استمع إلى الملخص
- وضعت الحكومة خطة استراتيجية للقضاء على تهريب الذهب، مستهدفة "صفر تهريب" دون قمع، مع تجاوز صادرات الذهب 1.5 مليار دولار في 2024، مؤكدة على أهمية تنظيم القطاع لدعم التنمية والاستقرار.
- يُستخدم الذهب المهرب في تمويل الحرب، حيث تعتمد قوات الدعم السريع على الذهب المهرب، ويُعد التهريب تحدياً بسبب التعدين التقليدي ونظام الدفع المقدم.
يسعى السودان إلى زيادة إيراداته من الذهب عبر ضبط عمليات التعدين وحصر الصادرات عبر بوابة رسمية واحدة لوقف عمليات تهريب الذهب التي استنزفت أحد أهم موارد الاقتصاد السوداني. وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، في سوق الذهب في دبي، إنّ "وارد الذهب من السودان لم ينقطع بسبب الحرب الدائرة، فالذهب السوداني يصل إلى دبي يومياً عبر تجار وشركات".
وقال مصدر، مفضّلاً حجب اسمه، إنّ " الحرب ربما زادت من وتيرة تهريب الذهب ووصوله إلى الأسواق الخارجية القريبة، خاصة أسواق مصر والإمارات". ونفى أحد التجار لـ"العربي الجديد" علمه بأن تكون الكميات خارجة بالطرق القانونية أو مهربة، أو أن يكون موردو الذهب السوداني تابعين للجيش أو لقوات الدعم السريع، مبيّناً أنّ "الذهب السوداني يُعرض بواسطة شركات معتمدة لدى بورصة الذهب".
وقال الاقتصادي محمد بابكر إنّ "أغلب الذهب المصدّر بصورة رسمية يذهب إلى دولة الإمارات؛ لوجود مرافق التصفية والمعايرة المعتمدة دولياً في تلك الدولة، إضافة إلى وجود حسابات للمصدّرين السودانيين في البنوك الإماراتية ذات الملاءة المالية القوية وغير الخاضعة لأي نوع من أنواع الحظر".
محاولات حكومية لوقف تهريب الذهب
وكشف مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية محمد طاهر عن خطة استراتيجية تهدف إلى القضاء على تهريب الذهب، مؤكداً في تصريحات سابقة أنّ الهدف هو الوصول إلى "صفر تهريب" من خلال تطبيق سياسات جديدة، دون اللجوء إلى القمع. وتجاوزت حصيلة صادرات السودان من الذهب 1.5 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024، وفق ما أفاد به مدير الشركة خلال تدشين النافذة السودانية الموحدة لصادرات الذهب في بورتسودان، في 9 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
وقال وزير المعادن السوداني محمد بشير أبو نمو، في تصريحات إعلامية، أمس الجمعة، إنّ "قطاع التعدين يمثّل مورداً حيوياً للاقتصاد الوطني مما يستدعي تعزيز جهود تأمينه وتنظيمه". وشدد على "أهمية التنسيق بين الجهات ذات الصلة لضمان تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد المعدنية وتأمين بيئة عمل مستدامة وآمنة"، لافتاً إلى أنّ "قطاع التعدين يمثل أحد الركائز الأساسية لمواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز الإيرادات ودعم التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي للبلاد".
وقال أبو نمو، في تصريحات سابقة، إنّ "الذهب السوداني يُهرّب بشكل متواصل ويسهل نقله بشكل غير قانوني إلى الإمارات، مستفيداً من نظام عالمي متساهل يتتبع مصدر الذهب عند دخوله إلى السوق الدولية دون الاهتمام ببلد المنشأ الاصلي". وقال الوزير إنّ "قوات الدعم السريع جمعت عائدات ضخمة من تهريب الذهب على مدار السنوات الأربع الماضية".
وقال مختصون إنّ الذهب يُهرّب إلى دول الجوار نتيجة لشح المعلومات عن مصدره، إذ تقوم الأجهزة المعنية في الدول المجاورة بإغماض الأعين عن عمليات التهريب، فضلاً عن عمليات التهريب التي تتم عبر المنافذ الرسمية للسودان بتواطؤ من بعض منسوبي الأجهزة الرسمية والمهربين.
من جانبه، أكد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في تصريحات صحافية، أنّ "الدولة وضعت يدها على مربعات تعدين الذهب التي كانت بيد الدعم السريع". وأضاف أنّ "الإجراءات العاجلة التي من المفترض أن تتم الآن هي ضرورة إيقاف تهريب الذهب، وعلى مؤسسات الدولة التي يتبع لها هذا الملف، التدخل باعتباره حماية لثروة قومية". وقال إنّ "وقف تهريب الذهب سيمكّن السودان من ضمان عائدات هذا المعدن النفيس، وهي عائدات كافية للسودان لا يحتاج بعدها إلى أي دعم خارجي".
تهريب الذهب لتمويل الحرب
وأكد خبراء استخدام الذهب في تمويل الحرب الدائرة الآن في السودان، كما أشارت تقارير أممية إلى أنّ قوات الدعم السريع تمول حربها من خلال الذهب السوداني الذي يتم تهريبه إلى الإمارات ومنها لوجهات أخرى. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، فإنّ قوات الدعم السريع تعول على الذهب المهرب من السودان، وعلى علاقتها بمجموعة فاغنر الروسية لتمويل معركتها الدائرة للسيطرة على السودان.
وكشف التقرير أنّ الذهب المهرب من السودان يصل إلى أسواق الإمارات باستمرار. وأكد مراقبون أنّ تاجر ذهب موالياً لقوات الدعم السريع مقيماً في دبي تسلّم، في مايو/ أيار 2023، بعد شهر واحد من نشوب الحرب، 50 كيلوغراماً من الذهب، وبعدها تسلمت قوات الدعم السريع منظومة الدفاع الجوي المحمولة، والتي تتألف من صواريخ بعيدة المدى دخلت عبر ليبيا بدعم من اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، الموالي لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
ومنذ منتصف إبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حرباً خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما يؤكد بحث لجامعات أميركية أن إجمالي القتلى يصل إلى نحو 130 ألف شخص قتلوا بشكل مباشر وغير مباشر.
وفِي بداية الحرب سيطرت قوات الدعم السريع على مصفاة الذهب في الخرطوم، وعمدت إلى نهب الذهب الموجود بها، كما سيطرت على مبنى بنك السودان الذي يخزن به الذهب التابع للحكومة. ولا يُستثنى الجيش السوداني كذلك من تمويل الحرب عبر الذهب، فقد تم تصدير كميات كبير خلال فترة الحرب، فضلاً عن شكوك حول تهريب كميات أخرى لصالح مليشيات تقاتل إلى جانب القوات المسلحة. وأشارت تقارير متعددة إلى سيطرة عدد من الجهات الأمنية على الذهب في السودان، فيما لفتت وسائل إعلام غربية إلى تورّط قادة عسكريين بالضلوع في تهريب الذهب إلى خارج البلاد.
وقال معهد استوكهولم للسلام إنه منذ تسعينيات القرن الماضي تسيطر النخب المتمركزة في الخرطوم على الموارد الطبيعية في السودان، مثل قوات الدعم السريع التي سيطرت على مناطق التعدين. ووفقاً لتقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإنه منذ استيلاء الجيش السوداني على السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 كثفت "فاغنر" شراكتها مع قائد قوات الدعم السريع.
وتشير تقارير متعددة لشراكات متعددة للجيش السوداني مع شركات أجنبية تنقب عن الذهب في السودان مثل شركة ميروقولد التي طاولتها إجراءات لجنة مكافحة الفساد وإزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة، لكنها غيّرت اسمها لشركة "الصولج" بعد سيطرة الجيش على الحكم، وكانت الشركة قد نالت امتيازات متعددة ومخالفة للقانون بأمر من الرئيس المخلوع عمر البشير.
كذلك دخلت شركة أسوار الأمنية التابعة لهيئة الاستخبارات العسكرية كشريك لتوفير خدمات لوجستية تمثلت في تسيير رحلات جوية لصالح الشركة وتوفير الحماية اللازمة والدعم اللوجستي ليثبت لاحقاً ضلوع الشركة في تهريب الذهب من خلال قضية القبض على ثلاثة أفراد منتمين لها خلال عملية تهريب سبعة كيلوغرامات من الذهب يقودها رئيس الأمن والسلامة بالشركة، الروسي الجنسية، وما تبع ذلك من تحقيقات شملت 31 شخصاً يعملون في الشركة التي ارتبطت بصورة مباشرة مع "فاغنر".
وخلال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاق سلام جوبا مع حركات الكفاح المسلح، في 31 أغسطس/ آب 2020، تمدد عدد من الفصائل المسلحة والكيانات الأمنية لبسط سيطرتها على عدد من المناجم في عدد من الولايات السودانية، وفرض شراكات بالقوة مع عدد من شركات التعدين التقليدي، بدعوى توفير الحماية خاصة حركة "جلهاك" وحركة "جيش تحرير السودان" تحت قيادة مني أركو مناوي، كما تسيطر الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو على مناجم في جنوب كردفان، وتسيطر "الدعم السريع" على كثير من المناجم في دارفور وصحراء الولاية الشمالية.
وأحبطت سلطات الجمارك في مطار بورتسودان أخيراً، تهريب 22 كيلوغراماً من الذهب كانت في طريقها للخارج، وأكد مصدر لـ"العربي الجديد"، أنّ الكمية المضبوطة كانت تابعة لقيادي بارز في واحدة من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، والتي تنحاز حالياً للقتال مع الجيش السوداني. كما تم تسريب وثائق، تشير إلى ضلوع رجال أعمال وقادة نافذين داخل المؤسسة العسكرية في عمليات تهريب الذهب، حيث قاموا وفقاً لوثائق مسربة، بتخصيص طيران بعيداً عن الضوابط المتبعة في مجال النقل الجوي.
وأكد وزير الإعلام السوداني حمزة بلول، في سبتمبر/ أيلول 2021، أن السودان فقد نحو 267 طناً من الذهب خلال 7 سنوات عن طريق التهريب، وأشار استناداً إلى تقرير للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى أنّ معدل تهريب الذهب خلال الفترة من 2013 إلى 2018 بلغ نحو 80 كيلوغراماً يومياً. ولفت التقرير إلى وجود عجز يقدر بنحو 13.5 مليار دولار بين بيانات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط من السودان، خلال ذات الفترة.
ويساهم الذهب بنحو 50% من قيمة الصادرات السودانية بما يعادل نحو 2.3 مليار دولار، ويتم تصدير الذهب بنظام الدفع المقدم، أي يودع المصدر القيمة الدولارية لصادر الذهب قبل الشحن للخارج. أما الصعوبة التي تجدها الأجهزة الرسمية في السودان لضبط تهريب الذهب فهي أنّ أغلب تعدين الذهب في السودان يقوم به الأهالي تقليدياً بنسبة تتجاوز 80% من الحجم الكلي، ويتحرك المعدنون من الأهالي في مساحات واسعة جداً، تتصل بحدود السودان الخارجية في أغلب المواقع. كما أن نظام الدفع المقدّم مع عدم استقرار قيمة العملة السودانية يشجع على التهريب، لأن وجود القيمة بالدولار بيد المصدر (المهرب) في الخارج تمكنه من المضاربة في العملة، أو استيراد سلع تحقق له أرباحاً كبيرة في السودان.