الاشتباكات المستمرة في السودان تطبق على صدر الاقتصاد المأزوم. هناك، يواجه المواطنون أزمات معيشية حادة، تغذيها مؤشرات اقتصادية لا تقل سوءاً، فيما يبدو الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الذي انطلق منذ أكثر من أسبوع معقداً إلى درجة إجلاء رعايا عدد كبير من الدول الغربية والعربية.
وتشرح وحدة التحقيقات الاستقصائية في "إيكونوميست" أن الصراع العنيف إلى يفاقم المخاطر التشغيلية في مناخ سياسي متقلب بالفعل. وسيتراجع الانتعاش الاقتصادي بسبب استمرار عدم الاستقرار، مما سيؤثر سلبا على معنويات المستثمرين والمانحين.
بدورها تلفت لجنة الإنقاذ الدولية في تقريرها الأخير إلى أنه حتى قبل الاشتباكات الأخيرة، كان السودان يواجه صدمات مناخية شديدة واضطرابات اجتماعية وسياسية وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي أدت إلى الفقر والجوع والنزوح. وتقول إن 39% من السكان يعانون من مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، فيما تضرر 5000 شخص من الفيضانات في عام 2022.
وقال كورت تغوسم، نائب رئيس لجنة الإنقاذ الدولية في شرق أفريقيا: "أدى الصراع إلى تعطيل العمل الإنساني في السودان حيث يعاني أكثر من ثلث السكان، أي ما يقدر بنحو 15 مليون شخص بمن فيهم اللاجئون، من انعدام الأمن الغذائي الحاد".
جفاف وضغوط
ويشهد السودان طقساً أكثر دفئاً وجفافاً إلى حد كبير، مع فترات مطيرة أقصر تقلل من إنتاج المحاصيل، كما أن هطول الأمطار غير المنتظم يزيد من احتمالية حدوث الفيضانات. يعيش معظم السودانيين في المناطق الريفية ويعتمدون على الأمطار في تربية المحاصيل والثروة الحيوانية.
في النصف الثاني من عام 2020، تعرض ما لا يقل عن 111 ألف منزل إما للدمار أو لأضرار جسيمة بسبب مياه الفيضانات، في حين تجاوز عدد الأشخاص المتضررين بشكل خطير 770 ألف شخص.
كما أدت الأمطار الغزيرة غير المعتادة إلى أسوأ انتشار للجراد الصحراوي شوهد في جميع أنحاء القرن الأفريقي منذ عقود. أدى فقدان المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى صعوبة متزايدة على الأسر في وضع الطعام على المائدة كل يوم.
ويواجه السودان العديد من الضغوط الاقتصادية، منها معدل تضخم مرتفع، احتياطيات أجنبية منخفضة للغاية وتعليق المجتمع الدولي لبرامج تخفيف عبء الديون الخارجية. على الرغم من أنه من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى 115.7% في عام 2023 من 236.4% في عام 2022، إلا أن هذا لا يزال يعكس ارتفاعاً سريعاً في الأسعار.
يستورد السودان 80% من قمحه من روسيا، مما يجعله يتأثر بشكل خاص بالآثار المتتالية للحرب في أوكرانيا. علق المانحون الماليون برنامج إلغاء ديون السودان عندما تولى الجيش السلطة، مما يعني أن الاتفاق على شطب 14 مليار دولار من الديون وإلغاء 9 مليارات دولار أخرى في المستقبل لم يعد مستمراً.
تفاقم الأزمة
علاوة على ذلك، لا يزال التعاون بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسلطات الحالية معلقاً. في ظل هذه الخلفية، من المرجح أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية خلال عام 2023: قد ترتفع تكاليف الغذاء والنقل أكثر، ومن المرجح أن تواجه الأدوية والطاقة والسلع المستوردة نقصاً.
ويلفت موقع "دبنقا السودان" إلى أنه أصبح الوضع الاقتصادي في السودان "قاتماً" حيث وصل معدل الفقر إلى 65 في المائة. وصف اقتصاديون إجراءات وزارة المالية بسياسات رفع الضرائب والرسوم (الجمركية) ورفع الدعم عن الغاز بـ"الكارثية". قام العديد من العمال باحتجاجات للمطالبة برفع الرواتب.
وأجبرت الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في السودان العديد من الأسر على شد الأحزمة حيث يواجه ما يقرب من ثلث السكان البالغ عددهم 45 مليون نسمة جوعاً حاداً. ويعيش حوالي 65 % من السكان تحت خط الفقر، وفقاً لتقرير عام 2020 الصادر عن الأمم المتحدة.
تنبع المشاكل الاقتصادية في البلاد من عقود من سوء الإدارة الحكومية، والنزاع المسلح، والعقوبات الدولية ضد حكومة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح به في أبريل/ نيسان 2019 بعد احتجاجات حاشدة ضد حكمه، وفق فرانس برس.
وتفاقمت الأزمة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عام 2021، والذي قلب الانتقال إلى الحكم المدني وأدى إلى خفض المساعدات الدولية الضرورية.