هل تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة إلى زيادة أسعار النفط؟

04 سبتمبر 2024
حقل نفط في البصرة جنوبي العراق (فرانس برس)
+ الخط -

تترقب أسواق السلع الأساسية بشدة، إقدام البنك الفيدرالي الأميركي على خفض أسعار الفائدة، إذ تشير التجارب التاريخية إلى ان الفائدة المنخفضة تعمل على تعزيز جاذبية هذه السلع عند المستثمرين الذين يسعون إلى الحماية من التضخم، لكن في ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ولا سيما التباطؤ الصيني، تتزايد التساؤلات حول إذا ما كانت أسعار السلع الأساسية سترتفع حقاً؟

في الثالث والعشرين من أغسطس/آب الماضي، قال جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إن الوقت قد حان لخفض أسعار الفائدة. ومن المتوقع إجراء أول خفض في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، عندما تجتمع لجنة تحديد معدلات الفائدة.

ومن شأن هذا التحول أن ينهي دورة من الارتفاعات التي دفعت سعر الفائدة من ما يقرب من الصفر في عام 2022 إلى ما بين 5.25% و 5.5% حالياً، الأمر الذي يخفض تكلفة امتلاك السلع الأساسية ما يزيد من أسعارها وهو ما يأمله المستثمرون بينما يخشاه الساسة، ولا سيما المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس التي تطمح إلى إبعاد منافسها الجمهوري دونالد ترامب عن البيت الأبيض.

يقدم التاريخ أدلة عدة على أن خفض الفائدة كان له تأثير واضح على بعض الأسواق، وتجلى ذلك خلال إدارة الفيدرالي الأميركي ثلاث دورات لخفض أسعار الفائدة منذ عام 2000، تمثلت في 2001 (عندما انفجرت فقاعة الدوت كوم)، وفي عام 2007 (عندما انفجرت أزمة الرهن العقاري في أميركا وانتقلت إلى باقي العالم)، وفي عامي 2019 و2020 (أثناء الحروب التجارية مع الصين وجائحة فيروس كورونا. وكانت العوامل الدافعة لكل دورة مختلفة.

لكن يتجلى أن خفض أسعار الفائدة يؤثر على بعض الأسواق أكثر من غيرها. وتعمل أسعار الفائدة المنخفضة على تعزيز الجاذبية النسبية للسلع الأساسية للمستثمرين الذين يسعون إلى الحماية من التضخم، ولا سيما البنوك وشركات التأمين وصناديق التقاعد. وكان ذلك واضحًا بصورة خاصة في أسعار الذهب، وكذلك أسعار المعادن الصناعية، مثل الألومنيوم والزنك، والنفط الخام. وتشمل السلع الأقل حساسية لأسعار الفائدة المواد "السائبة"، مثل الفحم والحبوب، كما يقول توم برايس من بنك الاستثمار "بانمور ليبيرم"، إذ تخضع أسواق هذه السلع لحكم المنتجين والمستهلكين.

في الأسبوع الذي أدلى فيه جيروم باول بتصريحاته، ارتفعت مراكز المستثمرين الصافية في جميع أسواق السلع الأساسية إلى أعلى مستوى في أربعة أسابيع عند 97 مليار دولار، بزيادة 13% عن الأسبوع السابق، وفقًا لبنك "جيه بي مورغان تشيس" الأميركي. وارتفعت أسعار مجموعة واسعة من المعادن الصناعية بالفعل بنسبة تتراوح بين 4% إلى 10% في الفترة التي سبقت خطاب السيد باول. ومن المحتمل أن ترتفع مرة أخرى عندما تتحقق التخفيضات، وقد تظل مرتفعة لفترة من الوقت، لأن المؤشرات تشير إلى أن الهبوط الاقتصادي الجاري يبدو من النوع الناعم، مع صمود النمو، وفق تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية.

ومع ذلك، قد تتأثر السلعة الأكثر حساسية سياسياً وهي النفط تأثُّرًا أقل، إذ يحرص أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على التراجع عن تخفيضات الإنتاج، التي حرمت العالم من 3% من إمدادات الخام المحتملة منذ أواخر العام الماضي. فامتثال الأعضاء لهذه التخفيضات يضعف على أي حال، وإنتاج النفط يرتفع خارج التحالف. والعرض الإضافي سوف يثقل كاهل الأسعار، وسوف يتأثر الطلب الضعيف أيضًا، ولا سيما في ظل التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الصيني. والواقع أن احتمالات انخفاض أسعار النفط تشكل مصدر سرور للمرشحة للرئاسة الأميركية هاريس.

في الوقت نفسه، من المرجح أن تستفيد السلع الأساسية الأخرى التي تستفيد من انخفاض أسعار الفائدة أكثر من الدورات السابقة. فالذهب يتجه إلى الارتفاع، مدعومًا بالتوترات الجيوسياسية والطلب من جانب التجزئة وشهية البنوك المركزية للسبائك. وتتوقع مجموعة "ميتسوبيشي يو إف جي" اليابانية للخدمات المالية أن يصل المعدن إلى 3000 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول عام 2025، ارتفاعًا من 2500 دولار اليوم، وهو رقم قياسي بالفعل. وقد يشهد النحاس أيضًا دفعة أكبر من المعتاد. ففي السنوات الأخيرة أصبح المعدن أكثر شعبية بين المستثمرين المؤسسيين بسبب دوره في التحول الأخضر.

ويرى إحسان خومان رئيس أبحاث الأسواق الناشئة في المجموعة المالية اليابانية، أن هذا قد يكون كافيًا لكي تتفوق السلع الأساسية كلها على كل فئات الأصول الكبرى الأخرى في العام الذي يلي التخفيض الأول الذي يجريه الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة.

المساهمون