هل تحظر أميركا مبيعات الغاز الطبيعي للصين؟

25 ابريل 2024
عمال يفحصون سلامة منشآت ومعدات الغاز في محطة بمقاطعة جيانغسو شرقي الصين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الولايات المتحدة تعتزم حظر صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين لزيادة كلفة منتجات الصين وتقليل تنافسيتها، مع اتهامات لبكين بإغراق الأسواق بسلعها.
- القيود الأمريكية قد تدفع الصين للتوجه نحو روسيا كمصدر بديل للغاز، مما يعزز الإيرادات الروسية ويؤثر على الديناميكيات الجيوسياسية في ظل التوترات القائمة.
- السياسة الأمريكية تجاه تصدير الغاز الطبيعي المسال تجمع بين الاعتبارات الاقتصادية، البيئية، والجيوسياسية، مع توقعات بتأثيرات مستقبلية على العلاقات الدولية والاستقرار الجيوسياسي.

تستعد الولايات المتحدة الأميركية لفصل جديد في الحرب التجارية مع الصين، ولكن من فوق منصات الطاقة، حيث تجري ترتيبات تهدف إلى حظر صادرات الغاز الطبيعي المسال إليها، بهدف جعل منتجاتها أكثر كلفة، بما يحد كثيراً من تنافسية سلعها عالمياً، حيث تتهم واشنطن بكين بإغراق أسواقها بالسلع.

في السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، خرج البيت الأبيض ووزارة الطاقة الأميركية ليعلنا عن إيقاف الموافقات مؤقتاً لبناء منشآت جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال بدعوى حماية المناخ.

لكن الأمر لم يخل حينها من أهداف انتخابية وفق محللين، إذ يرمي الرئيس الأميركي جو بادين إلى استمالة الناخبين عبر جعل أسعار الغاز أقل للمستهلكين في السوق الأميركية والذين تؤرقهم فواتير التدفئة والكهرباء.

وقال بايدن لدى إعلانه عن القرار، الذي سيوقف المضي قدما في ما لا يقل عن 17 مشروع تصدير في انتظار الحصول على الموافقة: "سوف نلقي نظرة فاحصة على آثار صادرات الغاز الطبيعي المسال على تكاليف الطاقة، وأمن الطاقة في أميركا، وبيئتنا".

لكن وزارة الطاقة نشرت في 23 فبراير/شباط، إشعاراً جديداً مشابهاً لإعلان 26 يناير/كانون الثاني الهادف إلى وقف تراخيص التصدير الجديدة، بيد أنه لم يحظ بانتشار، ويذهب هذه المرة إلى ما هو أبعد كثيراً من تحقيق أهداف المناخ والحفاظ على أمن الطاقة، إذ يرمي إلى عدم "بيع موارد الطاقة لدينا (الأميركية) إلى دول منافسة لا تتوافق مع مصالحنا ومصالح حلفائنا".

والدولة الوحيدة المحتملة التي يمكن أن تشتري الغاز الطبيعي المسال والتي ينطبق عليها هذا الوصف هي الصين، وفق تحليل مشترك لغابرييل كولينز، زميل مركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس الأميركية ومعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، وستيفن آر مايلز، زميل أبحاث في الغاز الطبيعي والطاقة العالمية في معهد بيكر للسياسة العامة.

وتطرق التحليل إلى السبب وراء تفكير الولايات المتحدة في تقييد مبيعات الغاز الطبيعي المسال للصين؟ لافتا إلى أنه رغم أن الصين استحوذت على أقل من 4% من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية خلال العام الماضي 2023، إلا أنها الآن أكبر وجهة لاستيراد هذه السلعة من الولايات المتحدة بموجب العقود طويلة الأجل، حيث يمثل المشترون الصينيون ما يقرب من 25% من الصادرات طويلة الأجل.

وأدى النمو السريع في استحواذ الصين على الغاز الطبيعي المسال من مصادر أميركية بموجب عقود طويلة الأجل إلى تعاظم مخاوف واشنطن بشأن احتمال تراكم إمدادات الطاقة لدى الصين، فضلاً عن احتمال إغراق السوق الأميركية بالمنتجات بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المكسيك تحديداً التي باتت فناء خلفياً لتمدد زحف السلع الصينية.

ووفق التحليل الذي نشرته مجلة "فورين بولسي" الأميركية على موقعها الإلكتروني، مساء الثلاثاء، فإن عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل الموقعة مع شركات الطاقة الأميركية تم تسعيرها بشكل عام أقل من الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الغاز الطبيعي الأميركي أرخص من الغاز في أماكن أخرى، وأيضا بسبب المنافسة القوية بين منتجي الغاز الأميركيين.

حرمان الصين من السلع الرخيصة

تقول هذه الحجة إن حرمان الصين من الوصول إلى الغاز الطبيعي المسال الأميركي قد يساعد في منع صادراتها إلى الولايات المتحدة من أن تكون رخيصة إلى هذا الحد.

وحتى الآن، لا تحظر وزارة الطاقة سوى صادرات الغاز الطبيعي المسال (إلى جانب الحظر المفروض على تصدير العديد من السلع الأخرى) إلى كوريا الشمالية، وكوبا، وإيران. ما يطرح تساؤلا عما إذا كانت الولايات المتحدة توشك على وضع الصين في السلة نفسها؟

في البداية، بدا هذا غير مرجح إلى حد كبير، خاصة وأن توقيع الصين على عقود طويلة الأجل سمح بتدفق مليارات الدولارات من رأس المال إلى العديد من مشاريع الطاقة الجديدة التي توظف عدة آلاف من العمال في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، بعد أيام فقط من النشر التوضيحي الذي أصدرته وزارة الطاقة لقرار إيقاف التصدير "المؤقت" في فبراير/شباط، أعلن أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أنهم "سيقدمون تشريعاً يحظر صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.

ويمكن أن تتكشف سيناريوهات متعددة في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة بشأن الإجراءات الأميركية في هذا الشأن. وعدم اتخاذ أي إجراء الآن لا يزال يمنح الولايات المتحدة الكثير من الخيارات.

ولفت الباحثان إلى أنه بجانب خيار الطاقة يمكن لواضعي السياسات في الولايات المتحدة مواجهة "طوفان" الواردات الصينية "الرخيصة" المدعومة من بكين، إما من خلال التعريفات الجمركية، كما سعى كل من الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، أو من خلال فرض تعديل حدود الكربون ليعكس استخدام الصين الساحق للفحم الذي ينبعث منه الكربون في عمليات التصنيع.

وتشمل مزايا "عدم اتخاذ إجراء" مباشر بشأن حظر تصدير الغاز المسال إلى الصين تجنب حرب تجارية مع الصين، بما في ذلك فرض حظر انتقامي محتمل من جانب الصين على الصادرات إلى الولايات المتحدة من المعادن الحيوية اللازمة للبطاريات، والهواتف الذكية، والتكنولوجيا النظيفة.

كذلك فإن عقود الشراء الصينية للغاز تضمن أيضاً بشكل فعال مشاريع أميركية جديدة وموسعة، مع فوائد اقتصادية وتوظيفية للولايات المتحدة، وفق التحليل.

وإذا اتخذت وزارة الطاقة إجراءً ضد الصين، فمن الممكن أن تقرر وزارة الطاقة اتباع نهج الحد الأدنى لتقييد الصادرات المستقبلية من خلال إلغاء أولوية طلبات تصدير الغاز الطبيعي المسال غير الخاضعة لاتفاقية التجارة الحرة والتي تحدد الصين كوجهة رئيسية.

ولفت الباحثان غابرييل كولينز وستيفن آر مايلز إلى أن أي إجراء تتخذه حكومة الولايات المتحدة لتقييد وصول الصين إلى الغاز الطبيعي المسال الأميركي من المرجح أن يدفع مشتري الغاز الطبيعي المسال الصيني إلى البحث عن إمدادات من مصادر منافسة، مع كون روسيا هي المرشح الأكثر ترجيحاً.

وإذا خلصت الصين إلى أن الولايات المتحدة تمنع وصولها إلى الغاز الطبيعي المسال، فقد يكون ذلك كافيا بالنسبة لها لتقرر كسر العقوبات الأميركية وضخ رأس المال والقدرات الفنية للمساعدة في توسيع نطاق صناعة الغاز الطبيعي المسال في روسيا.

وفي السنوات الأخيرة، تعاقد المشترون الصينيون على ما يقرب من 24 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وكلها تقريباً تأتي من المشاريع التي بدأت العمل في عام 2022 أو بعد ذلك.

وعلى هذا النحو، فإن القيود المفروضة على تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة والتي تزيد شهية الصين للغاز الطبيعي المسال الروسي ستكون "هدفاً خاصاً" استراتيجياً لأنها ستعزز الإيرادات المتاحة لتمويل الحرب في أوكرانيا والعدوان المحتمل في المستقبل.

ونهاية العام الماضي، أعلن رئيس شركة "غازبروم" الروسية أليكسي ميلر، أن صادرات الشركة من الغاز إلى الصين خلال 2023 زاد بمقدار مرة ونصف مما كانت عليه في عام 2022.

وتقوم "غازبروم" بتزويد الصين بالغاز عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا". وقد بدأت عمليات التسليم من خلال هذه الأنابيب في نهاية عام 2019 وفي عام 2020 بلغت 4.1 مليارات متر مكعب، وفي عام 2021 ارتفعت إلى 10.4 مليارات، ومن المقرر الوصول إلى الطاقة السنوية المخطط لها والبالغة 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2025، وفق ما نقلت صحيفة "China Daily" عن ميلر.

وأظهرت بيانات صادرة عن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، زيادة مطردة في استهلاك الغاز الطبيعي العام الماضي، مسجلا 394.53 مليار متر مكعب، بزيادة بلغت نسبتها 7.6% على أساس سنوي، وفقاً لوكالة "شينخوا" الصينية للأنباء.

وتواصل الصين الاستيراد بكميات أكبر، حيث ذكرت الهيئة نفسها، مطلع الأسبوع الجاري، أن واردات البلاد من الغاز الطبيعي سجلت نمواً سريعا خلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى بنسبة 22.8% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، لتسجل استيراد 32.79 مليون طن من الغاز الطبيعي.

قفزات أسعار الغاز في آسيا

ويبدو أن استراتيجية واشنطن لتقويض صادرات الغاز المسال إلى الصين قد تؤتي ثمارها لاسيما في ظل أجواء التوترات التي تخيم بشكل كبير على الشرق الأوسط.

ومنتصف إبريل/ نيسان الجاري قفز سعر الغاز الطبيعي المسال في آسيا إلى أعلى مستوى منذ أوائل يناير/كانون الثاني الماضي.

فقد تجاوز السعر خلال التعاملات الفورية 11 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وارتفع 40% تقريباً منذ نهاية فبراير/شباط. وحدث ذلك عقب مكاسب مماثلة في أوروبا، التي تتنافس مع آسيا على مشتريات الغاز الطبيعي المسال، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية التي أشارت إلى أن ارتفاع الأسعار جاء جزئياً أيضاً بسبب انخفاض تدفقات الغاز إلى مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بمقدار الربع خلال هذه الفترة بسبب أعمال الصيانة، وهو ما قد يحد من تدفق الإمدادات إلى آسيا.

وبعد زيارة بالغة الأهمية أجرتها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى الصين هذا الشهر، فإن الأجواء لا تزال متوترة بين أكبر اقتصادين في العالم، فقد عادت يلين إلى واشنطن خاوية الوفاض.

ولم يتم التوصل إلى تفاهمات بشأن شكاوى الولايات المتحدة بشأن القدرة الفائضة الصينية وإغراق السوق. كما انه لم تكن هناك دلائل تذكر على إحراز تقدم بشأن النقطة الشائكة المتعلقة بالدعم الذي تقدمه الصين لصناعة التكنولوجيا الخضراء، والتي قال مسؤولو وزارة الخزانة إنها تخاطر بإغراق الأسواق العالمية بالسلع الرخيصة، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

ورفضت يلين الخوض في تفاصيل حول الكيفية التي يمكن أن تنتقم بها الولايات المتحدة، لكنها قالت إن إدارة بايدن ستتحرك لوقف أي تكرار لما حدث قبل 10 سنوات، عندما قامت الصين بإغراق الأسواق العالمية بالصلب الرخيص، مما أضر بالمنافسين الأجانب وكلف شركاءها التجاريين وظائف. وأضافت: "أنا والرئيس بايدن لن نقبل هذا الواقع مرة أخرى"، مشيرة إلى أنه منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، فقدت الولايات المتحدة مليوني وظيفة في مجال التصنيع.

وقالت ماري لوفلي، الزميلة البارزة في معهد بيترسون للأبحاث، إن زيارة يلين تبدو "كأفضل مؤشر حتى الآن على أن الرسوم الجمركية الجديدة على الصين ستأتي، بغض النظر عمن سيفوز" في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وأضافت: "هذا احتمال محزن لمزيد من تمزق العلاقات الاقتصادية والمزيد من زعزعة استقرار سلاسل التوريد العالمية".

المساهمون