يعاني عدد متزايد من الاقتصادات الناشئة والنامية من ضائقة مالية، مما يزيد من مخاطر حدوث موجة من التخلف عن سداد الديون السيادية. تحدث هذه الضائقة المالية على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والواردات، وسط تصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وفق موقع "راين" الأميركي المتخصص بمتابعة المخاطر في الأسواق الدولية.
لبنان وسريلانكا وروسيا وسورينام وزامبيا بالفعل في حالة تخلف عن السداد، وبيلاروسيا على حافة الهاوية. في حين أن عدداً أكبر بكثير، بما في ذلك بنغلاديش وغانا وباكستان وصربيا، اتصل بصندوق النقد الدولي لطلب التمويل، وغالباً ما يكون هذا مقدمة لإعادة هيكلة الديون السيادية.
اعتباراً من يوليو/ تموز، قدرت بلومبيرغ أن ما قيمته 240 مليار دولار من الديون السيادية يتم تداولها في المنطقة المتعثرة، مما يعني ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد. يصل هذا إلى ما يقرب من خُمس 1.4 تريليون دولار من الديون الخارجية السيادية للأسواق الناشئة المقومة بالعملة الصعبة. وتقدر بلومبيرغ أيضاً أن ما يقرب من 20 دولة معرضة لخطر الضائقة تمثل ما يقرب من مليار شخص.
ويقدر بنك كندا وبنك إنجلترا أن القيمة الإجمالية للديون السيادية المتعثرة بلغت 376 مليار دولار في عام 2021 بحسب موقع "راين". في حين أن هذا يمثل انخفاضاً بنسبة 15%، مقارنة بـ 448 مليار دولار في التخلف عن السداد في عام 2020.
لكن رغم ذلك تم تسجيل متأخرات أكبر في بلدان مثل موزمبيق وناورو وبورتوريكو وسورينام وفنزويلا وزامبيا. ومما يثير القلق أن عدد البلدان المنكوبة آخذ في الازدياد.
تأثيرات الفائدة
منذ بداية العام، أدت الزيادة الحادة وغير المتوقعة في أسعار الفائدة الأميركية إلى زيادة تكاليف خدمة الدين. كما أدى ارتفاع الدولار إلى الضغط على ميزان مدفوعات العديد من البلدان الفقيرة من خلال زيادة تكاليف خدمة الديون بالعملة المحلية، مما أدى إلى الضغط على الميزانيات العمومية للمقترضين، لا سيما أولئك الذين يعتمدون على عائدات العملة المحلية لخدمة التزامات العملة الأجنبية.
معدلات الفائدة العالية في الولايات المتحدة وتزايد احتمالية حدوث ركود في كل من الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى تؤثر سلباً أيضاً على توقعات النمو متوسط المدى للعديد من البلدان. علاوة على ذلك، تحمل العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على عاتقها ديوناً دولية كبيرة خلال العقد الماضي، سواء من خلال الاقتراض الرسمي من الصين (غالباً في سياق مبادرة الحزام والطريق) أو في شكل اقتراض من أسواق رأس المال الدولية.
كما ساهمت الصدمة الاقتصادية والمالية الناجمة عن فيروس كوفيد -19 وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في التراكم الكبير للديون الحكومية والخارجية في العديد من البلدان، مما يقوض قدرتها على التخفيف من هذه التحديات المختلفة.
وستزداد الأزمة المالية في الاقتصادات النامية والناشئة سوءاً قبل أن تتحسن، مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد السيادي على مدى 24-36 شهراً القادمة. ما يقرب من 50 دولة معرضة بشكل كبير لخطر الضائقة الاقتصادية والمالية والتخلف عن سداد الديون السيادية، بحسب موقع "راين".
وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي العالمية من 12.9 تريليون دولار في نهاية عام 2021 إلى 12 تريليون دولار في نهاية الربع الثاني من عام 2022، في إشارة إلى ضغوط ميزان المدفوعات. تشير البيانات على مستوى الدول إلى حدوث انخفاضات أكثر حدة في الاحتياطيات خلال الربع الثالث من عام 2022.
مخاطر عالية
وبالنسبة لتلك البلدان التي توجد فيها مقايضات التخلف عن السداد، فإن نيجيريا وباكستان وكينيا والأرجنتين ومصر والسلفادور وفنزويلا وغانا تتداول جميعها فوق 1000 نقطة أساس، مما يشير إلى أنها تواجه مخاطر عالية من التخلف عن السداد السيادي، وفق رصد قامت به "رويترز".
وتتزايد الدول التي تواجه خطر التعثر. أوكرانيا مثلاً التي تعاني من الغزو الروسي ستضطر إلى إعادة هيكلة ديونها الإضافية البالغة 20 مليار دولار، كما يحذر مستثمرون ذوو ثقل مثل مورغان ستانلي. كذا يوجد في إفريقيا مجموعة من الدول تتجه إلى صندوق النقد الدولي، لكن تونس تبدو واحدة من أكثر الدول عرضة للخطر.
مع عجز في الميزانية يقارب 10%، ومع أحد أعلى فواتير أجور القطاع العام في العالم، هناك مخاوف من أن تأمين برنامج صندوق النقد الدولي، أو على الأقل الالتزام به، قد يكون صعباً بسبب مسعى الرئيس قيس سعيد لتعزيز قبضته على السلطة. وإلى جانب أوكرانيا والسلفادور، تحتل تونس قائمة الثلاث الأول لتوقعات التخلف عن السداد لدى مورغان ستانلي.
كذا أدى الاقتراض في غانا إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 85%. فقدت عملتها، السيدي، ما يقرب من ربع قيمتها هذا العام وكانت تنفق بالفعل أكثر من نصف عائدات الضرائب على مدفوعات فوائد الديون.
وفي مصر، تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 95%، وتقدر شركة "أف آي أم" أن مصر عليها ديون بقيمة 100 مليار دولار بالعملة الصعبة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بما في ذلك سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليارات دولار في عام 2024، وفق "رويترز".
أما كينيا فتنفق ما يقرب من 30% من الإيرادات على مدفوعات الفائدة. فقدت سنداتها ما يقرب من نصف قيمتها ولا يمكنها حالياً الوصول إلى أسواق رأس المال. وحول كينيا ومصر وتونس وغانا، قال ديفيد روجوفيتش، من "موديز" لوكالة "رويترز": "هذه البلدان هي الأكثر عرضة للخطر فقط بسبب حجم الديون المستحقة بالنسبة للاحتياطيات، والتحديات المالية من حيث استقرار أعباء الديون".
ودفعت العقوبات الغربية روسيا إلى التخلف عن السداد الشهر الماضي، كذا لدى الإكوادور الكثير من الديون، ومع دعم الحكومة للوقود والغذاء، رفع جي بي مورغان توقعاته للعجز المالي إلى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و2.1% العام المقبل.