يوم 22 إبريل/نيسان الجاري، عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها بشأن توقف إنتاج النفط في مرسى الحريقة (طبرق، شرقي ليبيا) وما يشير إلى احتمال أن تكون هناك عمليات إغلاق أخرى وشيكة.
وجاء التحذير ليثير قلق الليبيين على نفط بلادهم خاصة مع توقعات المنظمة الأممية وغيرها بأن إنتاج ليبيا من النفط بات مهددًا بالتوقف مرة أخرى عقب طفرة الكميات المصدرة وحدوث انفراجة في المشهد السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ودخلت على الخط المؤسسة الوطنية للنفط، التي تقول إن أسباب عمليات التوقف الأخيرة في الإنتاج من حقل مرسى الحريقة تتمثل في تأخر صرف الميزانيات مع تراكم الديون، وبالتالي عدم القدرة على استمرار الإنتاج إلا عبر توفير الأموال وفقا لرواية المؤسسة التي كانت تابعة للحكومة المنتهية ولايتها في طرابلس.
كما سعت حكومة الوحدة الوطنية من جانبها إلى احتواء الأزمة عبر تخصيص مليار دينار لسداد الالتزامات المالية. لكن في المقابل، أكد مراقبون أن ما يحدث من توقف إنتاج النفط في بعض الحقول مفتعل ويستهدف تعطيل حكومة الوحدة الوطنية والضغط عليها عبر ورقة النفط مرة أخرى.
ويتبنى هذه الرواية رئيس اتحاد عمال النفط والغاز، منير أبو السعود، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "الخلاف ليس ماليًا، بل صراعات وتجاذبات سياسية، فمؤسسة النفط أخذت اختصاصات وزارة النفط في إعلان القوة القاهرة وهو اختصاص أصيل للوزارة وليس للمؤسسة. أما بالنسبة للأموال، فإن موازنات السنوات الماضية كانت تتأخر في الاعتماد ومع ذلك استمر إنتاج النفط يسير بشكل طبيعي".
وأضاف رئيس اتحاد عمال النفط والغاز: "إيقاف النفط عبارة عن لي ذراع لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة". وأوضح أن الموازنة العامة لعام 2021 لم تُعتمد من قبل البرلمان حتى الآن، متسائلا عن سبب الاستعجال في اتخاد قرارات تعرقل تعافي الاقتصاد الوطني.
عودة العمل بميناء الحريقة
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، أول من أمس، عن اعتزامها الإعلان "فورا" عن رفع حالة "القوة القاهرة"، ما يسمح باستئناف صادرات الخام من ميناء "الحريقة" شمال شرق العاصمة طرابلس. وفي 19 إبريل/ نيسان الجاري، أعلنت المؤسسة "حالة القوة القاهرة" في الميناء، أي تعليق تصدير شحنات الخام منه؛ بسبب رفض المصرف المركزي صرف ميزانيتها. وأكدت المؤسسة، الخميس الماضي، انخفاض إنتاج البلاد النفطي إلى نحو مليون برميل يوميا من 1.3 مليون برميل في الأيام القليلة الماضية، وقد يواصل الهبوط في ظل استمرار مشكلات تتعلق بالميزانية.
وعقب تحرك الحكومة لاحتواء الأزمة سارع رئيس مؤسسة النفط، مصطفى صنع الله، للإشادة بـ"الاستجابة السريعة من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بإصداره قرارا بتخصيص مبلغ مليار دينار، واعتباره جزءا من ميزانية المؤسسة".
وكان رئيس مؤسسة النفط، قال في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني للمؤسسة، مؤخرا، إن الشركات الوطنية واجهت وضعا ماليا حرجا للغاية أدى إلى تذبذب الإنتاج النفطي، فقد تأثرت شركة سرت بشكل سلبي بسبب عدم تخصيص الميزانيات اللازمة للصيانة منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الشركة من 102 ألف برميل يومياً في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي إلى أقل من 82 ألف برميل يوميا في مارس/ آذار الماضي.
وأضاف أن شركة الخليج العربي للنفط عانت من المشكلات الفنية الناجمة عن نقص لوازم التشغيل وقطع الغيار مما أفقدها القدرة على المحافظة على معدلات إنتاج منتظمة.
تراكم الديون
مشهد أخر من مشاهد أزمة قطاع النفط الليبي عبر عنه رئيس لجنة إدارة شركة الخليج العربي للنفط، فضل الله احنيتة الذي قال، لـ"العربي الجديد" إن الشركة لم تستلم أي ميزانية منذ سبعة أشهر، وإيراداتها تفوق 70 مليون دينار ليبي يوميا وهي تدخل الخزانة العامة، مؤكدا على تراكم الديون وعدم قدرة الشركة على الاستمرار.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط ألقت في بيان صدر مؤخرا، بالمسؤولية القانونية الكاملة على عاتق مصرف ليبيا المركزي، الذي رفض تسييل الترتيبات المالية المعتمدة وفق قرار حكومة الوفاق الوطني السابقة رقم 871 تاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 والمقدرة بحوالي 1.048 مليار دينار، واستأثر بصرف إيرادات النفط على الاعتمادات الوهمية والسلع غير الضرورية وفق تقاريره الصادرة. ويشكل قطاع الهيدروكربونات العمود الفقري للاقتصاد الليبي، إذ تقدم صادرات النفط عادة أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية ونحو 95% من عائدات التصدير.
وعلى خلفية هذه التطورات أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها بشأن توقف إنتاج النفط، مؤخرًا، في مرسى الحريقة مشددة على أن استمرار إنتاج النفط والحفاظ على استقلال وحيادية المؤسسة الوطنية للنفط يبقى ركيزة أساسية وحيوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ليبيا. وطلبت البعثة من جميع الأطراف أن تضمن بقاء مؤسسة النفط مستقلة وتكنوقراطية وتمتلك ما يكفي من الموارد وتضمن تحقيق إدارة شفافة وعادلة للموارد وذلك على النحو المنصوص عليه في خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي بغية مكافحة الفساد بحسب ما جاء في البيان.
ورقة ضغط
قال رئيس اتحاد عمال ليبيا، عبد السلام التميمي، لـ"العربي الجديد" إن إيقاف إنتاج النفط بحجة نقص الأموال أمر واهٍ، مشيراً إلى استخدام النفط كورقة للضغط على الحكومة. الباحث الاقتصادي، بشير مصلح، أكد أن هناك صراعات، فالمؤسسة الوطنية للنفط رفعت إنتاج ليبيا للنفط خلال عام 2020 من 90 ألف برميل إلى 1.3 مليون برميل بنهاية العام، ولم تستلم سوى 2% من المخصصات المالية في ذات العام. وأكد الخبير النفطي محمد الشحاتي، أن هناك انخفاضا كبيرا في الصرف على إنتاج النفط في ليبيا خلال السنوات الماضية ليس بسبب انخفاض التكلفة بقدر ما هو بسبب عدم تخصيص التمويل الكافي، موضحاً أن البنية التحتية الجيدة للصناعة النفطية ساعدت على استمرار الإنتاج رغم الأعمال التخريبية التي تعرضت لها.
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن العودة السريعة للإنتاج ولنفس المستويات السابقة ربما يكون عاملا سياسيا في ظل عدم توفر التمويل اللازم.
خسائر الإقفالات
منذ عام 2013 ونفط ليبيا لم يصل إلى معدلاته الطبيعية نتيجة الإقفالات والاعتصامات المتكررة للحقول، وقيام قوات تابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بإغلاق الحقول والموانئ. وتؤكد بيانات لمصرف ليبيا المركزي أن خسائر الإقفالات غير القانونية للنفط بلغت 153 مليار دولار خلال السنوات السابقة. وفي المقابل، دافع المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي عن موقف المؤسسة الوطنية للنفط قائلا، لـ"العربي الجديد" إن مؤسسة النفط على حق، فمخصصات العام الماضي لم يصرف منها سوى 2% بسبب عدم تسييل المبلغ من قبل مصرف ليبيا المركزي لتوقف الإنتاج، مما فاقم المشكلة لأكبر المؤسسات الاقتصادية بالبلاد، فلجأت مؤسسة النفط إلى تجميد الإيرادات النفطية.
وأعرب عن حق المؤسسة في الحصول على أموال من أجل رفع الإنتاج النفطي وتحسن القوة الشرائية للدينار. وكشف عن وجود انحراف واضح نحو تغطية المصاريف التشغيلية مقابل المصاريف الرأسمالية حيث لم يصرف على التكاليف الرأسمالية سوى 11% تقريبا من إجمالي المصاريف بينما ذهب 89% للمصاريف التشغيلية. وقال: "صحيح أن هبوط أسعار النفط أجبر الشركات على تخفيض مصاريفها الرأسمالية، ولكن ما زالت في معظم الدول هي العليا باستثناء الجزائر".
وكان رئيس الحكومة الليبية أكد في تصريحات نهاية شهر مارس/ آذار الماضي أنه رغم صعوبة عملية التغيير، بعد الاضطرابات الدموية التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، إلا أن الحكومة الجديدة تمكنت من إنجاز 80 في المائة من ملف توحيد المؤسسات في أقل من شهر، تشمل وزارات الحكومة المختلفة والبرلمان والمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، ولكن يبدو أنه ما زال أمامها جهد كبير لاستكمال توحيد مؤسسة النفط، حسب مراقبين.