بعدما أعلنت أكثر من شركة ملاحة تغيير خططها الخاصة بسير رحلاتها، بحيث تكون بعيدة عن مسار باب المندب القريب من اليمن، ارتفعت أسعار النفط، بسبب المخاطر التي تهدد الشريان الحيوي لتجارة الخام الدولية، ما سلط الضوء على مدى استفادة اقتصادات دول الخليج العربية من التوتر الجاري في البحر الأحمر.
وباتت تقديرات صندوق النقد الدولي بتراجع التضخم على مستوى العالم عام 2024 محل شك، فالصندوق ذهب إلى أن التضخم سيتراجع إلى 4.8%، بعد أن كان 5.9% عام 2023، لكن دون وضع مستجدات مخاطر الملاحة في الاعتبار.
كما تحوم ظلال من الشكوك حول تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" لعام 2022، الذي أورد توقعات بأن تشهد التجارة البحرية معدل نمو خلال الفترة 2023 ـ 2027 بنحو 2.1%، إذ قد تؤثر تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر على نتائج هذه التوقعات سلباً.
ويعزز هذه الشكوك أن أهم ما يمر عبر مضيق باب المندب من آسيا إلى أوروبا هو النفط، وبنسبة تصل إلى 25% من النفط العالمي بحسب تقرير الأونكتاد، إذ يمر "الذهب الأسود" من دول الخليج إلى قناة السويس عبر مضيق باب المندب، ومن ثم إلى آسيا وأوروبا.
والبديل الوحيد لهذا المسار هو طريق رأس الرجاء الصالح، أقصى جنوب القارة الأفريقية، والسير فيه يعني ارتفاع تكلفة النقل، بسبب طول الوقت المستغرق واستهلاك الوقود.
ومنذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ الحوثيون عملياتهم في البحر الأحمر عندما أعلنوا انخراطهم في الحرب ضد إسرائيل "انتصارا للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني"، حسب تصريح المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع. وتبعاً لذلك، تواصل شركات الشحن والنفط العالمية إعلانها تجنب المرور في البحر الأحمر، تحاشياً لتعرضها للخطر الذي يزيد قيمة التأمين، ومنها "بريتش بتروليوم".
وبنهاية الأسبوع الماضي، سجلت أسعار النفط أكبر مكاسب أسبوعية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتحولت صناديق التحوط العالمية إلى اتجاه أكثر تفاؤلاً بشأن صعود الخام، وذلك للمرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.
لكن الصعود المسجل في أسعار النفط والرهان على مواصلتها الزيادة في الفترة المقبلة حال استمرار الاضطرابات في البحر الأحمر قد لا يكون مفيداً تماماً للعديد من الدول الخليجية.
ويقول الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن دولا خليجية عدة ستكون أمام كلف إضافية لنقل النفط والغاز إلى أوروبا تحديداً، وذلك بخلاف إيران، التي تنساب بضائعها بسهولة عبر مضيق هرمز، خاصة أن معظم نفطها يذهب إلى آسيا، خاصة الصين.
وأشار الشوبكي إلى أن جزءا وازنا من صادرات الإمارات النفطية تذهب إلى القارة الأوروبية، وبالتالي فهي تتحمل أعباء إضافية في تكلفة النقل مقابل الارتفاعات التي جرت على أسعار النفط. أما المملكة العربية السعودية، فتملك أنبوب شرق غرب، الذي يمتد ما بين أبقيق إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، وتستطيع التصدير من خلال هذا الميناء بمقدار 5 ملايين برميل يومياً من صادراتها النفطية، بما يجعلها قادرة على تخطي عقبة باب المندب، وهو مقدار يفوق حاجتها من الصادرات التي تذهب إلى القارة الأوروبية، وبالتالي فهي الآن مستفيدة من المعادلة في البحر الأحمر بارتفاع أسعار النفط دون تحمل تكاليف إضافية في النقل.
ومع ذلك قال الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن استهداف السفن في البحر الأحمر يهدد حرية الملاحة في ممر عالمي حيوي وبالغ الأهمية، معتبرا أنه "لا أحد يستفيد" من هذا الوضع، سواء الدول المصدرة للنفط والغاز أو المستوردة لهما.
ويوضح أن الدول المصدرة تخسر لأن المسارات البحرية البديلة مكلفة جداً، إذ ترتفع تكلفة الشحن والتأمين، فضلا عن زيادة كلفة الوقود في مسار طريق رأس الرجاء الصالح، البديل عن طريق باب المندب، ما يضيف إلى الشحن لأوروبا من منطقة الخليج 14 يوماً، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن التقديرات الأميركية للكلفة الإضافية للشحن عبر رأس الرجاء الصالح تتراوح بين 400 ألف دولار ومليون دولار لكل سفينة، حسب الحجم والحمولة.
ويضيف أن تكلفة شحن الحاوية من آسيا لأوروبا ارتفعت بأكثر من ألف دولار، كما ارتفعت بمقدار أكبر من آسيا إلى الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن تكلفة استئجار ناقلة نفط تحمل مليوني برميل، قبل بدء التوترات واستهداف السفن في البحر الأحمر، بلغت 40 ألف دولار يومياً، بينما ارتفع هذا الرقم الآن إلى 60 ألف دولار يومياً.
ومن شأن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين إلغاء أي فائدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز، بحسب إسماعيل، وبالتالي فإن دول الخليج العربية ليست مستفيدة من استمرار الوضع في باب المندب على النحو الجاري، الذي يمثل إضراراً بالاقتصاد العالمي ككل، فضلا عن تكبد قناة السويس المصرية خسائر فادحة إذا جرى تصعيد الحرب وإغلاق مضيق باب المندب وهو ممر مائي ضيّق بين اليمن وجيبوتي عند أقصى جنوب البحر الأحمر.
أما السيناريو الأشد خطورة، بحسب إسماعيل، فيتمثل في تدخل إيران وإغلاقها لمضيق هرمز في الخليج العربي، وحينه قد تصل أسعار النفط إلى 140 أو 150 دولارا للبرميل، لأن خُمس تجارة النفط المنقول بحراً حول العالم تمر من مضيقي باب المندب وهرمز عبر قناة السويس.