استمع إلى الملخص
- تحول محتمل للسعودية ودول أخرى لبيع النفط بعملات غير الدولار قد يضعف الطلب العالمي على الدولار، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي.
- هذا التحول قد يعزز من مكانة اليوان كعملة تجارية دولية ويشير إلى تغيرات في النظام المالي العالمي، مع تزايد الدعوات لاستخدام العملات الوطنية في التجارة الدولية.
شهد هذا الأسبوع انتهاء العمل باتفاقية البترودولار التي كانت المملكة العربية السعودية قد وقعتها مع الولايات المتحدة منذ 50 عاما، في يونيو/ حزيران 1973، ولكن رغم أهمية الاتفاقية، لم ترد أي أخبار حتى الآن بشأن قيام السعودية بأي خطوة تجاه تجديد الاتفاقية مرة أخرى أو حتى تعليقات من واشنطن. وكانت الولايات المتحدة قد أبرمت هذه الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية بعد فترة وجيزة من خروج الولايات المتحدة عن المعيار الذهبي للدولار، والذي ترتبت عليه بعد ذلك عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد الأميركي والتمويل العالمي؛ لا تزال موجودة حتى الآن.
ونصت اتفاقية البترودولار على التزام المملكة العربية السعودية ببيع نفطها بالدولار الأميركي بشكل حصري واستثمار فائض عائداتها من النفط في سندات الخزانة الأميركية. وفي المقابل، قدمت الولايات المتحدة الدعم والحماية العسكرية للمملكة. ويشار إلى أن صفقات النفط السنوية في البورصات العالمية تقدر قيمتها بحوالى 1.72 ترليون دولار، كما أن العالم يستهلك يومياً أكثر من 100مليون برميل، وهو ما يعني أن صفقات النفط العالمية هي غطاء مهم للدولار، بعد فك ارتباطه بالذهب.
وكانت هذه الاتفاقية مربحة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة التي وجدت مصدراً مستقراً للنفط وسوقاً ضخمة لديونها. وحتى الآن، لم تستطع سوى اتفاقيات قليلة أخرى أبرمتها الولايات المتحدة أن تحقق نفس القدر من الفوائد التي حققهتا اتفاقية البترودولار للاقتصاد الأميركي والدولار.
ومن خلال قيام السعودية ببيع النفط بالدولار الأميركي، فقد أدى هذا الاتفاق إلى رفع مكانة الدولار عالمياً، باعتباره العملة الاحتياطية العالمية، وساعد تزايد الطلب العالمي على الدولار لشراء النفط في الحفاظ على قوة العملة الأميركية، مما جعل الواردات رخيصة نسبياً بالنسبة للمستهلكين الأميركيين.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى استمرار تدفق رأس المال الأجنبي على سندات الخزانة الأميركية إلى دعم أسعار الفائدة المنخفضة داخل الولايات المتحدة وجعل سوق السندات الأميركي قويا للغاية، في ظل ضمان وجود مشترٍ ثابت للسندات الأميركية.
وقد يؤدي انتهاء صلاحية اتفاقية البترودولار إلى إضعاف الدولار الأميركي، وبالتالي الأسواق المالية الأميركية، وفي حال تم تسعير النفط بعملة أخرى خلاف الدولار، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب العالمي على العملة الأميركية، وهو ما قد يتسبب بمعاودة ارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وإضعاف سوق السندات في الولايات المتحدة وسط انحسار هيمنة الدولار.
وحسب تقرير لموقع بورصة ناسداك في نيويورك، كان هذا الترتيب مربحًا لكل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. وقال بول كريغ روبرتس، الذي عمل في البيت الأبيض أثناء إدارة الرئيس رونالد ريغان، إن تخلي العربية السعودية ودول أخرى عن البترودولار، سيؤدي إلى أحداث كارثية في الولايات المتحدة.
وأضاف في مقالة على موقعه: "إعلان العربية السعودية الأخير عن انفتاح حكومة المملكة على قبول مدفوعات النفط بعملات غير الدولار هو إعلان رئيسي هام تجاهلته الصحافة ووسائل الإعلام". وأضاف "ستؤثر نهاية البترودولار بشكل سلبي جدي على قيمة الدولار، وكذلك على التضخم وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة". ويرى الخبير الأميركي أن سياسة واشنطن المالية، التي تعتمد على مصادرة الأصول وفرض عقوبات، قوضت مكانة الدولار. ووفقا له، أخذت دول عديد في الوقت الحالي، تعرب عن رغبتها في استخدام العملات الوطنية في التجارة الدولية، حتى لا تصطدم بالتهديدات المحتملة من الولايات المتحدة. وقال: "إذا تخلت السعودية عن البترودولار، فسينخفض الطلب على العملة الأميركية وستتراجع قيمة الدولار. وهذا تهديد جدي لسلطة واشنطن وللقوة المالية للبنوك الأميركية". وفي وقت سابق، قالت مارجوري تايلور غرين عضو الكونغرس الأميركي، إن روسيا أظهرت للعالم القدرة على التجارة والتنمية بدون الدولار وبدون الصداقة مع الولايات المتحدة.
وكان كبير الاقتصاديين والمدير التنفيذي لشركة "هاي فريكونسي ايكونومكس" الأميركية المتخصصة في الأبحاث والمعلومات، كارل وينبيرغ، قد توقع في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2017، إن الصين ستقنع السعودية ببيع النفط باليوان. وأضاف وينبرغ في لقاء مع تلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي وقتها، "أعتقد أن عهد تسعير النفط باليوان قد اقترب، وسيبدأ مع قبول السعودية بيع نفطها باليوان، وفي حال قبول السعودية، فإن السوق النفطي سيتحول من الدولار إلى اليوان". أي أنه سيبدأ عهد البترويوان بديلا للبترودولار.
وتعمل الصين بكل ما في وسعها لتدويل اليوان، حيث إن حجم تجارتها مع دول العالم يفوق حجم التجارة الأميركية، ولكنها في المقابل لا تزال أسيرة للدولار الذي تتم عبره تسوية حوالي 80% من صفقاتها التجارية مع العالم، كما أن الدولار يحتل حصة 63% من احتياطات البنوك المركزية في العالم. ويسيطر على نظام التحويلات المالية "سويفت".
وحول تأثير تحول مبيعات النفط من الدولار إلى اليوان على أميركا، قال الخبير الأميركي وينبرغ "التحول من الدولار إلى اليوان سيسحب مبالغ تراوح بين 600 إلى 800 مليار دولار سنوياً من الصفقات النفطية التي تتم المتاجرة فيها حالياً بالدولار". وتعمل بكين على تقوية علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الرياض على أمل جذبها بعيداً من واشنطن، كما تستخدم روسيا نفوذها في المنطقة العربية والمصالح المشتركة في سوق النفط للضغط على السعودية.