مع عزم روسيا إنشاء مجمع للغاز في تركيا، تتبلور ملامح لمستقبل إمدادات "الوقود الأزرق" روسي المنشأ إلى الاتحاد الأوروبي، الذي تتخلى دوله واحدة تلو الأخرى عنه، سواء بسبب رفضها دفع قيمته بالروبل أو إثر زيادة اعتمادها على الغاز النرويجي والأميركي وتكثيف التعاون في مجال الطاقة مع الدول العربية مثل الجزائر وقطر والإمارات ومصر.
إلّا أنّه في حال أنشئ مجمع للغاز في تركيا، فسيتيح ذلك تصدير الغاز الروسي إلى تركيا أولاً وإعادة تصنيفه تركيَّ المنشأ، فيما لن تضطر دول الاتحاد الأوروبي لدفع قيمته بالروبل، بل ستدفعها لأنقرة وليس لعملاق الغاز الروسي "غازبروم" مباشرة.
ويعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كامران غسانوف، أنّ مشروع إنشاء مجمع للغاز الروسي في تركيا واقعي، متوقعاً أن يقبل الاتحاد الأوروبي بهذا الحلّ الوسط في نهاية الأمر من أجل حلّ مشكلة الطاقة.
خبرة في تجميع الغاز
ويقول غسانوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لناحية المبدأ، تركيا لديها خبرة في تجميع الغاز كونها تجمع الغاز الآتي من روسيا وأذربيجان وآسيا الوسطى وموارد نفطية عراقية، ثم تبيع لأوروبا والغرب، ولذلك ليست هناك أي عقبات أمام أداء تركيا مثل هذا الدور مع الغاز الروسي".
وحول رؤيته موقف الاتحاد الأوروبي من مثل هذه الصيغة، يضيف: "إذا كانت أوروبا هي المستهلك النهائي، فإنّها قد تلجأ لسلاح العقوبات، لأنّ الجميع يعلمون أنّ تركيا لا تملك غازاً، وستثير زيادة إمداداتها شبهات.
لكنّ تركيا يمكنها أن تزعم أنّ هذا الغاز ليس روسياً، وإنّما أذربيجاني أو قطري، بينما ستدعي الدول الأوروبية أنّها تشتري غازاً غير روسي رغم علمها بمنشئه الحقيقي، وأعتقد أنّها ستقبل بذلك من أجل حلّ مشكلة الطاقة".
من جهته، اعتبر رئيس مركز السياسة الخارجية التركية، حسين باغجي، أن الاقتراح الروسي بشأن إنشاء مجمع للغاز في تركيا لتحويل الغاز من "السيل الشمالي" إلى "السيل التركي" واعد، لكن يتعين على أنقرة تقييمه مع مراعاة المخاطر الجيوسياسية.
وقال باغجي في حديث لوكالة "تاس" الرسمية الروسية: "عند تقييم أنقرة الاقتراح الروسي، يتعين عليها بالدرجة الأولى الاسترشاد بالموقف الأوروبي منه"، مضيفاً: "يجب إبداء تفاؤل حذر... ستظهر الأيام القادمة كيف ستتطور الأحداث".
شروط روسية
وفي موسكو، رأى نائب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الدوما (النواب) الروسي، ميخائيل ديلياغين، أنّ الشرط الرئيسي لإنشاء مجمع الغاز في تركيا يجب أن يكون مرتبطاً بوقف توريد مسيّرات "بيرقدار" وغيرها من الأسلحة إلى أوكرانيا.
وقال ديلياغين في حديث لوكالة "أورا. رو": "لن تعود الفائدة إلى ألمانيا، وإنّما إلى تركيا، وستكون هذه هدية كبرى منا.. يا ترى ماذا سنحصل عليه في المقابل؟ على الأقل هناك أمل ألا نعود نرى المعدات التركية بين أيدي الجيش الأوكراني.. يجب أن يكون ذلك شرطا أوليا لأي مفاوضات".
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد رأى أن مجمع الغاز المقترح إنشاؤه في تركيا يمكنه أن يصبح منصة لتحديد أسعار الغاز مع استبعاد تسييس هذه المسألة، وحظيت هذه الفكرة بدعم نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وقال بوتين خلال محادثاته مع أردوغان على هامش القمة السادسة لمنتدى التفاعل وبناء الثقة في آسيا في أستانة، يوم الخميس الماضي: "في إطار عمل هذا المجمع الذي يمكننا إنشاؤه معا، لن تكون هذه بالطبع مجرد منصة للإمدادات، وإنما أيضا لتحديد الأسعار، لأنها مسألة هامة للغاية".
وأضاف: "هذه الأسعار مبالغ فيه كثيراً اليوم، ويمكننا التحكم فيها عند المستوى الطبيعي للسوق من دون أي جوانب سياسية".
تركيا بعد ألمانيا في استيراد الغاز الروسي
وبحسب بيانات شركة "غازبروم" عن العام الماضي، فإن مشتريات تركيا من الغاز الروسي بلغت نحو 27 مليار متر مكعب، لتأتي بذلك في المرتبة الثانية بعد ألمانيا البالغة وارداتها أكثر من 48 مليار متر مكعب.
وفي أعقاب مقترح بوتين، طلب أردوغان من وزير الطاقة التركي فاتح دونماز العمل على إنشاء مركز لتخزين الغاز الطبيعي في تركيا في أقرب وقت ممكن، مضيفاً، خلال تصريحات نقلتها قناة "إن تي في" نهاية الأسبوع الماضي، أن تركيا "ستتحول إلى مركز لتصدير الغاز".