في حرارة الصيف الحارقة، يسير رينير سويغرز عبر الصحراء نحو منصة حفر، لكنه لا يبحث هذه المرة عن النفط الذي لطالما كان محرّك الاقتصاد السعودي على مدى 80 عاماً، بل بحثاً عن مصدر محتمل آخر للثروة والنفوذ الذي تتطلع إليه المملكة الآن. فما هو هذا المصدر؟
تبدو السعودية مستعدة لضخ مليارات الدولارات لاستغلال أكثر من 1.3 تريليون دولار من المعادن التي تقول إنها مدفونة في بواطن مختلفة من أراضي المملكة، وفقاً لتقرير موسّع أوردته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية، اليوم الخميس.
وقد تكون الخطة من بين المكونات الأقل بريقاً في "رؤية 2030" لتحويل الاقتصاد السعودي، علماً أن احتمال تحويل المملكة إلى مركز للمعادن يمكنه إحداث تأثير في الصناعة العالمية.
وإذا ما تحقق الحلم جزئياً، فسيكون لذلك آثار تتجاوز المنطقة، ليس فقط بالنسبة للتعدين، بل أيضاً بالنسبة لعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة والصين والأسواق الناشئة التي تقترب المملكة منها.
سويغرز، وهو ناميبي يعمل في شركة التعدين البريطانية "موكسيكو ريسورسيز" Moxico Resources Plc، مؤمن بهذه الفكرة. وهو يساعد في إنشاء منجم مفتوح جديد للزنك والنحاس على بعد نحو 200 كيلومتر (125 ميلاً) غرب الرياض.
وأثناء استخراجه عيّنات من الأرض من منصة الحفر من عمق يصل إلى 200 متر، يشير إلى رواسب النحاس المتلألئة في الشمس، قائلاً: "لقد نفذت مشاريع في جميع أنحاء أفريقيا، وأعرف الجيولوجيا والأماكن الجيدة للتعدين، وهذا الموقع هو تماماً مثل تلك".
وإذا أتى كل شيء بثماره، بحلول عام 2025، سينتج موقع الخنيقية الذي يعمل عليه معادن، بما في ذلك 100 ألف طن سنوياً من الزنك و10 آلاف طن من النحاس في مرحلته الأولى.
ووهذا رقم ضئيل وفقاً للمعايير العالمية، أي ما يعادل إنتاج النحاس في تشيلي في حوالي 18 ساعة، لكن الهدف هو مضاعفة حجم الإنتاج، علماً أنه واحد من عدة مشاريع في المملكة، في حين تُقدّر قيمة المعادن الكامنة في السعودية بنحو 1.3 تريليون دولار.
وإضافة إلى تطوير المناجم المحلية، هناك أيضاً عنصر آخر في الخطة يقول المطلعون على الصناعة إنه أقل تخميناً وأسرع في البدء والتشغيل. إذ تريد المملكة شراء الموارد من أماكن أُخرى ليتم تكريرها ومعالجتها في منشآت جديدة داخل المملكة.
وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الرياض عن أول دفعة كبيرة لها في مجال التعدين الدولي، وشاركت في صفقة بقيمة 3.4 مليارات دولار في البرازيل، حيث اشترت حصة في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فايل إس إيه" Vale SA إلى جانب صندوق الاستثمار "إنجين رقم 1" Engine No. 1.
وكانت تلك الصفقة هي الأولى التي تقوم بها "شركة منارة للمعادن"، وهي أداة أنشأها صندوق الثروة السيادية السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) وشركة التعدين السعودية، المعروفة أيضاً باسم "معادن".
وتمنح الاتفاقية المملكة حصة 10% في أحد المورّدين الأساسيين في العالم للنيكل والنحاس، وهما معدنان أساسيان ضروريان لإزالة الكربون.
وسيكون هناك المزيد. فقد قال أشخاص مطلعون على الاستراتيجية إن المساهمين في "منارة" سيقدمون في البداية نحو 3 مليارات دولار لصفقتين أو 3 صفقات دولية سنوياً، وسيتم توفير المزيد من التمويل إذا لزم الأمر. وهذا جزء من هدف "معادن" لتعزيز دورها في الإنتاج المحلي، مع شراء الوصول إلى الموارد العالمية أيضاً.