سلّم العمال والموظفون مجددا قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، للأمين العام نور الدين الطبوبي (61 عاما)، في أعقاب المؤتمر الانتخابي الخامس والعشرين في تاريخ المنظمة الذي عقد بين 16 و18 فبراير/ شباط الحالي بمحافظة صفاقس (وسط شرق).
وأعلن المؤتمرون إعادة انتخاب الطبوبي أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل بـ 517 صوتا في خضم سياق سياسي متوتر وأزمة اقتصادية عميقة في بلد مثقل بالديون ويقدم على إصلاحات عميقة قد يكون العمال أول ضحاياها.
ويتولى الطبوبي دورة ثانية في الاتحاد، سيكون خلالها في مواجهة مباشرة مع صندوق النقد الدولي الذي يبدأ مفاوضات مع الحكومة التونسية بشأن اتفاق تمويلي يتوقع أن تكون ضريبته الاجتماعية مرتفعة قد تصل إلى حد التخفيض في أجور 700 ألف موظف يعملون في القطاع الحكومي.
ويمثلّ الاتحاد العام التونسي للشغل بالنسبة لشريحة مهمة من التونسيين المظلة التي يحتمون بها من جور الحكام أو السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها مؤسسات القرض الدولية على البلاد.
ويتحمّل الطبوبي مسؤولية الأمانة العامة للمرة الثانية بعد مسار عمل نقابي مارسه سنين طويلة في مستوى قاعدي قبل أن يتحمّل المسؤولية النقابية الأهم في العاصمة وهي الأمانة العامة للاتحاد الجهوي لتونس الذي يضم بمفرده نحو 100 ألف عضو وهو الفرع الذي كان يتحكم في سير العمل والإضرابات والمفاوضات مع كبريات الشركات الاقتصادية ومع الحكومة.
كانت هذه الخطة التي شغلها سنة 2009 تتويجا وانطلاقا لتحقيق الحلم الذي راوده عقودا والمتمثل في الاضطلاع بمسؤولية النظام الداخلي في المركزية النقابية، فكان له ذلك في مؤتمر الاتحاد بالمنستير سنة 2006. حينها لم يكن الوصول إلى الأمانة العامة إلا مسألة وقت وصبر.
والطبوبي ابن الفلاح القادم من ريف محافظة باجة (الشمال الغربي) لا يقبل المساومة على حقوق العمّال ويعتبر أن كل أشكال النضال متاحة من أجل حماية الطبقات الضعيفة من توحش رأس المال.
والاتحاد العام التونسي للشغل مؤثر للغاية على الساحة السياسية لأنه يمتلك القدرة على تعبئة وتحريك الشارع في أنحاء البلاد وعلى امتداد عدة قطاعات مهنيّة، إذ سبق للطبوبي أن قاد الإضراب العام في يناير/ كانون الثاني 2019 احتجاجا على رفض حكومة يوسف الشاهد حينها توقيع الزيادة في رواتب الموظفين.
ويجيد الطبوبي المراوحة بين الصلابة واللين بحسب الظرف الاقتصادي والسياسي في البلاد فهو يمكن أن يكون متصلبا في المواقف، ولكن ما أن يتمّ التوصل إلى اتفاق حتى يفرض على فريقه الانضباط والالتزام والتنفيذ.
ولكن العهدة الجديدة للطبوبي على رأس الاتحاد قد تختلف عن سابقاتها بسبب خصوصية الظرف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس التي تعيش وضعا استثنائيا منذ 25 يوليو/ تموز الماضي بعد أن جمع الرئيس قيس سعيد كل السلطات بين يديه وأوصد باب التفاوض مع الجميع بما في ذلك اتحاد الشغل الذي يتشبث بتنظيم حوار شامل في البلاد يجمع كل الأطراف الفاعلة حول خطة إنقاذ للبلاد.
وتسعى السلطة التي بدأت مفاوضات تقنية مع صندوق النقد الدولي من أجل توفير تمويلات للموازنة لتأمين دعم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي طالما انتقد الخضوع لإملاءات مؤسسات القرض، مؤكدا أن إنقاذ الشقف (المركب) ممكن بحلول تونسية- تونسية.
وقد أعلن الاتحاد أنه يعارض رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وتقليص فاتورة رواتب موظفي القطاع العام، وهما مسألتان قد تكونان ضروريتين للتوصّل إلى اتفاق قرض من صندوق النقد الدولي.
كما طالب الطبوبي الحكومة بالخروج إلى التونسيين ومكاشفتهم بحقيقة الوضع المالي، مؤكدا أن السلطة تطلب خلف الأبواب المؤصدة، ما لا يمكن للعمال والطبقات الشغيلة تحمّله، رافضا أن تكون الثروة للبعض والفقر لعموم الشعب.
والطبوبي لا يغيب بثقل وزن منظمته على ساحة تطرح فيها مصلحة العمّال أمام الطمع الطبيعي لرأس المال. لكنه لا يفرض حضوره في كل مناسبة، في المقابل غالبا ما تسارع السلطة للاستنجاد به بهدف احتواء الأزمات الاجتماعية. كما تطلب تدخله لتجنّب الإضرابات في القطاعات الحيوية التي تؤثر على الخدمات العامة.
طالب الطبوبي الحكومة بالخروج إلى التونسيين ومكاشفتهم بحقيقة الوضع المالي، مؤكدا أن السلطة تطلب خلف الأبواب المؤصدة، ما لا يمكن للعمال والطبقات الشغيلة تحمّله
وعموما لا يحسب الطبوبي على أي طرف سياسي ولم يسبق للرجل إعلان انتمائه أو قربه من أي حزب ما ساعده على الوصول إلى المسؤولية الأولى في المركزية النقابية التي لا تغيب عنها الصراعات الأيديولوجية.
غير أن حفاظ الطبوبي على استقلاليته السياسية لا يعني الحياد سيما وأن ابن الفلاح الذي قضى أكثر من نصف عمره صلب الهياكل النقابية يعلم علم اليقين أن مكاسب الشغالين عبر التاريخ لم تعط وإنما كانت نتاج عمل ونضال.