هكذا تزيد الفائدة الأميركية المنخفضة قيمة الأصول وتعزز ثروات المواطنين

23 سبتمبر 2021
جيروم باول غير قلق من هرولة الحكومات والأفراد باتجاه العملات الرقمية أو المشفرة (Getty)
+ الخط -

تتسبب معدلات الفائدة الأميركية المنخفضة في ارتفاع تقييم الأصول، ومن ثم زيادة ثروات المواطنين، وهو ما يدفعهم عادة إلى الإنفاق بثقة أكبر ويساعد الأسواق المالية على استعادة حيويتها مجدداً.

فما هي أبعاد قرارات المصرف المركزي هذا الأسبوع، وقراءته للتطورات المؤثرة في السياسات النقدية والمالية؟

بعد يومين فقط من أكبر انعكاس لصدمة تدهور أوضاع شركة "إيفرغراند" الصينية على أسواق العالم، بما فيها سوق الأسهم الأميركية، خرج جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي على الصحافيين من خلال تطبيق "زووم"، ليعلن قرار البنك تثبيت معدلات الفائدة على أمواله عند نطاق بين 0% و0.25%، ويطمئن الجميع على ابتعاد الشركات الأميركية عن تأثيرات تعثر شركة تطوير العقارات الصينية، مؤكداً تعرض البنوك الصينية التي أقرضتها لبعض المخاطر.

وبخلاف العنوان الرئيسي لمؤتمره الصحافي، والخاص بتحديده أوضح موعد لبدء عمليات الإنقاص Tapering، أكد رئيس البنك المركزي الأكبر في العالم أنه غير قلق من هرولة الحكومات والأفراد باتجاه العملات الرقمية أو المشفرة، مؤكدا أن عملة بلاده هي عملة الاحتياط العالمي، ومن ثم يقع عليهم العبء في تنظيم التعاملات في العملات الجديدة.

وأشار إلى أن مثل ذلك التنظيم لن يكون حصرياً للبنك الفيدرالي، وإنما سيشارك فيه أعضاء الإدارة الأميركية، والوكالات الحكومية، والبيت الأبيض، والكونغرس بمجلسيه، "حيث يتعين منح الموضوع أهمية كبرى، كونه "يتعلق بأموال الناس".

وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماعات، أعلن باول توجه مجلس إدارة البنك لبدء عملية الإنقاص، اعتباراً من موعد اجتماعات لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة FOMC القادمة "على الأرجح"، والمقرر لها يومي الثاني والثالث من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، بعدما حقق "اختبار عملية الإنقاص" مستهدفاته أو كاد، على أن يتم الانتهاء منها منتصف العام القادم.

كما طمأن باول الأسواق حين أكد أن العملية ستتم بصورة "شديدة التدرج"، وأنها ستكون تحت ملاحظة مستمرة، للإسراع بها أو الإبطاء منها، كلما اقتضت الضرورة.

إنقاص ماذا؟

في أعقاب وصول فيروس كورونا إلى الأراضي الأميركية، وتسارع معدلات إصابة الأميركيين به، لم ينتظر البنك الفيدرالي موعد اجتماعاته المقرر ليومي الثلاثاء والأربعاء، ليقرر في واقعة نادرة الحدوث يوم الأحد (عطلة أسبوعية) الخامس عشر من مارس/آذار من العام الماضي تخفيض معدلات الفائدة على أمواله إلى صفر بالمائة، والبدء من جديد في تطبيق برنامج ضخم للتيسير الكمي Quantitative Easing (QE)، تعهد بمقتضاه بشراء ما تصل قيمته إلى 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، وسندات الرهن العقاري، كل شهر.

وجاءت خطوات البنك الحاسمة والسريعة لضمان توفير السيولة المطلوبة في الأسواق، لتجنب حدوث أي أزمات مالية على غرار ما حدث في 2008– 2009. ومع بدء استعادة الاقتصاد الأميركي نشاطه في أغلب القطاعات خلال ما مضى من العام الحالي، قرر البنك في اجتماعاته هذا الأسبوع "إنقاص" مشترياته تدريجاً، حيث لم تعد الأسواق، من وجهة نظر أعضاء اللجنة، في حاجة لتلك السيولة الإضافية. 

ما معنى الإنقاص؟

الإنقاص الذي يقصده البنك الفيدرالي هو الإبطاء التدريجي لمعدلات شرائه الحالية للأصول وعلى رأسها السندات، وهو لا يعني الإيقاف الفوري، ولا يعني تخفيض حجم ميزانية البنك، وإنما يقصد به تخفيض معدل نموها.

ومع انتهاء عملية الإنقاص في منتصف العام القادم، كما لمّح باول، يبدأ البنك في التقليص التدريجي لحجم ميزانيته بعدم شراء سندات محل ما يستحق من محفظته، في تكرار لما حدث خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2017 وحتى سبتمبر/أيلول 2019.

وببدء الإنقاص، يشرع البنك الفيدرالي في تقليص التحفيز النقدي الموجود حالياً في الاقتصاد، بعدما حقق الأخير "تقدماً إضافياً جوهرياً" صوب أهدافه، وهو الشرط الذي وضعه البنك للتوجه نحو الإنقاص.

ورغم قلق بعض أعضاء لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، المعنية بوضع السيادة النقدية في الاقتصاد الأكبر في العالم، من كون معدلات التوظيف (التشغيل) الحالية أقل كثيراً مما كانت عليه قبل ظهور الوباء، كانت الغلبة للرأي المحذر من "الضغوط التضخمية والمخاطر المفرطة في الأسواق المالية" التي يسببها شراء البنك الفيدرالي المكثف للأصول.

وبينما أكد باول خلال المؤتمر الصحافي يوم الأربعاء، أن معدلات التوظيف الحالية التي يخشى البعض عدم كفايتها للبدء في الإنقاص، لا تعكس حقيقة سوق العمل النشطة، نصح الاقتصادي المصري الأميركي الشهير، محمد العريان، البنك، منذ شهور، بضرورة بدء الإنقاص فوراً، معتبراً أنه تأخر كثيراً في ذلك.

لماذا اشترى البنك الفيدرالي هذه السندات؟

عندما تصل معدلات الفائدة على الدولار إلى مستويات صفرية، تتراجع قدرة صانع السياسة النقدية على التأثير في الأسواق، خاصة لو أراد تجنب اللجوء لمعدلات الفائدة السالبة، التي استخدمتها اليابان لفترات طويلة، وسويسرا وبعض الدول الأوروبية لفترات أقصر، الأمر الذي يضطره للاستعانة بعمليات التيسير الكمي، رغبة منه في الاستمرار في دعم الاقتصاد وتوفير السيولة منخفضة التكلفة.

وبشرائه هذه السندات، وتحديداً ما هو طويل الأجل منها، يقلل البنك من كمياتها المعروضة في السوق الثانوية، وبالتالي، وعن طريق المناقصات التي تتم بصورة مستمرة عند شرائها، وهي الآلية التي يتم التعامل بها في تلك السوق، تنخفض عوائدها، ويضمن البنك استمرار انخفاض معدلات العائد عليها لفترات أطول.

والمعروف أنه حتى مع تخفيض البنك معدلات الفائدة على أمواله إلى صفر بالمائة، كما هي حالياً، يكون العائد على السندات طويلة الأجل أعلى من ذلك. وحالياً تدور معدلات العائد على سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات حول 1.3%.

وتمثل عوائد سندات الخزانة الأميركية، التي تعد الأكثر أماناً في أميركا، وفي أغلب الأحوال في العالم، مؤشراً أساسياً لما يجب أن تكون عليه معدلات الفائدة في كافة قطاعات الاقتصاد الأميركي، الخاصة منها والعامة.

ومع انخفاض معدلات العائد والفائدة، تتشجع الشركات على الاقتراض لتزيد من إنفاقها الرأسمالي وتتوسع في تعيين العمالة، ويزداد عدد الراغبين من الأفراد في الحصول على القروض العقارية وقروض السيارات، وحتى القروض النقدية، فيزداد الإنفاق الاستهلاكي.

المساهمون