استمع إلى الملخص
- الشركات بدأت بالبحث عن طرق شحن بديلة مثل المحيط الهادئ، خط السكك الحديدية بين الصين وأوروبا، والمرور حول أفريقيا لتجنب التأخير والمخاطر، مما يعكس تغييرًا في استراتيجيات الشحن العالمية.
- الأحداث الأخيرة تبرز أهمية تطوير البنية التحتية البديلة مثل طريق التنمية العراقي، الذي يوفر ممرًا يقلل زمن الرحلة بـ15 يومًا مقارنة بقناة السويس، مما يسهم في تنويع خيارات الشحن وتعزيز التجارة العالمية.
انخفاض دراماتيكي متواصل لحركة المرور في قناة السويس فبعد تكثيف الحوثيين هجماتهم على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر في ديسمبر/كانون الأول 2023، انخفضت بشدة حركة مرور السفن التجارية في قناة السويس ، كما تباطأت حركتها بنسبة 60% في مضيق باب المندب، وكذلك تحولت مسارات السفن نحو طريق رأس الرجاء الصالح الذي شهد تزايدا بلغ 125% في حركة مرور السفن به منذ بداية الهجمات، وتجدر الإشارة إلى أن المكون الأكبر من هذه الزيادة تركز في حركة الحاويات والغاز الطبيعي.
ومن الواضح أن تلك الهجمات أدت إلى تغيير كبير في ديناميكيات التجارة البحرية عبر قناة السويس ومضيق باب المندب وطريق رأس الرجاء الصالح، فطبقاً لبيانات منظمة MarineTraffic انخفض عدد سفن الحاويات والبضائع التي تستخدم قناة السويس بنسبة 85% في الأشهر الستة الماضية، فبينما بلغ إجمالي عدد السفن التي استخدمت قناة السويس في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي الشهر السابق لتكثيف هجمات الحوثيين على السفن التجارية، 1094 سفينة، انخفض إلى 159 في إبريل/ نيسان الماضي.
كما استمر انخفاض مرور السفن في مضيق باب المندب، فبينما عبر المضيق 341 سفينة في نوفمبر 2023، أي الشهر السابق لتصاعد التوتر في المنطقة، انخفض الرقم إلى 189 سفينة في يناير/ كانون الثاني من هذا العام، واستمر انخفاض عدد السفن التي استخدمت المضيق ليبلغ 134 فقط في إبريل، وأدى ذلك إلى تزايد أعداد السفن المارة عبر طريق رأس الرجاء الصالح، فبينما كان عددها 1682 في نوفمبر 2023، قفز إلى 2728 في فبراير/ شباط، و2922 بنهاية مارس/ آذار الماضي.
بالطبع، اضطرت العديد من خطوط الشحن إلى زيادة تعريفاتها لتغطية تكاليف الوقود الإضافية والناجمة عن زيادة أسعار الوقود، ومسافة الرحلة وزمنها، وعلى الرغم من أن شركات الشحن تعتبر اللجوء لطريق رأس الرجاء الصالح طريقاً بديلاً وحلا مؤقتا ربما يستمر عدة أشهر فقط، إلا أنها تواجه حالياً مشاكل في إعادة الحاويات الفارغة إلى الشرق الأقصى، الأمر الذي أدى إلى نقص المعدات في بعض الموانئ الرئيسية في الصين، وتزامن ذلك مع فترة الصيف التي يتزايد فيها الطلب من العديد من الدول الأوروبية.
التطلع نحو الطرق البديلة
لا شك أن المرور عبر قناة السويس التي يعبر خلالها 15% من حجم التجارة العالمية وتوفر من 10 -12 يوماً من زمن الرحلة عبر رأس الرجاء الصالح يعد أمراً حيوياً للتجارة العالمية، ولكن الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة تدفع الجميع إلى البحث عن طرق تجارية بديلة، ويظهر موقع مؤسسة التخليص الجمركي الأميركية، وبيانات أخرى صادرة عن شركات عالمية لتتبع حركة الملاحة البحرية، مثل "Vessel Tracker"، أبرز طرق الشحن البديلة عن البحر الأحمر.
وقد أبرزت الدراسات خمسة طرق يمكن أن تشكل مسارات بديلة للمسار الحالي، أولها الشحن المباشر عبر المحيط الهادئ من الموانئ الآسيوية إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، وهي طريق مستخدمة بشكل اعتيادي منذ عقود، للسلع المتجهة من شرق آسيا إلى غرب الولايات المتحدة أو العكس، وثانيها، الشحن البري على طول خط السكك الحديدية السريع بين الصين وأوروبا (CRE)، وهي طريق تجارية برية قوامها خط سكك حديد يمتد من الصين مروراً بدول وسط آسيا، وصولاً إلى أوروبا، إلا أن السلع المتجهة من آسيا إلى الأسواق الشرقية الأميركية، قد تتخذ هذه الطريق البرية التي توفرها شركة CRE وصولاً إلى أوروبا الغربية، وتشير مؤسسة التخليص الجمركي الأميركية، إلى أنه منذ بدء الصراع في البحر الأحمر زادت حركة التجارة على طول خطوط السكك الحديدية CRE بنحو 30%.
وثالثها، الطريق البديل الأكثر شيوعاً للسفن المسافرة من موانئ آسيا إلى أوروبا والساحل الشرقي لأميركا الشمالية حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، ورابعها طريق بحر الشمال الذي تروج له روسيا منذ سنوات، وهو الطريق الممتد على طول الساحل السيبيري، أي الالتفاف حول روسيا لنقطة الالتقاء في أوروبا.
وخامسها طريق التجارة من المحيط الهندي إلى مضيق هرمز وصولاً إلى موانئ مدينة البصرة (جنوب شرق العراق)، ومنها تكمل رحلاتها براً وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ومن تركيا تتجه السلع براً كذلك إما لمنطقة البحر الأسود للسلع المتجهة إلى شرق أوروبا، أو إلى البحر المتوسط أو تكمل طريقها براً عبر خط سكك حديدية "باكو - تبليسي - قارص".
تسارع العمل في طريق التنمية العراقي
شجعت أحداث البحر الأحمر الدول المستفيدة من طريق التنمية العراقي على الإسراع بمعدلات إنجازه، حيث تنظر كل من تركيا والعراق إلى المشروع ليس باعتباره ممرًا للنقل بتكلفة مناسبة وبفترة زمنية قصيرة فقط، بل يكمل أيضاً ممرات النقل الحالية، حيث يربط الممرات الشرقية بالغربية بالاتجاه الشمالي الجنوبي، مما يسهم مباشرة في نظام التجارة العالمي، ويساهم في تطوير ونمو جميع الدول المشاركة.
وطبقاً للدراسات، فإن المشروع سيختصر بدءاً من ميناء الفاو، وقتاً يقارب 15 يوماً بالمقارنة مع السفن التي تسافر إلى أوروبا عبر قناة السويس، من خلال ربط ميناء الفاو بالحدود التركية عبر خط سكك حديدية وطريق سريع بطول 1200 كيلومتر، وسيفتح المشروع باباً جديداً للتجارة الإقليمية.
وطبقاً لتصريح وزير النقل العراقي رزاق السعداوي، فإن مخطط الطريق السريع الذي يُبنى ضمن المشروع تم إنجاز 65% منه، لافتاً أن التكلفة الإجمالية للسكك الحديدية والطريق البري تبلغ نحو 17 مليار دولار، وأنه لدى "العراق وتركيا امتيازات من حيث الموقع الجغرافي، وسيتم استخدام ذلك لصالح الشعبين".
تتسارع الحركة العالمية لإيجاد بدائل للمرور عبر قناة السويس التي تشكل رافداً تاريخياً للنقد الأجنبي للدولة المصرية، وقد تباطأت مصر كثيراً في تنمية محور القناة، وفي ظل سعي الدول للاستغلال الأمثل لإمكاناتها المختلفة وفي مقدمتها الموقع الجغرافي، تتسارع تنمية الطرق البديلة للقناة التي ربما تفقد كثيراً من أهميتها وعوائدها في الفترة القادمة، الأمر الذي يفرض سرعة التحرك والإنجاز لتقليل الخسائر التي ربما باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى.