حدثان رئيسيان يخيمان على سوق النفط العالمية مع بداية العام الجاري 2024، هما إقدام السعودية على خفض أسعار نفطها للعقود الآجلة بنسبة 4%، وبدء الضربات الأميركية والبريطانية على مواقع للحوثيين في اليمن، وسط تفاقم المخاطر على الملاحة في البحر الأحمر الذي يعد شرياناً تجارياً عالمياً رئيسياً.
إلا أن ثمة توجهات متباينة قد تطرأ على سوق النفط جراء الحدثين، في ظل إجماع الخبراء في شؤون الطاقة على أن الخفض السعودي للأسعار يأتي مواكبة لتباطؤ الطلب، بينما دفع التصعيد في البحر الأحمر بالأسعار نحو الارتفاع إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل، قبل أن تتراجع مرة أخرى إلى ما دون هذه العتبة خلال اليومين الماضيين.
يعتبر الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية إيغور يوشكوف أن مسار تطورات الوضع في اليمن هو الذي سيحدد حالة سوق النفط العالمية، محذراً من أنه لن يكون هناك أي طرف رابح في حال تصاعد التوتر إلى حرب إقليمية شاملة.
يقول يوشكوف لـ"العربي الجديد": "سيعتمد الوضع في سوق النفط على تطور الأحداث، حيث إننا نشهد تصاعداً، ولو بوتيرة بطيئة، ولكن بعض شركات الشحن العالمية مثل ميرسك الدنماركية لنقل الحاويات وبعض ناقلات النفط أصبحت تعتمد الطريق حول رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس، ولكن الأغلبية الساحقة من ناقلات النفط تواصل اعتماد الطريق عبر البحر الأحمر".
وكان رئيس هيئة قناة السويس في مصر أسامة ربيع قد أقر، الأسبوع الماضي، بأن حركة السفن عبر قناة السويس تراجعت منذ بداية 2024 بنسبة 30% مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2023 بسبب التوتر الأخير في البحر الأحمر، مؤكدا في الوقت نفسه على استمرار الحركة عبر القناة في الاتجاهين.
ويتوقع يوشكوف أن تتأثر سوق النفط العالمية بشكل أكبر في حال دخول إيران على نحو مباشر في الحرب، مضيفا: "في هذه الحالة، قد تقطع الولايات المتحدة الطريق أمام صادرات النفط الإيرانية البالغة نحو مليون برميل يومياً، وهو ما سيدفع بالأسعار إلى عتبة 100 دولار وأكثر للبرميل.
أما السيناريو الأكثر كارثية على سوق النفط، فيلخصه في تنفيذ إيران تهديداتها السابقة بإغلاق مضيق هرمز البالغة حصته في تجارة النفط العالمية 20%، متوقعا أن تقفز أسعار النفط إلى ما يزيد عن 150 دولاراً للبرميل في هذه الحالة. ويعد مضيق هرمز أهم ممر للنفط في العالم. وهو طريق ملاحي ضيق في منطقة الخليج، ويُلقّب بشريان الحياة للعالم الصناعي.
ويقلل يوشكوف من أهمية مكاسب روسيا من تحقق مثل هذا السيناريو، قائلا: "ستحقق روسيا مكاسب فورية جراء تصدير كميات كبيرة مقابل أسعار مرتفعة، ولكن السوق العالمية لن تتحمل مثل هذه الأسعار طويلاً، فستبدأ بخفض الاستهلاك، وهو ما سيترجم إلى دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الركود".
ومع ذلك، استقبل الروبل الروسي التصعيد في اليمن بتفاؤل، وسط تراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون 88 روبلاً للدولار في تعاملات بورصة موسكو في بداية الأسبوع، بعدما لامس عتبة الـ100 روبل في بعض الأوقات من العام الماضي.
في سياق آخر، وقبل شن التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضربات على مواقع الحوثيين في اليمن بأيام عدة، هيمنت الأنباء عن تقديم السعودية حسومات على نفطها على عناوين الصحافة الاقتصادية العالمية، وما إذا كان سيؤدي إلى اندلاع حروب أسعار بين كبار المنتجين، وهو احتمال بات يبدو غير واقعي على ضوء التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط.
وتعليقاً على الخفض السعودي للأسعار، يقول يوشكوف: "تاريخياً، اعتادت شركة أرامكو السعودية على الكشف عن الحسومات التي تقدمها للمشترين مواكبة للعرض والطلب، وبالتالي، يمكن الجزم بأن الخفض الأخير هو نتيجة لما قد طرأ على السوق وليس محاولة للتحكم فيها، أما قراءات اللاعبين في السوق بأن إقدام السعودية على خفض الأسعار يعكس عجزها عن بيع نفطها، فهي التي أدت إلى موجة من تراجع الأسعار عالمياً".
وحول رؤيته لتجارب تعامل كبار المنتجين مع تراجع الأسعار عند حدوثه، يضيف: "تعتمد هذه المسألة على استراتيجية مجموعة أوبك+ (تضم الدول الأعضاء في منظمة أوبك وكبار المنتجين من خارجها على رأسهم روسيا)، حيث إنه في الأعوام من 2014 إلى 2016، لم تتمكن الدول المنتجة لفترة طويلة من التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج، إذ إن آلية أوبك+ لم تكن قد تأسست بعد حينها، وفي البداية، كانت السعودية ترفض خفض الإنتاج، ولكنها غيرت موقفها بعد بدئها استنزاف احتياطاتها المالية".
ومع ذلك، لا يستبعد احتمال اندلاع حرب أسعار جديدة استبعاداً كاملا في حال تم احتواء الوضع في البحر الأحمر، قائلا: "تواصل دول أوبك+ خفض الإنتاج مرة تلو الأخرى، بينما يستحوذ لاعبون آخرون على حصصها، وهذه قنبلة موقوتة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى نشوب وضع سيصبح فيه الإبقاء على حجم الإنتاج أهم من رفع الأسعار، لا سيما للدول ذات كلفة الإنتاج المنخفضة مثل السعودية".
وبدوره، يرى الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية ستانيسلاف ميتراخوفيتش أن التصعيد الجاري في البحر الأحمر لا يرقى إلى مستوى من شأنه تغيير الوضع في سوق النفط تغييراً جذرياً، مرجعاً الخفض السعودي للأسعار إلى سعيها لمواكبة تراجع الطلب.
ويقول ميتراخوفيتش لـ"العربي الجديد": "صحيح أن ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولاراً للبرميل جاء نتيجة مباشرة للضربات الصاروخية على الحوثيين، لكنه سيكون أعلى من ذلك بكثير في حال اندلعت حرب كبرى بضلوع إيران وقطع الحركة عبر مضيق هرمز، ولكن هناك انطباعاً بأن اللاعبين الإقليميين والدوليين لا يريدون المخاطرة".
وحول رؤيته لدوافع السعودية لخفض أسعار النفط، يضيف: "تواجه السعودية، شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول المنتجة، مسألة كيفية التكيف مع توجه أسعار النفط نحو الانخفاض الناجم عن زيادة الإنتاج، بما في ذلك في دول من خارج مجموعة أوبك+، مثل الولايات المتحدة وغيرها، بلا آمال في زيادة أكبر للطلب على النفط في الصين".
ويلفت إلى أن هناك دولاً داخل "أوبك+" لا حصص محددة لها، مضيفاً: "ليبيا وإيران وفنزويلا والبرازيل معفية من حصص الإنتاج، وهو ما يساهم في انخفاض الأسعار وقد يدفع باللاعبين الرئيسيين مثل السعودية إلى اتفاق على خفض جديد للإنتاج".
وحول رؤيته للرسائل السعودية من خفض الأسعار، يتابع أن "المملكة تعزز براهينها بإظهارها استعدادها لحرب أسعار لا يتمناها أحد ما لم يتم التوصل إلى اتفاق"، مستشهداً بالتداعيات الكارثية على أسعار النفط جراء انهيار اتفاق "أوبك+" بصورته السابقة عند بدء جائحة كورونا في عام 2020.
وكانت أسعار النفط قد سجلت انهيارين خلال عقد مضى، أولهما عندما تراجعت من نحو 115 دولاراً للبرميل في منتصف عام 2014 إلى ما دون 30 دولاراً في بداية عام 2016، وثانيهما في عام 2020، حين وصل الأمر ببعض أصناف النفط مثل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي لتسجيل أسعار سالبة مع بدء كورونا وما ترتب عليها من إجراءات الإغلاق الكلي.