قبل خمس سنوات، كان الاستثمار القائم على البيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة مجالا ضيقا تنشط فيه بعض الشركات المتخصصة في بورصة وول ستريت. الآن، أكبر المستثمرين يهتمون به. وأصبحت القضايا البيئية والاجتماعية مركزية في نماذج الأعمال التي تستخدمها الشركات والتي يبحث عنها المستثمرون، وفقاً للأمم المتحدة.
تتساءل البنوك المركزية والمنظمون الماليون عن نوع المعلومات التي يجب على الشركات والمؤسسات المالية الإبلاغ عنها لإعطاء فكرة واضحة عن موقفها من البيئة والمسائل الاجتماعية والحوكمة. كل هذا يشير، وفق مساعد الأمين العام للتنمية الاقتصادية وكبير الاقتصاديين في الأمم المتحدة، إليوت هاريس، إلى أن المحاسبة البيئية ستكتسي أهمية أكبر في المستقبل.
ويقول في مقال على موقع الأمم المتحدة الرسمي: "أعتقد أننا سنشهد تغييرًا سريعًا للغاية في المهنة الاقتصادية حيث يتعين عليها التكيف والالتزام بالواقع المحيط بها. لا يمكننا الاستمرار في التركيز على الناتج المحلي الإجمالي إذا لم يستمع أحد إلينا".
فما هي الإجراءات الإيجابية للمناخ للمساعدة في إعادة بناء الاقتصادات في أعقاب جائحة كوفيد-19؟
وظائف خضراء
يقول تقرير الأمم المتحدة إنه يجب الاستثمار في وظائف وشركات مستدامة من خلال انتقالٍ نظيفٍ وعادل. حيث يجب تسريع الاستثمارات التي تخلص جميع جوانب الاقتصاد من انبعاثات الكربون.
سيؤدي الانتقال إلى اقتصاد الصافي الصفري إلى توفير وظائف جديدة أكثر بكثير، وهي أيضاً أكثر أماناً وأفضل للصحة من الوظائف في صناعة الوقود الأحفوري.
وجدت منظمة العمل الدولية أن العمل المناخي، مع التركيز على قطاع الطاقة، يمكن أن يولد 24 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أنه يمكن خلق 9 ملايين فرصة عمل كل عام على مدى السنوات الثلاث المقبلة من خلال الاستثمارات المناسبة في الطاقة المستدامة.
العمل مع الطبيعة بدلاً من العمل ضدها يمكن أن يولد أعمالاً سنوية تصل قيمتها إلى 10.1 تريليونات دولار ويخلق 395 مليون وظيفة بحلول عام 2030.
كما وجد تقرير الاقتصاد الطبيعي الجديد أن النموذج الاقتصادي الجديد الذي يعتمد على العمل مع الطبيعة بدلاً من العمل ضدها يمكن أن يولد أعمالا سنوية تصل قيمتها إلى 10.1 تريليونات دولار ويخلق 395 مليون وظيفة بحلول عام 2030.
واليوم، تعتمد حوالي 1.2 مليار وظيفة، وهي تشكل 40% من إجمالي العمالة، على وجود بيئةٍ صحية، ويعتمد ما مقداره 44 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية المضافة – أي أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي - بشكلٍ معتدلٍ أو كبير على الطبيعة.
على سبيل المثال، يعتمد الإنتاج الزراعي إلى حدٍ كبير على التلقيح بواسطة النحل، وخاصةً للفاكهة والخضروات ومحاصيل الألياف والمكسرات. وبدون هذه المساهمة، ستتعطل بشدة قدرتنا على إنتاج ما يكفي من الغذاء.
غالباً ما يتم تحديد تكلفة العمل المناخي الطموح على أنه عائق أمام العمل، إلا أن التكاليف البشرية والاقتصادية للتقاعس عن العمل أعلى بكثير. وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يؤدي الإجهاد الحراري وحده إلى تقليل إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم بنسبة 2.2 في المائة وإلى تخفيض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 2.4 تريليون دولار أميركي في عام 2030.
تجنب إنقاذ الصناعات الملوِّثة
يقول تقرير الأمم المتحدة: "لا تنقذوا الصناعات الملوِّثة ما لم تلتزم هذه الصناعات بالانضمام إلى اتفاقية باريس".
ويشرح الأميبن العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: "عندما تُستخدم أموال دافعي الضرائب لإنقاذ الشركات، يجب أن تستثمر في خلق وظائف مراعية للبيئة وإيجاد نمو مستدام وشامل. يجب ألا تستثمر في إنقاذ الصناعات القديمة والملوِّثة والتي تبعث الكربون بكثافة".
وعلى مدى السنوات العشر الماضية كان أداء أسهم الشركات ذات الأنشطة المراعية للبيئة أفضل من أداء أسهم شركات الوقود الأحفوري، وتمكنت الشركات ذات الحافظات البيئية والاجتماعية الأقوى والأقوى كذلك من حيث حوكمة الشركات من الصمود باستمرار أمام الأزمة بشكلٍ أفضل، وتفوقت على المحافظ التقليدية في الأسواق المالية.
قدم العالم 320 مليار دولار لدعم الوقود في عام 2019، تم تخصيص 150 مليار دولار منها لدعم المنتجات النفطية، و115 مليار دولار للكهرباء، و50 مليار دولار للغاز الطبيعي، و2.5 مليار دولار للفحم
لذلك يجب أن يعتمد التمويل الحكومي الدائم - في شكل إعانات مباشرة أو أشكال أخرى من الدعم المالي مثل ضمانات القروض - على التزامات مناخية واضحة من الشركات، وفقاً للأمم المتحدة.
ووفقاً للتقرير، يجب أن ينتهي دعم الوقود الأحفوري، ويجب أن يكون للكربون ثمن لإحداث تحول مدفوع بالسوق نحو اقتصاد خال من الكربون. يجب على الملوِّثين أن يدفعوا ثمن التلوث الذي يُلحق الضرر بالمجتمعات والموظفين والمستهلكين.
وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، قدم العالم 320 مليار دولار لدعم الوقود في عام 2019، تم تخصيص 150 مليار دولار منها لدعم المنتجات النفطية، و115 مليار دولار للكهرباء، و50 مليار دولار للغاز الطبيعي، و2.5 مليار دولار للفحم. لا تراعي هذه التقديرات بشكلٍ كامل جميع أشكال الدعم الأخرى الممولة من القطاع العام لهذا القطاع، بالإضافة إلى الإعانات المباشرة.
وبعبارةٍ بسيطة فإن هذا يعني أن أموال دافعي الضرائب التي حصلوا عليها بشق الأنفس تُستخدم لتحسين ربحية الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ولهذا دعا الأمين العام للأمم المتحدة الحكومات مراراً وتكراراً إلى "فرض ضرائب على الملوِّثين وليس الأشخاص".
يمكن أن يؤدي تنفيذ إصلاحات تسعير الكربون وإعانات الوقود الأحفوري دوراً مهماً في زيادة الإيرادات الحكومية أو استخدام النفقات بشكلٍ أفضل. ولَّدت برامج تسعير الكربون - التي تحاول ضمان أن يعكس سعر الوقود الأحفوري تكلفته الحقيقية، بما في ذلك الانبعاثات - حوالي 44 مليار دولار من الإيرادات الحكومية في عام 2018 وفقاً للبنك الدولي.
ومن خلال إنشاء مصادر جديدة للتمويل العام، يمكن أن يساعد تسعير الكربون الحكومات على زيادة الاستثمار في المجالات الأخرى ذات الأولوية، مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو البنية التحتية، وضمان انتقال عادل للقوى العاملة.
كما يجب، وفق الأمم المتحدة، أن يصبح العمل المناخي المحور الأساسي - لكلٍ من الحكومة والشركات. يتحرك المستثمرون والشركات الذكية بالفعل إلى تسعير مخاطر المناخ بشكلٍ أفضل، لكن يجب على الحكومات أن تفعل المزيد.
من خلال إنشاء مصادر جديدة للتمويل العام، يمكن أن يساعد تسعير الكربون الحكومات على زيادة الاستثمار في المجالات الأخرى ذات الأولوية، مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو البنية التحتية، وضمان انتقال عادل للقوى العاملة.
ويجب على البنوك المركزية والمشرفين الماليين ضمان دمج المخاطر المتعلقة بالمناخ بشكلٍ جيد في استراتيجيات المؤسسات المالية الفردية وإجراءات إدارة المخاطر.
ستؤدي التغييرات في سياسات المناخ والتقنيات الجديدة والمخاطر المادية المتزايدة إلى إعادة تقييم قيم كل أصل مالي تقريباً، وستتم مكافأة الشركات التي تنسق نماذج أعمالها مع الانتقال إلى عالم الصافي الصفري - في حين أن الشركات التي تفشل في التكيف سوف تتعرض لعقوباتٍ شديدة.
ومثل فيروس كورونا، لا تحترم غازات الاحتباس الحراري الحدود. لذا فإنه ليس بإمكان أي دولةٍ أو أي شركة أن تنجح بمفردها.
إن التعاون الدولي وتعددية الأطراف ضروريان، وفق الأمم المتحدة أيضاً للتعافي من الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كوفيد-19. وكذا ستحتاج بنوك التنمية العامة في جميع أنحاء العالم، على المستويات الوطنية والإقليمية والمتعددة الأطراف، إلى العمل معاً لمساعدة الدول على تحديد وتمويل الأنشطة منخفضة الكربون وعالية الإنتاجية.
وقد تسببت الأحوال الجوية القاسية والكوارث الطبيعية في نزوح ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين تسببت الحروب في نزوحهم في عام 2019. وكان نزوح أكثر من 95 في المائة منهم نتيجةً للمخاطر المرتبطة بالطقس مثل العواصف والفيضانات.