تتواصل معركة البحث عن الغاز في أوروبا على وقع طبول غزو روسيا لأوكرانيا، وفي الوقت الذي استبعدت أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن تكون هنالك مشاكل في إمدادات الغاز إلى أوروبا ما دامت شركة "غازبروم" وروسيا "تفيان بوعودهما".
في ذات الشأن قال خبراء بمعهد "أوكسفورد" لدراسات الطاقة، البريطاني، في ندوة مغلقة عقدت يوم 2 فبراير الجاري حول سيناريوهات إمدادات الغاز الروسي لأوروبا في حال تطور النزاع الروسي الأوكراني إلى غزو لمنطقة دونباس، شرقي أوكرانيا، ورد أميركا والدول الغربية بفرض حظر مالي واقتصادي على موسكو، إنّهم يستبعدون وقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، لكن من غير المستبعد حدوث دمار لشبكة إمدادات الغاز العابرة لأوكرانيا إلى بعض الدول الأوروبية.
خبير في الطاقة الروسية: "من غير المحتمل أن توقف موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا، إلّا إذا شملت العقوبات الغربية المحتملة على روسيا في حال غزوها أوكرانيا حظر واردات الغاز
وقال جاك شاربلس، الخبير في الطاقة الروسية في الندوة: "من غير المحتمل أن توقف روسيا إمدادات الغاز بشكل كلي أو جزئي عن أوروبا، إلّا إذا شملت العقوبات الغربية المحتملة على روسيا في حال غزوها أوكرانيا حظر واردات الغاز الطبيعي".
لكنّه يضيف أنّ "مثل هذا الاحتمال غير وارد، إذ إنّ الحظر الذي تمت دراسته حتى الآن من قبل واشنطن وحلفائها ينحصر في العقوبات على القطاع المالي".
ووفق شاربلس، فإنّ من بين العوامل التي ستحول دون وقف روسيا لإمدادات الغاز لأوروبا، أنّ الميزانية الروسية تعتمد بنسبة 33% على الضرائب المتحصلة من الطاقة، إذ يمثل الغاز نسبة كبيرة من هذه الضرائب، وتمثل ضرائب الغاز نسبة 6% من دخل الميزانية الروسية.
أما من ناحية احتمال الحظر الأوروبي لاستيراد الغاز الروسي في حال الغزو، فإنه يرى أنّ هذا مستبعد لأنه سيضر كثيراً بنمو الاقتصادات الأوروبية، خاصة تلك التي تعتمد في جزء من دخلها على الرسوم التي تحصل عليها من مرور الغاز الروسي، كما يقول إنّ أسعار الغاز الطبيعي ستتضاعف وهذا سيكون غير محتمل بالنسبة للمواطن الأوروبي.
لكنّ شاربلس لم يستبعد حدوث دمار لخطوط أنابيب الغاز التي تمر عبر أوكرانيا في حال تطور الغزو من غزو محدود في شرق أوكرانيا إلى ما هو أوسع، ويقول إنّ هذا سيؤثر على سوق الغاز الأوروبي.
ويلاحظ أنّ خط الغاز الروسي عبر أوكرانيا يمر خارج منطقة دونباس شرقي البلاد، وبالتالي فإنّ التأثير ربما سيكون محدوداً، إلّا إذا تدهور الوضع وخرج الغزو الروسي عن السيطرة، وفي هذه الحالة فإنّ كلّ شيء محتمل.
مشاركون في ندوة معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة: إمدادات الغاز الروسي لأوروبا ستتأثر في حال شملت العقوبات المالية المتوقعة حظر روسيا من استخدام نظام سويفت
وفي سؤال حول ما إذا كان الأوروبيون سيتوقفون عن شراء الغاز الروسي في حال غزو أوكرانيا، قال خبراء آخرون في الندوة، إنّ مثل هذا الاحتمال غير وارد، لأنّه لن يحظى بإجماع داخل دول الاتحاد الأوروبي، وسيحدث اضطراباً غير محسوب العواقب في سوق الغاز الأوروبي.
لكنّ محللين مشاركين في الندوة التي عقدت بمعهد أوكسفورد لدراسات الطاقة، يرون أنّ إمدادات الغاز الروسي لأوروبا ستتأثر في حال شملت العقوبات المالية المتوقعة حظر روسيا من استخدام نظام التسويات والدفع "سويفت" لأنّ ذلك سيعني أنّ شركة "غازبروم" لن تحصل على أثمان مبيعاتها للغاز الأوروبي.
وعلى صعيد احتمال عرقلة أوكرانيا لمرور الغاز الروسي لباقي دول أوروبا عبر الخط المارّ في أراضيها، قال خبراء بالمعهد، إنّ هذا الاحتمال غير وارد، لأنّ أوكرانيا ستكون بحاجة إلى مساندة وعون دول الاتحاد الأوروبي في حال الغزو الروسي، وبالتالي لن تقوم بمثل هذه الخطوة التي ستغضب الدول الأوروبية.
من جانبها، قالت خديجة يافيماف، المتخصصة في الطاقة الروسية بالمعهد، في حال الغزو الروسي لأوكرانيا، فإنّ ألمانيا ستعلق ترخيص خط مشروع "نورد ستريم 2" الذي لم يبدأ الإنتاج بعد.
وخط "نورد ستريم 2" هو خط مهم لإمدادات الغاز الروسي يمرّ تحت بحر البلطيق ويمدّ ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب سنوياً، والأنبوب اكتمل من الجوانب الفنية، لكنّه لم يحصل على ترخيص من قبل الحكومة الألمانية أو مفوضية الطاقة في بروكسل.
وعلى صعيد سيناريوهات تعويض أوروبا إمدادات الغاز الروسي في حال الغزو واستخدام موسكو لسلاح الغاز، قال الخبير مايك فلوود في الندوة إنّ روسيا تمدّ أوروبا بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وإنّ احتمال تعويض هذه الكمية عبر الغاز المسال غير ممكنة على الرغم من الجهد الذي تقوم به الولايات المتحدة لإيجاد مصادر بديلة للغاز الروسي.
وقال إنّ هنالك أربعة مصادر لاستيراد الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا وهي الولايات المتحدة وأذربيجان وقطر ودول أفريقية من بينها الجزائر ونيجيريا.
مصرف "كوميرتس": أوروبا تواجه مشكلة في معالجة الغاز من مسال إلى بخار، إذ ليس لديها محطات معالجة كافية حتى في حال توفر شحنات الغاز الطبيعي المسال
وحتى الآن تعد الولايات المتحدة من أكبر الدول المصدرة للغاز المسال إلى أوروبا، وحسب مصرف "كوميرتس بنك" الألماني، فإنّ الولايات المتحدة رفعت إمداداتها من الغاز المسال إلى أوروبا بنسبة 20%، ومن المحتمل أن تصل هذا العام إلى 13.9 مترا مكعبا، كما أنّ بعض حلفائها في المنطقة العربية لديهم ارتباطات طويلة الأجل مع زبائنهم في آسيا.
كما يشير مصرف "كوميرتس" إلى أنّ أوروبا تواجه مشكلة في معالجة الغاز من مسال إلى بخار، إذ ليس لديها محطات معالجة كافية حتى في حال توفر شحنات الغاز الطبيعي المسال.
على صعيد إمدادات الغاز الطبيعي من أذربيجان، فإنّ تركيا تسعى لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط تاناب الذي يمتد من باكو إلى جيهان ومن ثم إلى اليونان وبلغاريا.
وفي هذا الصدد قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، إنّ تركيا مستعدة لتطوير التعاون مع دول المنطقة لتحقيق أقصى إنتاجية لمشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول "تاناب".
روسيا قد عرقلت إنشاء خط نابكو الذي كان مخططاً له نقل الغاز التركمنستاني إلى تركيا ثم إلى أوروبا
وكانت روسيا قد عرقلت إنشاء خط نابكو الذي كان مخططاً له نقل الغاز التركمنستاني إلى تركيا ثم إلى أوروبا.
ويلاحظ أنّ هذا الأنبوب كان مهماً لأنّ تركمنستان من الدول الغنية بالغاز الطبيعي وتحتل المرتبة السادسة في العالم لناحية الاحتياطات، إلّا أنّ موسكو تسيطر على صادرات الغاز الطبيعي وتوجهها إلى الصين كما تفعل مع باقي دول آسيا الوسطى.