تصاعدت أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات غير مسبوقة، وسط اتهام الاتحاد الأوروبي لشركة "غازبروم" الروسية باحتكار الصادرات وعدم استجابتها للطلب المتزايد على الغاز المسال في القارة العجوز.
ترفض المجموعة الروسية تحميلها مسؤولية أزمة الطاقة الأوروبية، وتؤكد أنها ستوفر جميع شحنات الغاز والايفاء بجميع العقود. لكن هناك جملة من الاعتبارات تدفع الشركة إلى اعتماد هذه السياسة التسويقية والتخلي عن أرباحها الآنية بمليارات الدولارات، يترافق ذلك مع المخاطر من تبديد سمعتها كأهم مورد غاز لأوروبا مع عدم استقرار التوريد والأسعار في الاسواق.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "دي تسايت" الألمانية أخيراً، أن السعر لم يعد فقط هو المهم بالنسبة إلى غازبروم، وتحاول الأخيرة تفعيل قوتها السوقية، فضلاً عن أنها لم تعد تهتم بالمبيعات قصيرة الأجل والفورية، لأنه بدلاً من عائدات هذه المبيعات، فإن ارتفاع أسعار الأسهم واستقرارها في البورصة من شأنه أن يجلب للمجموعة المزيد من الأموال على المدى المتوسط.
وفي الأشهر التسعة الأولى ارتفعت توقعات الشركة لمتوسط سعر التصدير إلى أوروبا من 170 دولاراً الى 330 دولاراً لكل 1000 متر مكعب هذا العام، على أن تكون القيمة الفعلية أعلى بكثير في نهاية العام بسبب التعديل المتأخر بالأسعار.
كل ذلك، بعدما كانت الشركة تبيع الغاز في الأسواق الفورية في السنوات الأخيرة، وذلك للحفاظ على حصتها في السوق الأوروبي بشكل أساسي، وحيث كانت تلعب أوروبا دوراً أساسياً في كيفية تحديد الأسعار في عقود التوريد.
إلى ذلك، بات من المهم بشكل خاص بالنسبة إلى روسيا ألا يتدفق الغاز عبر أوكرانيا، بل عبر خط تركيش ستريم الذي تديره شركة غازبروم، لأسباب اقتصادية غير تلك السياسية القائمة، لأنه مع ضخ المزيد من الغاز، سيكون المطلوب توفير المال لدفع رسوم العبور إلى كييف. ومن المعروف، أنه مع زيادة الطلب بشكل غير متوقع، أمرت غازبروم بتعديل العقود القديمة ودفع الغرامات بأثر رجعي على الأسعار المرتفعة بشكل مفرط. وعادة ما تُعدَّل أسعار العقود طويلة الأجل مع أسعار الصرف مع التحولات التي تحصل على مدى عدة أشهر.
وربطاً بما تقدم، قال الخبير في مؤسسة موسكو لأمن الطاقة الوطنية إيغور يوشكوف: "لماذا علينا بذل جهود إضافية واستخراج المزيد من الغاز لمجرد خفض سعر التصدير لكامل صادراتنا من خلال المبيعات الفورية؟".
وأضاف: "عدا ذلك، من غير الواضح تماماً مقدار كميات الغاز الذي يمكن العملاء الأوروبيين شراءها بأسعار الصرف الحالية"، قبل أن يلفت إلى أن الجميع يسأل لمَ لم تعد غازبروم تنقل المزيد من الإمدادات، لكن لا أحد يفكر في المقدار الذي يرغب الأوروبيون في شرائه بهذه الأسعار المرتفعة".
وفي غضون ذلك، نقلت الصحيفة عن خبراء روس في "موسكو هاي سكول للاقتصاد"، أن عجز الغاز في أوروبا ليس كبيراً جداً ويراوح بين 10 و15 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل بين 5 و6% من حجم صادرات غازبروم الأوروبية. ومن الممكن أن يؤدي ضخّ الكميات الإضافية إلى انخفاض كبير في البورصات وإفساد دخل صادرات الشركة ككل.
في المقابل، اعتبر خبير الطاقة في مدرسة موسكو الخاصة للإدارة في سكولكوفو، سيرغي كابيتونوف، أن أوروبا ليست بريئة من هذا الوضع المواتي حالياً لغازبروم، ومبرزاً أنه لو احتفظ الأوروبيون ببوصلة أسعار النفط القديمة من الدول الناشئة لكانت الأسعار عند 250 يورو أو اقل، فيما هي حالياً عند 900 يورو لكل ألف متر مكعب من الغاز، وهذه تداعيات تحرير سوق الغاز. من دون أن يغفل الإشارة إلى أنه عندما كانت الأسعار في أوروبا أقل جزئياً من الأسعار داخل روسيا، انتزعت أوروبا امتيازات من الشركة الروسية، في حين أنها تدعو الآن إلى زيادة الكميات في الأزمة.
وعن مدى نجاح غازبروم في استراتيجيتها، قال كابيتونوف، إنه "مع استمرار معارضة الأوروبيين لعقود غاز جديدة طويلة الأجل مع الشركة، التي اشتكى منها أخيراً السفير الروسي في الاتحاد الأوروبي فلاديميرتشيزوف، فإن الأمر مشكوك فيه، وشركة غازبروم تخاطر بتبديد سمعتها كأهم مورد للغاز في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة أن التكاليف المرتفعة ستدفع الأوروبيين إلى التخلي عن الغاز بسرعة أكبر لمصلحة الطاقة الخضراء".
وفي نهاية المطاف، استقرار أسعار الغاز في أوروبا لمصلحة غازبروم، وهي التي تمكنت من كسب ما يصل إلى 40 مليار دولار سنوياً من أوروبا منذ الأزمة الأوكرانية عام 2014، ما مكنها من إنهاء بناء خطوط الأنابيب الخاصة بها.
وكانت غازبروم قد ردت أخيراً على الاتهامات، بأنها خفضت شحنات الغاز بالطرق المعتادة عبر أوكرانيا وبولندا بنسبة 15% في أكتوبر/ تشرين الأول، حيث ضُخّ 28% من الغاز إلى المانيا وحدها، مقارنة بعام 2020.