ندرة المواد التموينية تحيي البيع المشروط في الجزائر

20 ديسمبر 2022
مواطنون يتبضعون من سوق رئيسي في العاصمة الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -

أدت ندرة بعض المواد التموينية في أسواق الجزائر، إلى تجدد ظاهرة البيع المشروط من قبل التجار، الذين يلزمون المستهلكين بشراء سلع بعينها مقابل صرف السلع المدعومة ومنها الحليب والخبز والطحين، بينما كانت هذه الممارسات قد توارت مؤخراً مع تنفس الاقتصاد الصعداء بتحسن عوائد تصدير النفط والغاز.

وأصبح التجار يستغلون الطوابير الطويلة الموجودة أمام محلاتهم لشراء السلع المدعومة حكومياً، من أجل تصريف بعض السلع الراكدة، أو التي تقترب صلاحيتها على الانتهاء.

ويقول المواطن مصطفى إسماعيل علي من العاصمة الجزائرية إنه "تفاجأ لدى ذهابه لشراء الحليب المدعم بصاحب المحل يبلغه أنه يتعين عليه شراء أي شيء آخر حتى يبيعه الحليب"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنه "اضطر بالفعل إلى شراء عبوة قهوة ذات وزن 250 غراماً بـ 300 دينار من أجل شراء كيسي حليب بـ 50 ديناراً فقط".

أما المواطن رياض عبازي، فإنه "اضطر إلى شراء عجائن، بقي أسبوع على انتهاء مدة صلاحيتها، مقابل شراء 4 أكياس من الحليب المدعم"، وبالرغم من انتقاده هذه الممارسات، فإنه اعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تغير الأنماط الاستهلاكية للكثير من الجزائريين في الفترة الأخيرة بسبب الغلاء تسبب في تكدس بعض السلع لدى التجار ما يدفعهم إلى البيع المشروط من أجل تصريفها.

وفي مقابل اتهام المواطنين للتجار بالجشع، عبر استغلال نقص السلع المدعمة لإجبار المستهلكين على شراء سلع محددة، فإن أصحاب متاجر قالوا إنهم اضطروا إلى هذه الممارسات التي فُرضت أيضاً عليهم من جانب تجار الجملة، كشراء كميات معتبرة من المواد الغذائية الثانوية كالشكولاتة والأجبان المستوردة، مقابل منحهم سلعاً رئيسية كالبقوليات والطحين.

ويقول محمد جوهري، تاجر من الضاحية الغربية في الجزائر العاصمة لـ"العربي الجديد" إن "تجار الجملة أصبحوا يلزمون تجار التجزئة بشراء سلع لا تدخل في قائمة ما يحتاجون إليه، وذلك يحصل معي أسبوعياً، إذ أضطر إلى شراء سلع مثل حلوى الأطفال المستوردة أو الشكولاتة المستوردة، مقابل شراء كيس من العدس ذي وزن 50 كيلوغراماً أو كيس من الفاصوليا البيضاء، مع العلم أن ما يفرضه علينا تجار الجملة نصنفه في خانة السلع مرتفعة الأسعار".

وأمام انتشار هذه الظاهرة، يشدد مسؤولون في القطاع التجاري على أنه حان الوقت لتدخل الدولة وأجهزتها لضبط الأسواق التي أصبحت تخضع لمنطق المضاربة والاحتكار وجشع بعض التجار.

ويقول عبد الغني برهاش، الناطق باسم الاتحاد الجزائري للتجار والحرفيين إنه "حان الوقت لكي تتدخل الدولة ووزارة التجارة، بتفعيل سلطة ضبط أخلاقيات مهنة التجارة من جهة، ومضاعفة عدد دوريات الرقابة في الأسواق".

ويضيف برهاش لـ"العربي الجديد" أن "المستهلك يجب أن تكون عنده ثقافة الإبلاغ عن وجود تجاوزات وما قد يساعده على ذلك هو استحداث رقم أخضر".

ويتابع أن "الاتحاد يتحرى التجار الذين يمارسون البيع المشروط، وقد جرى ضبط البعض، وسيتعرضون لغرامات مالية في البداية، قبل أن تتخذ في حقهم عقوبات أخرى".

وإذا كانت الاتهامات توجّه للتجار الذين فرضوا منطقهم على الجزائريين من خلال "البيع المشروط"، إلا أن المستهلك يتحمل جزءاً من المسؤولية، بالتزامه الصمت ووقوعه رهينة لسلوكه الاستهلاكي، وفق مصطفى زبدي رئيس جمعية حماية المستهلك، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "ما زاد في استفحال ظاهرة البيع المشروط مؤخراً هو انعدام ثقافة التبليغ، حيث يكتفي المواطن بالتذمر فقط".

بدوره، يؤكد الخبير في علم النفس الاستهلاكي زين الدين موهوب أن "ظاهرة البيع المشروط غير مفهومة، فالمواطن يفقد وعيه بمجرد دخوله المحلات التجارية، حيث يخضع لنمط استهلاكي غير متزن يجعله لا يتوقف أمام أي حاجز من أجل تلبية احتياجاته".

ويقول موهوب أن "البيع المشروط ظهر في الجزائر إبان الاقتصاد الاشتراكي ليختفي ويعود مجدداً، إلا أن في الماضي كانت هذه الظاهرة مفهومة بحكم أن الاقتصاد كان محتكراً من طرف القطاع العام، أما اليوم فالعرض أكبر من الطلب، ولا أفهم كيف للمواطن أن يضع نفسه رهينة لجشع التجار، وبإمكانه استبدال الحليب المدعم بحليب آخر مؤقتاً أو مقاطعة السلع التي يجري مقايضته بها".

ويضيف أن "الندرة والاحتكار والحيلة هي ثالوث يعجل بسقوط الزبون في شرك الباعة، فالمواطن عندما يرى أن الندرة أصابت سلعة ما يستهلكها يومياً، يضطرب ويصبح رهينة شرائها مهما كان الثمن".

المساهمون