلية للتنبؤ، وامتثال المعايير الدولية كمبادئ أساسية في الفترة المقبلة.

محللون: ما يهم المستهلك هو تخفيض أسعار المنتجات وسعر الصرف الذي أدى إلى تدهور وضعه المعيشي

وبيّن شيمشك، خلال تصريحات سابقة، أنّ الهدف الأول من السياسة الاقتصادية الجديدة التي سيمضي بها، استعادة الانضباط المالي، أي تخفيض عجز الميزانية إلى مستوى يتوافق مع معايير "ماسترخت".

أما المكوّن الثاني لبرنامج شيمشك، فهو التشدد التدريجي بالسياسة النقدية وسياسة الدخل، بما يتماشى مع هدف التضخم، بهدف خفضه إلى خانة الآحاد على المستوى المتوسط، إضافة إلى العديد من الإصلاحات الهيكلية التي ستجعل الاستقرار المالي الكلي والمكاسب الأخرى "دائمة"، وفق قوله.

ولم يؤثر رفع سعر الفائدة مرتين سابقتين، بنسبة التضخم التي حددها معهد الإحصاء التركي مطلع أغسطس/ آب الجاري بنحو 47.83%، بعد تراجعها لثمانية أشهر، لتصل إلى 38.21 في يونيو/ حزيران الماضي.

بيد أنّ مدير مركز البحوث المالية بجامعة بهتشه شهير، إبراهيم أونالميش، يرى أنّ زيادة أسعار الفائدة التي أقرها البنك المركزي التركي شكلت "خطوة مهمة للغاية لتثبيت توقعات التضخم".

ويضيف أونالميش، لـ"بلومبيرغ إتش تي"، أنّ رفع أسعار الفائدة مقدار 750 نقطة أساس على خلاف التوقعات التي رجحت أن الزيادة ستكون قرابة 200 نقطة "أمر إيجابي من شأنه أن يؤدي إلى انحسار الآثار التضخمية"، مشيراً إلى أنّ الفترة الأخيرة التي شهدت فيها الأسواق صدمات اقتصادية وزيادة في الضرائب وأسعار الوقود "ستجعل فترة التعافي من آثار التضخم تمتد على مدى عام على الأقل".

من جهته، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ نسبة الرفع الكبير لأسعار الفائدة "مقلقة وغير مبررة، بل تتنافى مع مطالب النهج التركي والنمو المرسوم، وما تحقق من إنجازات على صعيد الصناعة والتصدير".

نسبة الرفع الكبير لأسعار الفائدة يرى فيها الخبراء خطوة مقلقة وغير مبررة ومحافظة البنك المركزي تدافع عن القرار

ويضيف كاتب أوغلو أنّ نسبة الفائدة المرتفعة "ستؤثر بلا شك في تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي وتحدّ من القروض، ما يعني تأثيراً حتمياً في الصادرات ونسبة النمو المأمولة 3% لهذا العام"، مشيراً إلى ما وصفه بـ"التناقض بالسياسة الحكومية، إذ تزيد من عرض الليرة بالسوق عبر رفع الأجور وغيره، وترفع في الوقت نفسه نسبة الفائدة".

ويلفت المحلل التركي إلى أنّ الحكومة الجديدة خلال 3 أشهر "رمت بمعظم ما في جعبتها من رفع ضرائب بعد أن نسفت نهجاً اعتمدته تركيا لثلاث سنوات من فائدة منخفضة، وعزل 3 رؤساء للمصرف المركزي كرمى لذلك"، متوقعاً عودة سعر الليرة التركية إلى التذبذب والتراجع، "لأنّ الحل يكون عبر دعم وتنمية الاقتصاد الحقيقي وجذب الاستثمارات، وليس بفتح الباب أمام الأموال الساخنة والمضاربين وإغرائهم بسعر فائدة مرتفع، ليتجهوا لخزائن المصارف".

وختم كاتب أوغلو بالقول إنّ "على الأتراك الانتظار حتى نهاية العام، ليقيّموا سياسة الحكومة الجديدة، رغم أنّ الأشهر الحالية ذروة تدفق القطع الأجنبي، سواء من الصادرات أو السياحة، ما ينعكس على تراجع الأسعار وتقليل العجز التجاري المقدّر بنحو 70 مليار دولار، وقد تكون أشهر الشتاء أكثر صعوبة لتنفيذ سياستهم الاقتصادية".

وكانت الحكومة التركية التي راهنت، برأي مراقبين، على رفع سعر الفائدة، قد اعتمدت أدوات أُخرى لتقليل الإنفاق العام وزيادة عائدات الخزينة العامة، فرفعت الرسوم الثابتة بنسبة 50% على تجديد الإقامة ورسوم جواز السفر وشهادة السياقة، بعد رفع ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الأساسية من غذاء ومشروبات ومنظفات من 8% إلى 18%.

كذلك رفعت الضريبة على المنتجات الإلكترونية والسيارات والسجائر والكحول بنسبة من 18 إلى 20% لتكون الضريبة الأكبر، والتي انعكست زيادة على الأسعار، فضلاً عن ضريبة استهلاك الوقود من 2.52 إلى 7.52 ليرات، لتزيد الأسعار على اعتبار الوقود سلعة محرضة وتدخل بجميع العمليات الصناعية والزراعية، الأمر الذي زاد من أسعار المستهلك، بدل تخفيضها، وأدى إلى لجوء بعض الشركات والتجار للاحتيال بالوزن، ليخفضوا بعض أسعار السلع الأساسية، ما دفع وزارة التجارة التركية إلى تحذير الشركات التي قامت بـ"زيادة خفية في الأسعار".

وبحسب بيان أصدرته وزارة التجارة التركية، اليوم الأربعاء، ستُطبَّق الغرامات على الشركات التي تزيد الأسعار بسبب التغيرات في الوزن والكمية والتغليف.

ووضعت الوزارة هذه الحالة "في نطاق حكم ممارسات التعبئة والتغليف المضللة التي تعطي الانطباع بعدم إجراء أي تغيير حتى لو أُجريَت تغييرات في أحد الأصناف، الطول والوزن والمساحة وقياسات الحجم وما شابه ذلك"، متوعدة بمنع الممارسات التجارية غير العادلة من خلال العقوبات وإجراء الفحوصات والتفتيش في جميع أنحاء البلاد.

ويدفع المستهلك التركي ثمن غلاء الأسعار وتهاوي سعر صرف الليرة الذي أكل رفع الأجور منتصف العام الجاري، بعد رفعين متتاليين العام الماضي.

وبحسب اتحاد نقابات العمال الأتراك، فقد ارتفع حد الجوع لشهر يوليو/تموز الماضي من نحو 8400 إلى 11658 ليرة، فيما لا يزيد الحد الأدنى للأجور على 11400 ليرة.

ويفيد اتحاد نقابات العمال بأنّ "حد الفقر الشهري ارتفع من 24185 إلى 37974 ليرة، وهو كمية النقود اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية الضرورية من مأكل ومسكن وتعليم ونقل، فيما حد الجوع يشمل المال اللازم لتأمين السعرات الحرارية اللازمة لعائلة تتكون من 4 أفراد خلال الشهر".

وكانت تركيا قد رفعت، منذ مطلع يوليو/تموز الماضي، الحد الأدنى للرواتب والأجور للعاملين في القطاع الخاص، من نحو 8500 ليرة إلى 11402 ليرة بهدف تحسين معيشة العمال بعد التضخم وتراجع سعر العملة التي تعدت 26.5 ليرة للدولار الواحد.

المساهمون