نهب جيب المواطن

17 أكتوبر 2019
لبنانيون غاضبون من سياسات حكومتهم الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -

لا تختلف حكومة مصر عن حكومة لبنان في استهداف جيب المواطن ونهبه بزعم حاجتها إلى موارد مالية لتغطية عجز الموازنة العامة وتدبير مخصصات الرواتب والدعم وغيرها، ولا تختلف سلوكيات حكومات بعض دول الخليج والجزائر والعراق الثرية عن نهج وسلوك حكومات السودان والأردن وتونس والمغرب وسورية في تفضيل حل اللجوء لجيب المواطن لتمويل الخزانة العامة دون البحث في بدائل مرهقة وغير مضمونة من وجهة نظرها.

كل الحكومات العربية باتت تستهدف جيب المواطن بمن فيهم موظفو الدولة والطبقات المتوسطة، وربما تمتد عملية الاستهداف إلى ملايين الفقراء عبر زيادة الرسوم الحكومية المفروضة على الخدمات المقدمة لهم في المصالح الحكومية، سواء تعلقت باستخراج شهادات ميلاد، وفاة، زواج، طلاق، قيد عائلي، بطاقة رقم قومي، جواز سفر، أو تجديد رخصة سيارة عمرها يزيد عن نصف قرن.

في لبنان وافقت الحكومة، أول من أمس، على مشروع قانون يفرض رسوماً على مكالمات تطبيقات واتساب كول، viber، فيسبوك كول، فايس تايم، كما فرضت رسوما على السجائر، مع زيادة الضريبة على الكماليات إلى 15%، والملفت أن هذه الحكومة يرأسها سعد الحريري الذي أهدى عارضة أزياء من جنوب أفريقيا منحة لا ترد قيمتها 16 مليون دولار.

وفي مصر باتت الضرائب هي المصدر الأول لإيرادات الدولة بعد زيادتها عدة مرات خلال الفترة الماضية وتوسيع دائرة الخاضعين لها، وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن حصة الضرائب من إيرادات الدولة تبلغ نحو 80%، والملفت أن الضرائب على الدخل وضريبة القيمة المضافة تمثلان النسبة الأكبر من الإيرادات الضريبية التي تستهدف الحكومة زيادتها خلال العام المالي الجاري بنحو 12.7% لتصل إلى 856.6 مليار جنيه، مقابل 759.9 مليار جنيه متوقعة خلال العام المالي الماضي.

كما تبحث الحكومة حاليا فرض ضرائب على إعلانات موقع التواصل الاجتماعي، وزيادة الإيرادات من ضريبة السجائر والدخان نحو 15% لتصل إلى 67.128 مليار جنيه (3.92 مليارات دولار)، كما جاء في مشروع الموازنة 2019-2020.

وفي الأردن تكاد الحكومة تفرض ضرائب على كل شيء، مثلا رفعت الضرائب قبل شهور على السيارات الهجينة "التي تعمل على البنزين والكهرباء"، من 25 إلى 55%، كما تبحث الحكومة وفقا لتعليمات من صندوق النقد الدولي زيادة الضرائب عبر فرض ضريبة على مواقع التسوق الإلكتروني وإضافة ضريبة على مبيعات الإعلانات المحلية المنشورة على غوغل وفيسبوك.

وفي الجزائر تتوسع الحكومة في زيادة الضرائب وآخرها ضريبة الثروة التي استحدثتها قبل أيام، وفي العراق الذي يعوم على بحار من النفط والغاز، يتم فرض مزيد من الضرائب، في الوقت الذي ينتشر فيه الفقر والبطالة الفساد وارتفاعات الأسعار وزيادة الأعباء المعيشية، وهو ما أثار غضب المواطن الذي خرج إلى الشارع متظاهرا خلال الفترة الماضية.

الحكومات العربية تفضل الحلول السهلة وهي نهب جيب المواطن، في الوقت الذي لم نسمع يوما عن حكومة خفضت نفقاتها وتوقفت عن شراء السيارات الفارهة وقلصت مكافآت جيش المستشارين بالجهاز الإداري بالدولة أو رفعت مخصصات الصحة والتعليم، وبينما تبحث الحكومة في جيوب الموظفين والفقراء لزيادة إيراداتها لا تلتفت بالقدر الكافي إلى ضرائب الأثرياء وترفض فرض ضرائب تصاعدية عليهم وتتساهل مع مستثمري البورصة وتتغاضى عن تحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية.

الملفت أن زيادة الضرائب في منطقتنا لا يقابلها تحسن في الخدمات المقدمة للمواطن كما يحدث في كل دول العالم، وأن حصيلة الضرائب لا توجه فقط لسداد الرواتب والديون المستحقة على الدولة، بل بات يوجه جزء منها لبناء القصور والاستراحات الرئاسية وشراء مزيد من الطائرات الرئاسية وإقامة عاصمة إدارية يقطنها الأثرياء، أرأيتم كيف تضحي الحكومات العربية من أجل إسعاد دافعي الضرائب الفقراء؟
المساهمون