هل تنجح خطة روسيا في استخدام الغاز سلاحاً للضغط على أوروبا؟

27 ابريل 2022
زودت روسيا الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بنسبة 32% من إجمالي واردات الغاز في 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

في قرار أثار مخاوف من حصول نقص في الإمدادات، ليس في أوروبا الشرقية والوسطى فحسب، بل في القارة العجوز بأسرها، قطعت مجموعة "غازبروم" الروسية العملاقة، اليوم الأربعاء، جميع صادراتها من الغاز إلى بلغاريا وبولندا، وسط ضغوط أوروبية حادة.

وبرز الأربعاء موقف للبيت الأبيض على لسان المتحدثة باسمه جين ساكي، التي قالت إن روسيا تستخدم بشكل أساسي إمدادات الطاقة كسلاح بقطعها إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، مضيفة: "مما يؤسف له أن هذا هو مثال كان متوقعا لما يشبه استخدام إمدادات الطاقة كسلاح". فما الذي يحصل بالضبط؟ وهل تنجح خطة روسيا في استخدام الغاز سلاحاً للضغط على أوروبا؟

1 - لماذا قطعت موسكو إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا؟

ردّاً على العقوبات التي فرضها الاتّحاد الأوروبي على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، حذّر الكرملين الدول الأعضاء في الاتحاد التي تتزوّد من روسيا بالغاز من أنّ هذه الإمدادات ستتوقّف إن هي لم تسدّد ثمنها بالروبل الروسي وليس باليورو أو الدولار، كما كانت عليه الحال حتى الآن، استنادا إلى وكالة "فرانس برس".

وأوضحت روسيا أن أسعار الغاز ستظلّ مقوّمة بالعملة المنصوص عليها في العقود المبرمة بينها وبين الدول الأوروبية، وهي في غالب الأحيان اليورو أو الدولار، لكنّ استيفاء ثمن الغاز لن يتمّ بعد اليوم بهذه العملة، بل بالروبل الروسي، ما يعني أنّ على الدول المعنية إجراء عمليات تحويل للعملة في روسيا.

والأربعاء، قال المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "الشروط التي حُدّدت تندرج في إطار طريقة دفع جديدة تمّت صياغتها بعد إجراءات غير ودّية لا سابق لها".

لكنّ هذا الشرط الروسي المستجدّ ردت عليه عدة دول أوروبية معنية، بما فيها فرنسا وألمانيا وبولندا، بـ"نييت" (كلّا بالروسية).

وبحسب كلوديا كيمفرت، خبيرة الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية "دي آي بليو برلين"، فإن "وقف إمدادات الغاز الروسي إلى بولندا وبلغاريا هو الخطوة الجديدة في التصعيد الذي يعتمده بوتين لإثارة الذعر في أوروبا".

غير أن الخبيرة طمأنت إلى أنّه "لا ينبغي توقّع حدوث مشاكل في الإمدادات في الوقت الراهن، لأنّ ألمانيا وأوروبا تزوّدتا بالغاز بشكل كافٍ".

2 - أي وزن لروسيا في سوق الغاز الأوروبية؟

عام 2021، زوّدت روسيا الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بـ32% من إجمالي وارداتهما من الغاز، مقارنة بـ25% في 2009، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، لكن هذه النسبة تختلف اختلافاً كبيراً بين دولة وأخرى.

فإذا كانت فنلندا تعتمد بنسبة 97.6% على الغاز الروسي، وفقاً لبيانات يوروستات للعام 2020، فإنّ دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، أعلنت في مطلع إبريل/نيسان الحالي، أنها توقفت عن استيراد الغاز الروسي بالكامل، معتمدة في الوقت الراهن على احتياطياتها من الغاز المخزنة تحت الأرض.

أما بلغاريا، التي أوقفت موسكو شحنات الغاز إليها الأربعاء، فهي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 85%، تماماً كما هي حال سلوفاكيا.

وفي ما يتعلّق بألمانيا، أكبر اقتصاد في القارّة، فهي لا تزال تؤمّن 55% من وارداتها من الغاز من روسيا، لكن وزارة الاقتصاد والمناخ الألمانية طمأنت إلى أن "أمن الإمدادات في ألمانيا مضمون حالياً".

3 - أيّ وزن لأوروبا في عائدات روسيا من بيع الغاز؟

بالاستناد إلى أسعار السوق الحالية، تبلغ قيمة صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي وحده 400 مليون دولار يومياً، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وبحسب موقع "غازبروم إكسبورت"، فإن 68% من صادرات مجموعة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" في 2020 ذهبت إلى أوروبا.

ومن إجمالي الصادرات البالغ 174.9 مليار متر مكعب، ذهب 119.35 مليار متر مكعب إلى أوروبا، منها ما يقرب من 49 مليار متر مكعب لألمانيا وحدها، وحوالى 21 مليار متر مكعب لإيطاليا، وأكثر من 13 مليار متر مكعب للنمسا.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإنّ "الدخل الناتج من صادرات الغاز والنفط شكّل في يناير/كانون الثاني 2022 ما نسبته 45% من الميزانية الفدرالية الروسية".

4 - بولندا تعلن "استقلالها" عن الغاز الروسي

هذا، وأعلن رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافتسكي أنّ بلاده، التي تستهلك ما يصل إلى 21 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، "مستعدّة لمواجهة وضع ينقطع فيه بالكامل" الغاز الروسي.

وبولندا هي نفسها دولة منتجة للغاز، وتبلغ قدرتها الإنتاجية حالياً حوالى 4.5 مليارات متر مكعب. ولدى البلاد محطة للغاز الطبيعي المسال بسعة تبلغ حالياً 6.5 مليارات متر مكعب من الغاز، يتوقّع أن تزداد قريباً إلى 8 مليارات متر مكعب.

ووفقاً للحكومة البولندية، فإنّ خزانات البلاد من احتياطيات الغاز ممتلئة بنسبة 76%، كما أنّ لدى بولندا شبكة لنقل الغاز تربطها بجميع جيرانها.

وتعتمد بولندا بالدرجة الأولى على خط أنابيب غاز "بلطيق بايب"، الذي سيدخل الخدمة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والذي سيتيح نقل ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز النروجي إلى بولندا عبر الدنمارك.

وقال مورافتسكي، الأربعاء: "سنتدبّر أمرنا حتى بوجود هذا المسدس المصوّب إلى رأسنا".

اجتماع لوزراء طاقة أوروبا في 2 مايو

هذا، ونقلت "رويترز" عن وزيرة الطاقة والبيئة الفرنسية باربرا بومبيلي، اليوم الأربعاء، قولها إن فرنسا ستستضيف اجتماعا لوزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي في 2 مايو/أيار لمناقشة كيفية التعامل مع قرار روسيا وقف إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا.

وأضافت بومبيلي في تدوينة على "تويتر": "في ضوء وقف تسليمات الغاز الروسي إلى بولندا وبلغاريا، يحتاج الأوروبيون إلى البقاء متحدين وإظهار التضامن في ما بينهم. سأنظم لقاء بعد ظهر الاثنين مع نظرائي لاجتماع خاص مع وزراء الاتحاد الأوروبي المسؤولين عن الطاقة".

وأوردت "فرانس برس" اتهام الاتحاد الأوروبي لروسيا بـ"الابتزاز" بعد قطعها، الأربعاء، إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، في حين أكدت موسكو أنها دمرت "كمية كبيرة من الأسلحة" التي سلمها الغرب إلى كييف.

دعوة أوروبية للتمسك باليورو أو الدولار في عقود الغاز

وقالت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، الأربعاء، إن المفوضية الأوروبية تنصح دول الاتحاد الأوروبي بأن تتمسك بعملتي اليورو أو الدولار في عقودها القائمة للغاز مع روسيا، وألا تدفع بالروبل لشراء الغاز.
وأضافت سيمسون أثناء اجتماع للطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: "هناك توجيه واضح إلى الشركات للالتزام بالعقود القائمة وألا توافق على مدفوعات بالروبل".

الفائض التجاري الروسي يقفز إلى 43.7 مليار دولار في شهرين

ومن موسكو، قالت هيئة الإحصاء الاتحادية الروسية (روستات)، الأربعاء، إن الفائض في تجارة روسيا الخارجية قفز إلى 43.7 مليار دولار في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من 18.2 مليار دولار في الفترة نفسها من 2021.

وأضافت روستات أن حجم التجارة الخارجية لروسيا في الشهرين الأولين من 2022 ارتفع إلى 148.3 مليار دولار، بزيادة قدرها 54.9% على أساس سنوي، بحسب رويترز.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال البنك المركزي الروسي إنه علق بشكل مؤقت نشر بيانات التجارة الخارجية على أساس شهري.

صادرات موانئ نفط روسيا تزيد 420 ألف برميل يومياً

وأفادت مصادر تجارية، الأربعاء، بأن صادرات روسيا من النفط الخام عبر موانئها الغربية ارتفعت في إبريل/نيسان على الرغم من توسيع العقوبات، لكن من المتوقع أن تنخفض في مايو/أيار عندما يبدأ سريان قيود جديدة فرضها الاتحاد الأوروبي.

وبحسب المصادر وبيانات للشحن البحري وحسابات رويترز، فإن صادرات الخام الروسي من موانئ بحر البلطيق ونوفوروسييسك في إبريل/ نيسان بلغت 2.34 مليون برميل يوميا، بزيادة قدرها 420 ألف برميل يوميا عن مستويات مارس/آذار.

واتجهت غالبية شحنات النفط الروسي التي جرى تحميلها في إبريل/نيسان إلى آسيا، وخصوصا الهند والصين، رغم أن بعضها اتجه إلى تركيا ودول أوروبية بموجب عقود قائمة طويلة الأجل.

المساهمون