نقود غزة مزقتها الحرب: تدوير العملات التالفة

24 يونيو 2024
فلسطينيون يتسوقون في سوق وسط أنقاض مبانٍ منهارة في غزة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحصار الإسرائيلي والقصف المباشر أثرا بشكل كبير على البنية التحتية المالية في غزة، مما أدى إلى تفاقم أزمة العملات التالفة والمهترئة، وأجبر السكان على استخدام عملات قديمة ومتهالكة تعيق العمليات الشرائية.
- الأزمة تتفاقم بسبب الاعتماد على ثلاث عملات رئيسية (الشيكل الإسرائيلي، الدولار، والدينار الأردني) في التعاملات اليومية، مع رفض البائعين والزبائن تسلم العملات المتهالكة بسبب صعوبة تصريفها.
- الحلول لمواجهة الأزمة محدودة، حيث يضطر السكان لقبول العملات التالفة ويواجهون رسوماً مرتفعة عند سحب الأموال أو تلقي الحوالات، مما يؤدي إلى معاناة اقتصادية واجتماعية مضاعفة في ظل الحصار والحرب.

 

تُشكل العملات التالفة والمُمزقة والمُهترئة إزعاجاً كبيراً للفلسطينيين في قطاع غزة، لتسببها بتعطيل العديد من عمليات البيع والشراء والأنشطة التجارية، بفعل رفض تسلّمها وطلب بديل لها، في ظل انعدام البدائل بسبب التأثيرات المُباشرة للحرب الإسرائيلية الدامية المُتواصلة على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وتسبب أزمة العملات التالفة إحراجات مزدوجة للباعة والزبائن، إذ يرفض صاحب السلعة تسلّمها من الزبائن بحجة عدم قدرته على تصريفها، وعدم قبول التُّجار بها، كذلك يرفضها الزبائن لحظة إرجاع المتبقي لهم عند التاجر أو البائع، بحجة عدم قدرتهم على تصريفها عند بائعين آخرين، يرفضون أخذها لصعوبة التعامل بها.

ووفق تجار، فإن الأنشطة التجارية والتعاملات النقدية المالية داخل غزة تعتمد على ثلاث عملات: الأولى الشيكل الإسرائيلي، وهو العملة الأساسية والأكثر تداولاً، وأساس التعاملات اليومية وسداد مستحقات الأنشطة التجارية، ثم الدولار، ويستخدم في تمويل وسداد أنشطة الاستيراد والتعاملات التجارية مع الخارج، ومنها شراء السلع الغذائية والسيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية. وأخيراً الدينار الأردني الذي يُستخدَم في دفع مهور الزواج وشراء العقارات ودفع رسوم المدارس والجامعات.


تدمير المصارف


وتفاقمت أزمة العملات القديمة والمُهترئة نظراً لإغلاق المعابر بشكل كامل، وزيادة الخِناق على المصارف التي دُمِّر معظمها، وذلك بعد حصار مُشدد عانت منه مختلف القطاعات الاقتصادية والمصرفية على مدار سبعة عشر عاماً مضت.

وتتركز الأزمة في الأوراق المالية الأكثر تداولاً في الأسواق من فئة عشرين، وخمسين، ومائة شيكل، التي اهترأت وتعرضت للبهتان وذوبان أوراقها نتيجة دورة الاستخدام المتواصلة دون وجود بدائل جديدة، فيما انتقلت الأزمة إلى النقود المعدنية من فئة شيكل واثنين وخمسة وعشرة شيكلات، بسبب تعرّضها للتلف والخدوش والثقوب، التي تدفع الباعة والمتسوقين على حد سواء إلى رفض تسلّمها، ما يُعطل إتمام عملية البيع في الكثير من الحالات.

ويقول الفلسطيني أسعد جنينة، وهو نازح من مدينة خانيونس إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إنه يتعرض لإحراجات ومُضايقات يومية لرفض التُّجار أو السائقين تسلُّم النقود، على اعتبار أنها مُهترئة ولا يُمكنهم تصريفها، في ظل شُحّ البدائل وعدم توافر النقود الجديدة.

ويلفت جنينة لـ"العربي الجديد" إلى أن أزمة النقود المُهترئة تُضاعِف من معاناة الفلسطينيين خلال حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي تُنغص على الفلسطينيين من مختلف النواحي، حيث يعيشون الخطر على مدار الساعة، فيما يُعانون من النقص الحاد في المواد الأساسية، وعدم القدرة على شراء المتوافر، تارةً لغلاء الأسعار، وتارة لعدم توافر الإمكانات المادية، وأخرى لعدم قبول صرف النقود، على اعتبار أنها تالفة.

ويشير جنينة إلى الأزمة المركبة للحصول على الأموال وتصريفها في قطاع غزة، إذ اضطر إلى سحب مبلغ مالي كان قد ادخره في البنك، حيث تُقتطَع نسبة 20% من قيمة المبلغ من قبل أحد الصرافين، كذلك سُلِّم نقوداً غير جديدة، يُعاني بشكل يومي لتصريفها، بفعل رفض تسلُّمها.



لا بدائل إلا العملات التالفة

 
منذ أشهر يضطر أهالي غزة لتسلُّم أموالهم والحوالات المالية عبر النُّظم السريعة بوسائل غير طبيعية في ظل إغلاق العدد الأكبر من البنوك وتدميرها، وذلك من خلال مواطنين وتجار آخرين تتوافر لديهم السيولة النقدية، لكنهم يستغلون الواقع ويفرضون رسوماً بدأت بـ5% ثم زادت إلى 10 واستقرت ما بين 15 و20%، ومن المتوقع أن تزيد طالما استمرت الحرب.
فيما يلفت الفلسطيني عبد الحليم الأشقر، إلى أن أزمة النقود المُهترئة والمُمزقة باتت تُشكل هاجساً لدى الجميع، حيث يفحص البائع أو المشتري الورقة النقدية أو العملات الحديدية من مختلف الاتجاهات للتأكد جيداً من عدم وجود ندوب أو تمزقات، حتى لا يتورط بإشكالية عدم القدرة على تصريفها.
ويوضح الأشقر لـ"العربي الجديد" أنه رغم الحرص الشديد، إلا أن انعدام البدائل، وعدم دخول الأموال الجديدة، يُبقيان الأزمة، ويُفاقمانها يوماً تلو آخر، إذ "يضطر الجميع إلى التعامل بهذه العملات التالفة، وتكبُّد معاناة صرفها، بعد المعاناة الأكبر في الحصول عليها".
والتعامل بهذه العملات في قطاع غزة بات إجبارياً بسبب عدم وجود البدائل، ما يسبب المواقف المحرجة طوال الوقت، وفق الأشقر، الذي يقول: "لا يُمكنك أن تتخيل مدى الإحراج لحظة رفض السائق للورقة النقدية الوحيدة في جيبي ونحن في منتصف الطريق، لا يُمكنني حينها النزول، أو توفير ورقة أخرى".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وانشغل البائع الشاب شادي البرعاوي بإلصاق ورقة نقود مُمزقة حصل عليها من أحد الزبائن سليمة، لكنها تمزقت بعد أن وضعها في جيبه بسبب اهترائها من الاستخدام المتواصل، ويقول إنّ النقود في قطاع غزة تجاوزت العُمر الافتراضي من دون أي تجديد.
ويلفت البرعاوي "العربي الجديد" إلى المُعاناة المُركبة التي يعيشها البائعون، بفعل الحالة السيئة للأسواق نتيجة صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وضعف القدرة الشرائية للزبائن، إلى جانب التحدي الآخر، المتمثل بالعملات المهترئة. ويقول: "حين أضطر إلى قبول ورقة مُهترئة بفعل ضعف البيع، أُعاني كثيراً لتصريفها مُجدداً، سواء عند الزبائن، أو عند التُّجار، ما يدفعني إلى رفض الأوراق التالفة، على الرغم من حاجتي الماسة للبيع وتوفير قوت أسرتي".

وفي الأثناء، يُشير الخبير الاقتصادي محمد العجلة، إلى أن انعدام الخيارات يُجبر الفلسطينيين في قطاع غزة على قبول الأموال المُهترئة، على الرغم من معرفتهم بالمعاناة التي ستواجههم لحظة صرفها، خصوصاً حين تُصرَف من طريق المؤسسات أو الجمعيات الخيرية، أو لحظة قبض الرواتب، أو سحب أرصدة البنك من طريق مكاتب الصرافة، أو نقاط الصرف التي لا تترك الكثير من الخيارات بحُجة "عدم توافر سيولة جديدة".

ويُشير العجلة في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن إشكالية العملات التالفة والمُهترئة ليست جديدة، حيث عانى منها القطاع الاقتصادي على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي، إلا أنها تفاقمت خلال العدوان، بفعل الإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول المواد الغذائية، والماء، والكهرباء، والأدوية، علاوة على استهداف الشركات والمُنشآت الاقتصادية، والمصارف والبنوك، عبر القصف المباشر، أو منع دخول البضائع والسيولة الجديدة.

ويلفت إلى الآثار الوخيمة للحرب الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني عموماً، وإلى التأثيرات السلبية الكبيرة لاستمرار دوران عجلة العملات القديمة والمهترئة، نظراً لمساهمتها في تقويض المعاملات التجارية، بسبب تخوف التجار والزبائن من تسلّم العملات التالفة.