لا أعرف لمصلحة من يعمل صندوق النقد الدولي، هل لصالح شعوب دول العالم وعلى رأسها الدول المدينة والمثقلة بالديون كما يزعم بشكل متواصل، أم لصالح كبار مساهميه وفي المقدمة الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، أم لصالح حكومات الدول التي تستنجد به لانتشالها من الغرق والتعثر المالي، خاصة تلك التي تربطها علاقات قوية مع الإدارة الأميركية وكبار مساهمي الصندوق؟
وهل صحيح أن الصندوق لا يزال يعمل على تحقيق أهدافه الرئيسية والحيوية، وفي مقدمتها تعزيز التعاون النقدي الدولي، والحفاظ على الاستقرار المالي، وتسهيل التجارة الدولية، والحثّ على رفع معدلات التوظيف والنمو المستدام، وتقليص الفقر في مختلف أنحاء العالم، وتشجيع التوسع التجاري والنمو الاقتصادي، وتثبيط السياسات التي من شأنها الإضرار بالرخاء، ودعم استقرار أسواق الصرف؟
هدف صندوق النقد الأول هو إذلال شعوب الدول الفقيرة وتجويعها وإفقارها بالتعاون مع حكوماتها المستبدة، وإثارة الاضطرابات في الأسواق
أم أن هدف صندوق النقد الأول هو إذلال شعوب الدول الفقيرة وتجويعها وإفقارها بالتعاون مع حكوماتها المستبدة، وإثارة الاضطرابات في الأسواق بما فيها أسواق السلع والعملة كما يجري حاليا وعلى نطاق واسع، وهو ما يدفع ثمنه المواطن البسيط في النهاية؟
في الاحتمال الأول، نجد أن صندوق النقد يعادي الشعوب في الأغلب، بل وينصح الحكومات دوما بتطبيق سياسات تقشفية عنيفة بحق المواطن، وأكثر من يعاني من تلك الإجراءات التعسفية هم الفقراء.
فأولى نصائحه للدول التي تستنجد به هي زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه، ووقف الدعم الحكومي، وزيادة الرسوم الحكومية والضرائب، وقبلها زيادة رغيف الخبز وغيره من السلع الغذائية والتموينية.
ولدينا عشرات الأمثلة على ذلك، مصر وباكستان والأردن وسيرلانكا والأرجنتين واليونان وقبرص وجنوب أفريقيا وكولومبيا والأكوادور وأنغولا وغيرها من الدول التي استنجدت بالصندوق لإنقاذها من التعثر المالي.
كما يصر الصندوق على تعويم عملات الدول التي تلجأ إليه، وهو ما يساهم في زيادة معدل التضخم، وانتشار موجة غلاء غير مسبوقة في الأسواق تسفر عن تهاوي القدرة الشرائية للمواطن، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والجريمة.
وبالتالي فإن على مسؤولي الصندوق التوقف عن الزعم بأن تلك المؤسسة المالية، التي تأسست عام 1944 ضمن مؤتمر "بريتون وودز"، تعمل لصالح الطبقات المعدمة والمطحونة، بل تعمل لصالح الأثرياء والحكومات.
على مسؤولي الصندوق التوقف عن الزعم بأنه يعمل لصالح الطبقات المعدمة والمطحونة، بل تعمل لصالح الأثرياء والحكومات
أبرز مثال على ذلك ما حدث مع الكويت قبل أيام، فالنصيحة التي قدمها الصندوق لحكومة الكويت هي خفض فاتورة الرواتب والأجور في الموازنة العامة الجديدة، وفرض ضرائب، وذلك في معرض نصائحه عن تدابير إصلاح الإيرادات العامة بالدولة الخليجية الثرية، والتي قال إنه يُمكن أن تشمل فرض الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة وتوسيع ضريبة دخل الشركات لتشمل الشركات المحلية، كما يجب أن تركز تدابير الإنفاق العام على تقليص فاتورة الأجور والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة مع تحسين إجراءات دعم الدخل الموجهة.
هذه ليست النصيحة الأولى، فقد سبق أن حذر صندوق النقد الكويت، قبل سنوات، من مغبة زيادة رواتب الموظفين، معربا عن قلقه من زيادة الإنفاق لا سيما على الأجور، التي سيكون من الصعب تخطيها إذا ما أصبحت ضرورة حتمية وفق تقاريره.
وفي العام 2020، نصح صندوق النقد الدولة الخليجية بإصلاح فاتورة الأجور العامة الكبيرة وإلغاء الدعوم الحكومية والعمل على فرض الضرائب.
وحتى في أحسن الأحوال، يدعو صندوق النقد الدولي حكومة الكويت إلى ضبط زيادة الرواتب في القطاع العام، لتفادي أي مخاطر في حال انخفاض أسعار برميل النفط.
لماذا لا ينصح الصندوق حكومة الكويت مثلا بمواجهة الفساد المُنتشر بين المسؤولين الحكوميين ذوي المناصب العليا، وترشيد الإنفاق الحكومي العام ووقف الاسراف، ومقاومة الرشى في المصالح التابعة للدولة؟
لماذا لا ينصح الصندوق الكويت بمواجهة الفساد المُنتشر بين المسؤولين الحكوميين ذوي المناصب العليا، وترشيد الإنفاق الحكومي، ومقاومة الرشى في مصالح الدولة؟
لماذا النصيحة دوما تكون من نصيب صغار الموظفين والطبقات الفقيرة التي تعاني بشدة هذه الأيام جراء غلاء الأسعار الجامح، وفي المقدمة السلع الغذائية وإيجارات السكن؟
ولماذا هؤلاء وحدهم دون غيرهم هم من يدفعون كلفة نصائح صندوق النقد السامة وشروطه التي يفرضها على حكومات الدول التي تلهث وراء قروضه السهلة دون اختيار بدائل أخرى منها زيادة الإنتاج والحد من الاقتراض الخارجي والواردات غير الضررية، وحسن إدارة المال العام؟