بينما تواجه العديد من دول العالم أزمة غذاء طاحنة وتبحث عن زيادة إنتاجها من الحبوب والمنتجات الزراعية، خاصة القمح، لا تجد معظمها الأراضي الكافية للزراعة، حيث إن الشركات الصينية استثمرت بكثافة منذ بداية العقد الماضي في شراء الأراضي الزراعية، وباتت تستحوذ على مساحات زراعية شاسعة حول العالم.
ورفعت الشركات الصينية التي تملكها الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر من الاستحواذ على الأراضي الزراعية بالعالم بما في ذلك في الولايات المتحدة وأوكرانيا وأفريقيا وفرنسا.
والأمن الغذائي يعد الهاجس الأكبر لبكين منذ سنوات وضمن المخاوف في نزاعها مع واشنطن، الذي تحسب له أن يتحول إلى مواجهة مع الولايات المتحدة حتى قبل اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وفق محللين.
والصين دولة ذات كثافة سكانية عالية، حيث يبلغ عدد سكانها 1.414 مليار نسمة، حسب بيانات البنك الدولي، من بينهم نحو 400 مليون نسمة ينتمون للطبقة الوسطى، كما أن أراضيها القابلة للزراعة تعاني من التصحر والفيضانات وهجرة الشباب من الريف للمدن، حيث يجذبه الثراء السريع في قطاعات التقنية والاستثمار في الأسواق.
ووفق دراسة حكومية أميركية صدرت في 26 مايو/أيار الماضي فإن الصين تواجه زيادة كبيرة في الطلب على المنتجات الزراعية. وفي العام 2021 استوردت الصين نحو 28.35 مليون طن متري من الذرة الشامية، بزيادة معدلها 152%، عما استوردته في العام 2020.
وفي ذات الشأن يقدر معهد التنمية الريفية الصينية في دراسة هذا العام، أن الصين ستعاني من نقص في إمدادات القمح خلال الأعوام المقبلة تقدر بنحو 130 مليون طن متري بنهاية العام 2025. كما تشير الدراسة إلى أن الحكومة الصينية لن تكون قادرة على حل مشكلة الأمن الغذائي محلياً على الرغم من خطط الرئيس شي جين بينغ التي عملت على توسيع الرقعة الزراعية القابلة للإصلاح الزراعي وإدخال التقنيات الحديثة في الإنتاج الزراعي. وبالتالي فإن بكين التي تعتمد على واردات الزراعة الأميركية قلقة من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وسعت مبكراً لزيادة حجم استثماراتها في الأراضي الزراعية في العالم.
وتشير الدراسة الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أن الصين وضعت خطة للاستثمار في الخارج، استهدفت الاستثمار في الزراعة ومنتجاتها وقطاعات الطاقة والمعادن ورصدت لها مبالغ تراوح بين تريليون دولار وتريليوني دولار في العقد الممتد بين 2015 و2025.
وحسب بيانات وزارة الزراعة الصينية، فإن الشركات الصينية لديها استثمارات في أكثر من 1300 مشروع زراعي حالياً في مائة دولة تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 26 مليار دولار. وتراوحت هذه المشاريع بين زراعة الحبوب والغابات والإنتاج الحيواني. كما تملك الصين أراضي زراعية تقدر مساحتها بنحو 938 ألف هكتار في أوروبا وأفريقيا وأميركا.
في أميركا أشترت الشركات الصينية مجموعة من الأراضي الزراعية وشركات الإنتاج الزراعي. وحسب بيانات الحكومة الأميركية، استحوذت شركة "شوانغ هو إنترناشونال" القابضة، وهي شركة صينية شبه حكومية، على شركة "سميث فيلد فودز" الأميركية، في صفقة بلغت قيمتها 7.4 مليارات دولار.
كما استحوذت مجموعة صينية على شركة "كوفكو" الأميركية، وهي شركة متخصصة في تصدير الحبوب إلى الصين، كما استثمرت بكين كذلك في شركة " لاسنغ تريد غروب" التي تتاجر في الحبوب والمنتجات الزراعية. وتقدر الدراسة الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية، أن الصين باتت تستحوذ على نسبة واحد في المائة من إجمالي الأراضي الزراعية التي بيعت لأجانب بالولايات المتحدة.
ويدرس الكونغرس حالياً تداعيات استثمارات الصين في القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني على الأمن القومي الأميركي.
على صعيد الاستثمارات في أوروبا، فإن لدى الشركات الصينية استثمارات واسعة في أوكرانيا، تقدر ها صحيفة "وول ستريت جورنال" بنحو 9% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا، أي ما يعادل نحو 5% من مساحة أوكرانيا. كما اشترت شركات صينية مئات الهكتارات في فرنسا.
من جانبها تقول البروفسورة شيرلي يو، الأستاذة الزائرة بجامعة " لندن أسكول أو ف إيكونومكس ـ أل أس إي"، إن الشركات الصينية الخاصة تستحوذ على 90% من إجمالي الاستثمارات الصينية في أفريقيا، وأن معظم هذه الاستثمارات تصب في مجال الزراعة والطاقة والمعادن.
وتشير البروفسورة يو في تحليل على موقع جامعة " إل أس أي"، إلى أن الصين تعاني من الشيخوخة وتتخوف على أمنها الغذائي، وبالتالي فهي ترغب في الاعتماد على دول شابة ولدى سكانها قدرة على الإنتاج مثل أفريقيا.
وتقول يو إن ثلث سكان الصين سيكون عمرهم فوق 65 عاماً 2060. كم تتوقع ارتفاع عدد المواطنين بالصين الذين ينتمون للطبقة الوسطى من نحو 400 مليون نسمة حالياً إلى 800 مليون نسمة بحلول العام 2030. وهذا العامل يرفع من معدل الاستهلاك الغذائي.
ويذكر أن الاقتصاد الصيني حقق قفزات سريعة في النمو الصناعي خلال العقد الماضي، ما رفع الناتج المحلي للبلاد إلى نحو 13 تريليون دولار. وباتت الشركات الصينية تحتكر العديد من الأسواق العالمية بسبب رخص العمالة وأسعار الكلفة.