استمع إلى الملخص
- فشل المفاوضات بسبب خلافات حول تقييم "ناتورجي"، مما ألغى صفقة بأكثر من 25 مليار يورو، مسلطًا الضوء على التحديات في استحواذات قطاع الطاقة.
- مخاوف الجزائر وإسبانيا حول تأثير الصفقة على إمدادات الغاز وطموحات إسبانيا كمركز أوروبي للغاز، تبرز الأهمية الاستراتيجية للطاقة في السياسة الدولية وتأثير الصفقات التجارية على التوازنات الجيوسياسية.
تفادت علاقات الجزائر وإسبانيا مزيداً من التأزم بعد تراجع شركة طاقة الإماراتية عن شراء حصة في شركة ناتورجي الإسبانية، شريكة "سوناطراك" الجزائرية في سوق الغاز في هذا البلد الأوروبي، في ظل توتر غير مسبوق أيضاً بين الجزائر وأبوظبي منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم نهاية عام 2019.
والاثنين الماضي، ذكرت صحيفة "إل موندو" الإسبانية في تقرير لها، أن مجلس إدارة شركة أبوظبي الوطنية للطاقة "طاقة" القابضة انسحب بشكل "فاجأ الجميع" من المفاوضات الرامية لتقديم عرض لشراء حصة كبيرة في شركة ناتورجي المورد الرئيسي للغاز في إسبانيا. وبعد يوم واحد من تقرير الصحيفة الإسبانية، خرجت الشركة الإماراتية لتعلن في بيان رسمي، أنها تراجعت عن عرضها شراء حصة تزيد عن 40% في "ناتورجي"، مؤكدة أن المباحثات بهذا الصدد "انتهت والصفقة لن تتم". كما أكدت شركة "كرايتيريا كايكسا" الاستثمارية القابضة المساهمة في بنك "لا كايكسا" الإسباني والتي تمتلك 26.7% في "ناتورجي" في بيان منفصل أنّ محادثاتها مع "طاقة" انتهت "من دون التوصل إلى أي اتفاق".
ولم تحدد أي من "طاقة" أو "كرايتيريا كايكسا" الأسباب التي دفعتهما إلى إنهاء المفاوضات، لكن تقارير إعلامية إسبانية قالت إن المحادثات فشلت بسبب خلافات في تقييمهما لقيمة المجموعة الإسبانية. ونقلت "إل موندو" عن مصادر قريبة من المفاوضات، أن "طاقة" قررت "قبر" هذا العرض بشكل نهائي، ما يعني أن أكبر عرض استحواذ على الإطلاق في السوق الإسبانية، بقيمة تزيد عن 25 مليار يورو (27 مليار دولار)، قد تم إفشاله.
عرض إماراتي في الزمان والمكان غير المناسبين
وكما هو معلوم، فإن عرض الشركة الإماراتية للاستحواذ على أسهم "ناتورجي" جزئياً أو كلياً، جاء في ظرف تميز بتأزم غير مسبوق في علاقات الجزائر بإسبانيا على علاقة بقضية الصحراء الغربية، وإعلان حكومة بيدرو سانشيز دعمها لمقترح المغرب للحكم الذاتي كحل للنزاع في مارس/آذار 2022. وفي الوقت نفسه، تشهد علاقات الجزائر بالإمارات هي الأخرى توتراً غير مسبوق منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم نهاية عام 2019، خاصة بعد انتقاده العلني لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
وبعدما ظهر العرض الإماراتي لشراء "ناتورجي" في إبريل/ نيسان الماضي، هددت الجزائر عبر مصدر رسمي لم يكشف عن هويته، بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا، إذا حصل تغيير في هوية مالكي شريكة "سوناطراك" وهي "ناتورجي". وبدا واضحاً أنّ الحفيظة الجزائرية من الصفقة حينها، سببها ما تردد في وسائل إعلام إسبانية، من أنّ العرض سيكون في خدمة المصالح الاقتصادية للمغرب، الذي سيستفيد من ضخ عكسي للغاز الجزائري من طرف الإماراتيين، عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي أوقفت الجزائر العمل به منذ خريف 2021.
ونهاية 2021، هددت الجزائر بقطع الإمدادات عن إسبانيا إن حدث تحويل في الوجهة النهائية للغاز نحو دولة أخرى، وفق ما تنص عليه البنود التعاقدية بين "سوناطراك" و"ناتورجي". وترتبط "سوناطراك" بعقود طويلة المدى لإمداد شركة ناتورجي الإسبانية بالغاز إلى غاية 2031.
أسباب تعطيل الصفقة
وساد شبه إجماع بالجزائر في دوائر مقربة من شركة النفط الحكومية "سوناطراك" أن الصفقة ستوقفها حكومة مدريد المدعومة بمرسوم ملكي يخول إليها ذلك، من جهة، وأيضاً نظراً إلى الأضرار المحتملة للصفقة على مصالح إسبانيا الاستراتيجية وهي الغاز الطبيعي.
وتشي التطورات الأخيرة بأن مدريد لم تشأ مزيداً من التأزم في علاقتها المتوترة أصلاً مع الجزائر منذ مارس/ آذار 2022، وأدت إلى توقف شبه تام لصادراتها نحو البلد العربي منذ يونيو/ حزيران من العام ذاته، عقب تجميد الجزائر لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا الموقعة عام 2002.
في هذا السياق، يرى الخبير في شؤون الطاقة الجزائري، مراد برور، أنه لم يتوقع يوماً إتمام هذه الصفقة بين "طاقة" الإماراتية و"ناتورجي" الإسبانية، وشدد على أن حكومة مدريد كان لها دور في تعطيل العرض بالنظر إلى عدة أسباب. وأوضح برور الذي كان سابقاً مستشاراً لرؤساء تنفيذيين لـ"سوناطراك" في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجزائر تمثل على الأقل ربع الإمدادات الإسبانية من الغاز، وترتبط معها عبر خط أنابيب هو ميدغاز وأنبوب ثانٍ متوقف منذ خريف 2021.
وأضاف أن "الجزائر ما كانت أبداً لتقبل أن تدخل شركة طاقة الإماراتية وتصبح مالكة "ناتورجي" لأن ذلك يعني أنها ستندمج في كامل السلسلة وهي في نفس الوقت منتج للطاقة يمكن أن تنافس سوناطراك". وأشار إلى أن الشركة الإماراتية ومن منطلق أنها منتج للطاقة واستحواذها على "ناتورجي" سيؤدي ذلك إلى أن الجزائر ومن خلالها "سوناطراك" ستتحول إلى مورد ثانوي للغاز إلى إسبانيا وربما تتخلى نهائياً عن هذا السوق، وهو الأمر الذي لم ولن تقبله الجزائر.
ولفت إلى أن من أسباب تعطيل الصفقة أيضاً تخوف إسبانيا من تبخر آمالها نهائياً بأن تتحول إلى مركز أوروبي للغاز والطاقة بصفة عامة لمصلحة إيطاليا. ويشرح المستشار السابق في "سوناطراك" أن حكومة مدريد رأت أن هذه الصفقة يمكن أن تتسبب في انحسار آمالها بأن تتحول إلى مركز أوروبي للغاز، خصوصاً أنّ فرنسا تواصل سياسة الإغلاق وعدم السماح بمرور خط أنابيب غاز عابر لجبال البيرينيه يمكن من ربط شبه الجزيرة الأيبيرية بباقي القارة الأوروبية، ما يجعل إيطاليا في وضع متقدم وأفضل لأن تتحول إلى مركز أوروبي للغاز مقارنة بإسبانيا، والمرجح حسبه، أن حكومة مدريد وقفت ضد إتمام الصفقة حتى لا تفقد البلاد التنافسية الغازية.