موجة الإضرابات المعيشية تعصف بعواصم القرار الأوروبية

23 مارس 2023
من الحراك الباريسي الرافض رفعَ سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 (فرانس برس)
+ الخط -

من عاصمة قرار كبرى إلى أُخرى، تتنقل بحرّية سحابة الإضرابات الأوروبية احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية. من لندن إلى برلين فباريس، عشرات آلاف البشر تغصّ بهم الشوارع مطالبين بكبح تدهور المستوى الحياتي من خلال تحسين الرواتب وخفض الفواتير والأسعار.

في فرنسا، أغلق محتجون غاضبون من الرئيس إيمانويل ماكرون وخطته لرفع سن التقاعد طريق الوصول إلى مبنى المطار، يوم الخميس، وجلسوا على سكة قطارات واشتبكوا مع الشرطة وألقوا مقذوفات على مركز للشرطة في يوم من الاحتجاجات شمل جميع أنحاء فرنسا، حسب ما أوردت "رويترز".

وتصدت الشرطة بالغاز المسيل للدموع للمحتجين في مدينة نانت في غرب البلاد. وأظهرت لقطات لقناة "بي.إف.إم" التلفزيونية استخدام الشرطة مدافع المياه في مدينة رين. وفي الغرب أيضا في لوريان، قالت صحيفة "ويست فرانس" إن المقذوفات تسببت في حريق لفترة وجيزة في ساحة مركز للشرطة.

وتعرض مطار رواسي-شارل ديغول، على مشارف باريس، لتصرفات جانحة من عمال. وقرب تولوز في الجنوب الغربي، تسبب حرق أكوام أنقاض في منع حركة المرور على طريق سريع وتصاعدت سحب الدخان.

زعيم "الكونفيدرالية العامة للشغل" فيليبي مارتينيز قال، في بداية تجمع حاشد في باريس، إن "هناك كثيراً من الغضب والوضع متفجر"، داعيا زعماء النقابات العمالية إلى "التزام الهدوء"، لكنهم عبروا عن غضبهم مما وصفوه بتصريحات ماكرون "الاستفزازية".

وأظهرت استطلاعات للرأي منذ مدة طويلة أن غالبية الناخبين عارضوا تمديد سن التقاعد عامين إلى 64 عاما. وزاد غضب الناخبين بعد قرار الحكومة، الأسبوع الماضي، تمرير تعديلات التقاعد في البرلمان من دون إجراء تصويت، وبعد تعليقات لماكرون أدلى بها أمس الأربعاء.

واجتذبت الاحتجاجات ضد التغييرات، والتي شملت أيضا زيادة عدد سنوات العمل حتى يتمكن المواطن من الحصول على معاش التقاعد كاملا، حشودا ضخمة في تظاهرات نظمتها النقابات منذ يناير/كانون الثاني الفائت.

وتمثل أحدث موجة من الاحتجاجات أكبر تحد لسلطة الرئيس منذ احتجاجات "السترات الصفراء" قبل 4 أعوام.

احتجاجات مطالبة بزيادة الرواتب شلّت مرافق ألمانية

وفي ألمانيا، من المرتقب أن تشل حركة إضراب واسع قطاع النقل بدعوة من نقابات تصعد الضغط للحصول على زيادة الرواتب في مواجهة التضخم في البلاد.

ودعت نقابتا "فيردي" Ver.di و"إي في جي" EVG، في مؤتمر صحافي في برلين يوم الخميس، موظفي المطارات والسكك الحديد والنقل البحري وشركات الطرق السريعة والنقل المحلي إلى "يوم توقف كامل عن العمل" الاثنين المقبل.

ويندرج ذلك في إطار من التعبئة الاجتماعية القوية في أكبر اقتصاد أوروبي، حيث نظمت عدة إضرابات منذ مطلع العام في مختلف القطاعات، شملت مدارس ومستشفيات مرورا بالبريد وإدارات محلية، وفقا لوكالة "فرانس برس".

وتمثل "إي في جي" نحو 230 ألف موظف في شركات السكك الحديد، فيما تدافع "فيردي" عن موظفي الخدمات العامة، علما أن هذا التحرك المشترك بين النقابتين نادر جدا في ألمانيا، حيث تجرى المفاوضات حول الأجور على مراحل.

ويستثني الإضراب مطار برلين، الثالث في البلاد من حيث عدد الركاب بعد فرانكفورت وميونخ، بسبب التوصل إلى اتفاق بين الموظفين والإدارة.

ويأتي "الإضراب الكبير"، كما وصفته وسائل الإعلام الألمانية، في وقت ارتفعت الأسعار بشكل كبير منذ أكثر من سنة، مع تضخم بلغت نسبته 8.7% في فبراير/شباط، وهي تندرج ضمن فئة الدول التي تشهد أعلى معدلات تضخم في الاتحاد الأوروبي، فيما يطاول الإضراب منذ الأربعاء ميناء هامبورغ، الأكبر في ألمانيا.

وتطالب النقابتان بزيادات كبيرة في الأجور، هي على التوالي 10.5% لـ"فيردي" و12% لـ"إي في جي" للتعويض عن تداعيات التضخم. لكن هذه المطالب رفضها، خلال جلسات التفاوض في الأسابيع الأخيرة، ممثلو أصحاب العمل، وهم أساسا الدولة والبلديات.

من جهتها، تقترح الدولة والبلديات زيادة بنسبة 5% مع دفعتين وحيدتين بقيمة ألف و1500 يورو على التوالي في مايو/أيار 2023 ويناير/كانون الثاني 2024.

وتستأنف مفاوضات الأجور الأسبوع المقبل لكل فروع الخدمات. وبعد تهديد بـ"إضراب مفتوح"، نال موظفو البريد الألماني، الذين كانوا يتفاوضون على حدة في مطلع مارس/آذار، زيادة على متوسط الرواتب بنسبة 11.5%.

وفي نهاية 2022، نال نحو 4 ملايين موظف ألماني في قطاعات صناعية مهمة، مثل السيارات، زيادة على رواتبهم بلغت 8.5% على سنتين، بعد مفاوضات شهدت توقفا عن العمل لفترات.

وتتجاوز حركة الاحتجاج إطار الرواتب فقط. فالنقابات تشتكي أيضا من ظروف العمل المتدهورة في إطار من نقص اليد العاملة في البلاد.

انفراج بين حكومة بريطانيا وممثلي النقابات

وقبل نحو أسبوع، توصلت النقابات، التي تمثل أكثر من مليون عامل في مجال الرعاية الصحية في بريطانيا، إلى اتفاق لحل أشهر من الإضرابات من أجل زيادة الأجور.

وتضم هذه النقابات العاملين في مجال التمريض، والمسعفين، وجميع العاملين في الرعاية الصحية، باستثناء الأطباء، حسب ما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وجاء هذا في اليوم التالي لإعلان وزير الخزانة جيريمي هانت موازنة عامة لم تتضمن أي أموال إضافية للمجموعات العمالية التي نظمت إضرابات، وسط أزمة تكاليف معيشية قاسية وارتفاع معدلات التضخم.

وسبق ذلك ما كشفته تقارير إعلامية عن أن الحكومة بصدد التقدم بعرض لرفع أجور العاملين في القطاع الصحي لحل الأزمة التي أدت إلى إضراباتهم المتكررة، والتي استمر آخرها مدة 3 أيام.

وشملت خطة الحكومة دفعة مالية واحدة خلال العام المالي الجاري، إضافة إلى مراجعة لأجور العاملين في القطاع خلال العام المالي 2023-2024. ويأتي العرض بعد إحراز تقدم في المفاوضات بين الحكومة ونقابات تمثل الممرضين والممرضات وموظفي الإسعاف.

يذكر أن التضخم في بريطانيا بلغ أعلى مستوى له في 40 عاما عند 11.1% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن ينخفض في يناير/كانون الثاني إلى 10.1%.

المساهمون