استمع إلى الملخص
- **الاستغلال الاقتصادي والفساد**: تُستغل ثروات أفريقيا من قبل الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الغربية المتحالفة مع الحكومات الفاسدة، مما يؤدي إلى خروج 41 مليار دولار سنوياً من القارة.
- **التحديات والآفاق المستقبلية**: تواجه أفريقيا تحديات مثل الفساد والحروب الأهلية، ولكن الشباب الأفارقة قد يكونون مفتاح التغيير إذا تم استثمارهم بشكل صحيح.
تتمتع ثروات أفريقيا بإمكانات اقتصادية هائلة، إلا أنها ظلت ضحية للابتزاز الغربي لعقود طويلة، منذ الاحتلال الاستعماري المباشر وإلى فترة "الاحتلال الاقتصادي" لمواردها التي تواصلت حتى اليوم من قبل الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الغربية المتحالفة مع الطبقة الحاكمة الفاسدة داخل القارة. وظلت أفريقيا فقيرة مالياً رغم أنها غنية بالموارد البشرية والمادية، إذ يقول تقرير في معهد نيلسون للدراسات الاستراتيجية الأميركي، إن ما يقرب من نصف سكان العالم في سن العمل سيكونون من الأفارقة في غضون 30 عاماً. ويضيف مدير المعهد، السفير مارك غرين، في تقرير نشر في 29 مايو/أيار الماضي، إن جيل الشباب لا يمثل مصدراً هائلاً للعمالة الجاهزة فحسب، بل يمثل كنزاً من الأفكار والابتكارات الجديدة.
وتُعد القارة أيضاً موطناً لجزء كبير من الموارد الطبيعية الأكثر قيمة في العالم، حيث يقول غرين: "يوجد في أفريقيا 40% من الذهب العالمي، وما يقرب من 90% من الكروم والبلاتين، ونحو ثلث إمدادات المعادن الحيوية المعروفة في العالم، وعلى رأسها اليورانيوم. وثروات أفريقيا ومواردها الطبيعية باتت مهمة للعالم، مع تكثيف البحث العالمي عن مصادر جديدة للطاقة ومكونات الرقائق الدقيقة الأسرع من أي وقت مضى".
في ذات الصدد، يقدّر صندوق النقد الدولي (IMF) أن الطلب على النيكل من المرجح أن يتضاعف بحلول عام 2050، والكوبالت سيتضاعف ثلاثة أضعاف، والليثيوم عشرة أضعاف. ونظراً لتوقعات الطلب هذه، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن البلدان الأفريقية قادرة على جني 10% من الإيرادات العالمية التراكمية من النحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم واليورانيوم، والتي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو 16 تريليون دولار، على مدى 25 عاماً، وفق ما ذكر تقرير معهد نيلسون.
ووفقاً لتقرير المؤتمر العالمي للتعدين الصادر في منتصف فبراير/شباط 2022، استخرج العالم حوالي 17.9 مليار طن من المعادن في عام 2019. وكانت آسيا أكبر منتج، حيث استحوذت على 59% من إجمالي الإنتاج العالمي بقيمة 1.8 تريليون دولار. وجاءت أميركا الشمالية في المرتبة الثانية بنسبة 16%، تليها أوروبا بنسبة 7%. وتنتج ثروات أفريقيا الطبيعية نحو 5.5% من معادن العالم، بقيمة تبلغ نحو 406 مليارات دولار.
كما وجد التقرير أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، هي دائن صافٍ لبقية العالم بما يصل إلى أكثر من 41 مليار دولار. ووفق التقرير، تدخل أفريقيا حوالي 161 مليار دولار سنوياً في شكل قروض وتحويلات ومساعدات، ولكن هناك نحو 203 مليارات دولار تغادرها، بعضها بشكل مباشر، منها 68 مليار دولار من الضرائب التي تم التهرب منها بشكل رئيسي. ويقول التقرير إنه في الأساس فإن الشركات متعددة الجنسيات "تسرق" الكثير من الأموال بشكل قانوني، من خلال التظاهر بأنها تولّد ثرواتها في الملاذات الضريبية. وتبلغ هذه "التدفقات المالية غير المشروعة" المزعومة نحو 6.1% من إجمالي الناتج المحلي للقارة الأفريقية، أو ثلاثة أضعاف ما تتلقاه أفريقيا من المساعدات.
ولكن يظل السؤال: هل يرى الشباب الأفارقة فوائد هذه الموارد؟ وهل تساعد وفرة المعادن الاستراتيجية والأراضي الخصبة الصالحة لزراعة المحاصيل وتربية الماشية والأغنام في أن تصبح القارة الفتية موطناً للتكنولوجيات الناشئة والتصنيع وتوليد الثروة؟ أم أنها سوف تستخدم فقط لتغذية تطوير التكنولوجيا المتقدمة في أماكن أخرى من العالم وزيادة ثروات الشركات العالمية؟
في هذا الشأن، يرى خبراء أن هناك عدة عوامل أدت إلى تفشي الفقر في القارة السمراء رغم ثروات أفريقيا الهائلة، وهذه العوامل هي تحالف الشركات الغربية والطبقات الأفريقية الحاكمة الفاسدة في سرقة ثروات أفريقيا وتغذية الحروب الأهلية وتجارة السلاح التي تتم بمساعدة الدول الأوروبية وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا، التي تعمل على نشر عدم الاستقرار السياسي في دول القارة، حتى يسهل ابتزازها في المستقبل. وهناك عامل آخر، وهو أن القارة باتت ضحية خلال السنوات الأخيرة للصراع الدولي بين معسكر "بكين ـ موسكو" وواشنطن على الموارد.
دور الشركات متعددة الجنسيات
عندما تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتصدير سلع مثل المعادن من البلدان الأفريقية، فإن تلك الدول غالباً ما تستفيد بشكل ضئيل، حيث تتلقى عائدات ضريبية قليلة للغاية من تلك الشركات. وفي القطاعات الرئيسية مثل التعدين والنفط والغاز، تميل الشركات إلى دفع ضرائب منخفضة، وتحصل على حوافز ضريبية تعمل على خفضها بشكل أكبر. وعلى أية حال، فإن الشركات قادرة بسهولة على تجنب دفع الضرائب المستحقة، بسبب استخدامها للتخطيط الضريبي من خلال الملاذات الضريبية. ووفق تقارير غربية، فإن العديد من السياسات الضريبية الأفريقية هي نتيجة للسياسات طويلة الأمد للحكومات الغربية التي تصر على استكمال مسار نهب ثروات أفريقيا من خلال تخفيض الضرائب لجذب الاستثمار.
وتشير لجنة إلغاء الديون غير القانونية، وهي شبكة دولية تعمل على إعفاء الديون الأفريقية، في تحليل في 6 يونيو/حزيران 2017، إلى أن الأموال التي تجنيها الشركات العالمية سنوياً من أفريقيا وتغادر إلى الملاذات الآمنة تقدر بنحو 41 مليار دولار، وذلك ببساطة لأن ثروات أفريقيا من الموارد الطبيعية مملوكة ومستغلة من قبل شركات أجنبية خاصة. وفي أقلية فقط من الاستثمارات الأجنبية في النفط والغاز والذهب والمعادن الاستراتيجية تمتلك الحكومات الأفريقية مساهمة أغلبية.
وجد تقرير حديث لمنظمة "الحرب على الفقر المدقع"، أن 101 شركة مدرجة في بورصة لندن تسيطر على ما قيمته 1.05 تريليون دولار من الموارد في أفريقيا وفي خمس سلع فقط، وهي النفط والذهب والماس والفحم والبلاتين. ووفق التقرير، تمتلك هذه الشركات عمليات تعدين في 37 دولة أفريقية. ولكن بريطانيا ليست وحدها التي تستغل أفريقيا، فهناك فرنسا وإيطاليا والصين ودول أخرى.
حكام فاسدون متواطئون في نهب ثروات أفريقيا
قال الرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو، في تعليقات نقلتها صحيفة ذا إندبندنت البريطانية في 14 يونيو 2002، إن الزعماء الأفارقة الفاسدين سرقوا ما لا يقل عن 140 مليار دولار من شعوبهم خلال العقود التي تلت الاستقلال.
ووفق تقرير "ويكيليكس" الصادر في 18 يونيو 2009، ينتشر الفساد في أفريقيا، لأن المؤسسات المصرفية في أوروبا، خاصة سويسرا وفرنسا وجزيرة جيرسي وبريطانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين والنمسا والولايات المتحدة وغيرها، تقبل الأموال من القادة الأفارقة من دون التشكيك والسؤال عن مصدرها. وبحسب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، يتم سرقة حوالي 148 مليار دولار من القارة الأفريقية سنويا من قبل القادة السياسيين والشركات متعددة الجنسيات ونخبة رجال الأعمال وموظفي الخدمة المدنية، بالتواطؤ مع الصناعات المصرفية والعقارية في أوروبا وأميركا الشمالية.
وعلى الرغم من أن البنوك الغربية تعمل كملاذ آمن للأموال المنهوبة، إلا أن وسائل الإعلام الغربية لا تحظى إلا بقدر قليل جداً من الاهتمام لفضحها. ولم تبذل النخب السياسية في أوروبا وأميركا أي جهد لإجبار البنوك على إعادة هذه الأموال المسروقة، لأن البنوك غالباً ما تكون هي المستفيد من هذه الأموال المنهوبة. ليست لديها أجندة لمكافحة الفساد، لأن ذلك يعني عدم وجود أرباح كبيرة لها، ولا ائتمانات وقروض رخيصة لمواطنيها.
وتوصل تحليل للقضايا بين عامي 2007 و2012 إلى وجود احتيال أو فساد يعاقب عليه القانون في 157 عقداً، كما أظهر أقل من ثلث العقود منها أدلة على الفساد الذي يعاقب عليه القانون. ويبلغ حجم قروض البنك الدولي حوالي 40 مليار دولار سنويًا، تتعرض معظمها للسرقة.