هاريس أم ترامب: أيُّهما أفضل للاقتصاد الأميركي؟

23 اغسطس 2024
المرشحة هاريس في مؤتمر الحزب الديمقراطي، 20 أغسطس 2024 (مها إسلام/ فرانس برس)
+ الخط -

حتى السابع والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، اعتقد الأميركيون أنّ الزمن سيعود بهم إلى الوراء وسيحظون بفرصة أخرى للاختيار مجدَّداً ما بين جو بايدن ودونالد ترامب كما حدث في انتخابات عام 2020، لكن الأداء الكارثي لبايدن في مناظرة تلك الليلة وضع الديمقراطيين أمام الأمر الواقع بشأن عدم صلاحيته لتولِّي زمام أمور البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، الأمر الذي أدَّى في نهاية المطاف إلى رضوخ بايدن لضغوطات ما وراء الكواليس والانسحاب في الحادي والعشرين من يوليو/ تمّوز الماضي وتسليم مهمّة إكمال السباق الانتخابي لنائبته كمالا هاريس.

منذ دخول هاريس حلبة المنافسة الرئاسية، ثار العديد من التساؤلات حول احتمالات تحميلها وزر سياسات بايدن التي أجَّجت التضخُّم، وضاعفت فواتير الصناعة، وأشعلت نار الاضطرابات في الخارج؛ وتحديداً لذلك الغرض، أجرت شبكة سي أن بي سي الأميركية بالتعاون مع Generation Lab استطلاعا ربع سنوي للشباب والمال بعد انسحاب بايدن من السباق، وكشفت النتائج، التي ظهرت للعلن في التاسع من أغسطس/ آب الحالي، بأنّ 69% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يرون أنّ الاقتصاد الأميركي ازداد سوءاً في عهد بايدن، لكنّهم لا يحمِّلون هاريس مسؤولية تدهور اقتصاد بلادهم، ويعتبر 41% من المشاركين في الاستطلاع أنّ هاريس هي المرشَّح الأفضل والأكثر قدرة على تعزيز الاقتصاد الأميركي وتحسين مؤشِّراته، بينما اختار 40% ترامب الذي يتمتَّع بسجلّ بائس ويواجه اتِّهامات جنائية بشأن محاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، علاوة على إدانته في 34 تهمة جنائية تتعلَّق بالتهرب الضريبي وتزوير سجلّات تجارية ودفع أموال لشراء صمت أناس في ثلاث قضايا محرجة له قبل انتخابات 2016 الرئاسية.

كما أكَّدت نتائج ذلك الاستطلاع المثير للاهتمام عزم 46% من المستجوبين الأصغر سنّاً على التصويت لهاريس، بينما بلغت نسبة أولئك الذين أعلنوا تأييدهم لترامب 34%، في حين أفاد 21% ممن شملهم الاستطلاع بأنّهم سيصوِّتون إمّا للمرشح المستقل لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة روبرت كينيدي جونيور أو لمرشَّح آخر. ويرجع تقدُّم هاريس بفارق 12 نقطة على خصمها ترامب إلى أسباب تتعلَّق بالدرجة الأولى بالاقتصاد وتكلفة المعيشة، وهي الأسباب التي تمسَّك بها 66% من المستجوبين الأصغر سنّاً عندما سُئِلوا عن العوامل الأكثر تأثيراً على قرارهم النهائي بخصوص التصويت.

وتكمن أهمية هذه النتائج في تأييد شريحة الشباب لهاريس، وهي الشريحة التي تُشكِّل حوالي ربع إجمالي سكان الولايات المتَّحدة والتي لطالما عوَّل عليها المرشَّحون الديمقراطيون، فقد سبق لبايدن الفوز في انتخابات عام 2020 بفضل 59% من أصوات الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً مقابل 35% فحسب لمنافسه ترامب.

مع ذلك لا ينبغي التفاؤل أكثر ممّا يجب بالنظر إلى أنّ حدوث أيّة انتكاسات اقتصادية قبل انتهاء العدّ التنازلي في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل قد يدفع الناخبين إلى إلقاء اللوم على هاريس، التي لم تعلن بعد عن أجندة اقتصادية واضحة وشاملة ومستقلّة بشكل تامّ عن أجندة بايدن، والعودة مجدَّداً إلى أجندة ترامب المجرَّبة سلفاً.

في الواقع، ينبغي على هذه المرشَّحة الديمقراطية التي تصغر بايدن بـ19 عاماً أن تبدي التزاماً لا لبس فيه بخفض معدل التضخُّم وإخماد لهيب الأسعار وتخفيف عبء الضرائب والرسوم على المواطنين الأميركيين الذي سئموا استخدام بلادهم أموال تلك الضرائب في تمويل الحروب والصراعات التي لا طائل لهم منها وكذا تحجُّجها بالحفاظ على الصناعة الأميركية من المنافسة الخارجية وتحميلهم عبء زيادة الأسعار والرسوم والاستجابات الانتقامية المصاحبة لاستراتيجية الحماية والحرب التجارية القائمة مع الصين التي تغذِّيها عوامل جيوسياسية أيضاً.

يتعيَّن على هاريس المحصورة حالياً في إطار زمني مضغوط ضدّ حملة ناضجة تعوَّد ترامب على التلاعب بأوتارها الحسّاسة أن تُظهِر قُدرات خارقة في خوض غمار المفاوضات المتعدِّدة الأطراف لإنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا، وكذا الحرب التجارية مع الصين، وتقديم خطّة لتطبيق حواجز تجارية شاملة غير جمركية لتجنيب المواطنين الأميركيين ويلات الردود الانتقامية الصادرة عن الصين، وذلك إذا كانت ترغب فعلاً في تحقيق الفوز الكاسح على منافسها ترامب الذي يتمسَّك بخطّة عمل اقتصادية موصوفة ومعروفة تتميَّز أساساً بخفض الضرائب على الشركات والأفراد الأثرياء، وتحرير الصناعة، والحروب التجارية مع المنافسين الاقتصاديين، وأبرزهم الصين، وكذا عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين كوسيلة لزيادة الأجور المحلية والعمالة.

كما يسعى ترامب لوضع خطّة للحدّ من سلطة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) المستقلّ قانوناً والذي يتمتَّع بسلطة واسعة على الاقتصاد وإدارة السياسة النقدية والرقابة على القطاع المصرفي، فلطالما انتقد ترامب بانتظام رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول خلال رئاسته وأثناء حملته الانتخابية أيضاً.

حالياً، لا تزال هاريس مرتبطة بأجندة بايدن الاقتصادية ولا تزال المعالم الاقتصادية لحملتها متماشية إلى حدٍّ كبير مع معالم حملة بايدن، لكنّها بدأت بتقديم بعض الأفكار الخاصّة بها والتي تتسِّم بالتركيز على المواضيع التي تهمّ الأسرة مثل الإجازة المدفوعة، ودعم رعاية الأطفال، ورفع رواتب المعلّمين كشكل من أشكال المساعدات المباشرة للطبقات المتوسِّطة والفقيرة، حيث تحاول إضفاء صبغة أكثر إنسانية على القضايا التي تواجهها الأسر العاملة الأميركية، كما اقترحت مشروع قانون لتخفيف الإيجار يحمل في طياته إعفاءات ضريبية تُمكِّن المستأجرين الذين يكسبون أقلّ من 100 ألف دولار سنوياً من استرداد تكاليف الإيجار التي تفوق 30% من دخلهم، ووعدت بالوفاء بوعد بايدن بزيادة الضرائب على الأثرياء مع الحرص على تجنيب أولئك الذين يكسبون أقلّ من 400 ألف دولار سنوياً دفع ضرائب أعلى.

للجلوس على كرسي البيت الأبيض، ينبغي أن تتحرَّر كامالا هاريس من السرديات الاقتصادية المألوفة، وأن تركِّز مع زميلها في الترشُّح، حاكم ولاية مينيسوتا تيم وولز، على تعديل مزاج الناخبين الأميركيين السيئ أصلاً بسبب المخاوف بشأن التضخُّم وارتفاع تكاليف المعيشة. كما يجب على هاريس أن تتوقَّف عن الحديث عن عدد الوظائف التي تمَّ استحداثها، لأنّ المواطنين الأميركيين يعلمون تماماً بأنّ ذلك يرجع أساساً لسياسات وخطط إعادة التوظيف بعد الجائحة، ويتعيَّن عليها أن تركِّز بدلاً من ذلك على إيجاد كيفية للحفاظ على الدولارات في جيوبهم.

المساهمون