موازنة مصر الملغومة.. ديون قياسية وأزمات معيشية

14 يونيو 2023
أزمة اقتصادية طاحنة رفعت معدلات الفقر والبطالة والغلاء (فرانس برس)
+ الخط -

أقر البرلمان المصري مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2023-2024، وسط سخط بين النواب من اليمين إلى أقصى اليسار، الداعمين للحكومة والمحسوبين على المعارضة. 

اعترض أعضاء مجلس النواب المصري، على استمرار الحكومة في تمويل الموازنة التي يبدأ العمل بها من أول يوليو/تموز المقبل من القروض والضرائب، وإسراف أدى إلى رفع المخصصات المالية إلى 4.3 تريليونات جنيه، تشمل مصروفات بنحو 2.9 تريليون جنيه، وسداد قروض وخدمات دين تصل إلى 1.3 تريليون جنيه. (الدولار يوازي 30.9 جنيهاً).

ورفض النواب اعتماد الحكومة على فرض مزيد من الضرائب في الموازنة الجديدة تأتي 71 في المائة منها من الطبقة العاملة، وقروض جديدة بقيمة 2.1 تريليون جنيه.

واتهم النواب الحكومة بتجهيز موازنة غير دستورية، تتجاهل الحد الأدنى من الصرف على التعليم والصحة والبحث العملي، بينما تنفق ببذخ على مشروعات يعتبرونها عديمة الجدوى تسبب فجوة تمويلية بقيمة 898 مليار جنيه، وتدفع إلى زيادة العجز النقدي بما يعادل 7.2 في المائة من الناتج المحلي، عدا فوائد سداد قروض، التي تمثل عبئاً على الموازنة بقيمة 1.1 تريليون جنيه.

نفقات غير واقعية

كما دعا نواب إلى سحب الثقة من الحكومة لفشلها في إدارة أزمة اقتصادية طاحنة رفعت معدلات الفقر والبطالة والغلاء، وسط توقعات بمزيد من التدهور في الجنيه، وبيع للأصول العامة لن تكفي لمواجهة أعباء الدين المتصاعد سنويا.

وكشف أعضاء مجلس النواب خلال المناقشات البرلمانية، عن وجود مصروفات في الموازنة، لجهات غير موجودة على أرض الواقع من بينها وزارة الإعلام، التي اختفت من التشكيل الوزاري منذ عامين، وما زالت وزارة المالية تخصص 6 ملايين جنيه، للصرف على مكتب الوزير الذي أجبر على الاستقالة.

وصف نواب مشروع الموازنة الجديدة التي يجري تطبيقها بعد نحو أسبوعين بأنه جاء تقليديا لمواجهة ظروف استثنائية، داعين إلى توقف الحكومة عن الاقتراض، بعد أن بلغت فوائد الدين العام في الموازنة نحو تريليون و120 مليار جنيه، لم تدبر الحكومة سوى 300 مليون جنيه منها لسداد الفوائد التي صعدت إلى معدلات مرتفعة خلال العام الماضي، وستواصل ارتفاعها على مدار الأشهر المقبلة، بسبب زيادة الفائدة على العملات الصعبة والجنيه.

وتضاعف الدين الخارجي بمعدل 4 مرات خلال 9 سنوات، ووصل إلى معدل قياسي بنهاية عام 2022، حيث بلغ 162.9 مليار دولار، بحسب البيانات الرسمية.

وأشار النواب إلى عدم وجود عدالة ضريبية حيث تعتمد الحكومة على تمويل الموازنة من ضريبة الدخل من الموظفين والعاملين بالمهن الحرة، تمثل 71 في المائة من إيرادات الموازنة، تقع على الفئات الأكثر تضررا من تدهور الجنيه وقيمة الدخل الحقيقي.

ووصف النائب أحمد شعبان عضو مجلس الشيوخ في حديث مع "العربي الجديد"، خطط الحكومة للموازنة والتنمية الاقتصادية، بأنها لم تلق موافقة من نواب المعارضة أو الداعمين للحكومة، لاعتمادها على تمويل إيراداتها بالمزيد من القروض والديون المحلية والدولية، مع تراجع في معدلات النمو والاستثمارات الموجهة للتنمية الصناعية والزراعية.

وأكد شعبان عدم دستورية الموازنة الجديدة، لأنها خلت من تحقيق الحد الأدنى لتمويل مشروعات التعليم والصحة والبحث العلمي.

وأشار شعبان إلى تكاتف النواب من كافة الأطياف السياسية في مجلسي الشيوخ والنواب على مطالبة الحكومة بوقف الاقتراض، وخاصة للمشروعات غير المربحة والتي يمكن تنفيذها على سنوات دون تحميل الميزانية المزيد من القروض العاجلة.

وأطلع شعبان "العربي الجديد" على تقرير اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، يتضمن 18 بندا، تطالب الحكومة الأخذ بها لوقف التدهور الاقتصادي الذي تمر به البلاد.

أوصى التقرير بإحياء النموذج التنموي القائم على استعادة دور الدولة لتعمل جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص، ووضع خطط اصلاح شاملة وتفصيلية، على المستوى التشريعي والإداري والمؤسسي لبيئة الاستثمار، وتسريع وتيرة الخدمات الالكترونية، للقضاء على البيروقراطية وتحقيق مبادئ الحوكمة والافصاح.

وطالبت اللجنة برفع نصيب الائتمان الممنوح للقطاع الخاص إلى 50 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، والحد من عملية الاسناد المباشر للشركات العامة والجهات الحكومية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز الشفافية في إدارة الدين العام، والإفصاح عن المعلومات بشكل كامل، بما يعزز الثقة في الأسواق المالية وجذب الاستثمار، وتحسين إدارة الدين العام، بما يضمن التحكم فيه وجدولته.

دعت اللجنة إلى سياسة الاعتماد على الذات في الإنتاج والتمويل والتشغيل والوفاء بالاستحقاق الدستوري في الانفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي.

طالب النواب بفرض المزيد من الرقابة على الصناديق الخاصة ومصروفات الهيئات الاقتصادية التي تتخطى 200 مليار جنيه، وتحمل الموازنة أعباء أكثر من عوائدها، عدا القروض التي تحصل عليها بضمانات حكومية.

ورفضت الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي، مشروع الموازنة وخطة التنمية التي قدمتها الحكومة، داعية إلى سحب الثقة من الحكومة، باعتبارها فشلت في حل المشاكل الاقتصادية وأغرقت البلاد بأزمات غير قادرة على الخروج منها.

اتهم حزب الإصلاح والتنمية، مشروع الموازنة بأنه يفتقد إلى الرؤية الكاملة، والالتفاف على الدستور، الذي يحتم توفير الحدود الدنيا للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي، بنسبة 4 في المائة من الناتج القومي، بينما نفقات الحكومة لم تتخط 1.5 في المائة.

كما وجهت اللجنة البرلمانية لحزب الوفد طلبا للحكومة بترشيد الانفاق وعدم إقامة أية مشروعات لا تدر عائدا، بعد أن أصبحت فوائد الديون تمتص 49 في المائة من إيرادات الموازنة العامة للدولة، وتوجيه المال العام لإقامة مشروعات بها فائض في الإنتاج، ومنها الكهرباء، بينما لا يجد المواطنون سلعا أساسية كاللحوم، التي تضاعفت أسعارها لندرة المعروض في الأسواق.

إجراءات واسعة

تتحصن الحكومة بتحالف أغلبية برلمانية، يضم عدة أحزاب، وتسمح الأغلبية التي تصوت آليا على طلبات الحكومة، بأن تزيد من ضبابية المشهد الاقتصادي الذي تعلق أسبابه على الظروف الدولية التي تسود العالم منذ 3 سنوات.

تسرد لجنة الخطة والموازنة في تقريرها المعروض أمام البرلمان، حول مشروع الموازنة العامة ومشروعات الهيئات العامة والحربية، نفس المبررات التي كررتها الحكومة وساقها مجلس الشيوخ في تقريره النهائي عن خطة 2023-2024، حول أسباب تصاعد الأزمة الاقتصادية، التي تمر بها البلاد.

ولفت التقرير إلى أن السنة المالية الجديدة، التي تبدأ بعد أسبوعين، يتزامن توقيتها مع ظروف اقتصادية شديدة التعقيد، وغير مواتية للدول النامية، متأثرة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وموجات تضخمية، وارتفاع أسعار الفائدة عالميا، وهجرة الأموال من الأسواق الناشئة.

تبين اللجنة أن استمرار التداعيات، يتطلب إعادة النظر في منظومة الدعم، والمنح والمزايا الاجتماعية، وإتاحة ما يخصها من اعتمادات مالية بالاحتياطات العامة، قبل بداية السنة المالية الجديدة.

دعت اللجنة الحد من الاقتراض والإدارة الجيدة لملف الدين العام، لحاجة الموازنة إلى الضبط والترشيد، في ظل زيادة أعباء الدين العام من فوائد وأقساط، وضبط الانفاق الحكومي الجاري والاستثماري، وتنمية موارد الدولة، لتغطية النفقات المتزايدة، خاصة المتعلقة بأعباء الدين الحكومي العام.

دعمت اللجنة الإجراءات المشددة التي تتخذها وزارة المالية في ملاحقة المستثمرين والشركات بالضرائب المتأخرة لصالح وزارة المالية، موصية بمتابعة حسابات المتأخرين لدى الجهات والبنوك والشركات، لضمان التزام تلك الجهات والأفراد بسداد حقوق الخزانة العامة، وهو إجراء يراه خبراء متعارضا مع قانون سرية الحسابات بالبنوك للأفراد والشركات، الذي يمنع الاطلاع عليها إلا بأمر قضائي أو صدور أحكام.

أشارت اللجنة إلى ضرورة إعادة هيكلة هيئة السكة الحديد، التي تستنزف موارد الدولة في خسائر مستمرة منذ سنوات، وإعادة تقييم المشروعات المدرجة بخطط الدولة، واعداد دراسات جدوى اقتصادية كاملة، تسبق تنفيذ تلك المشروعات الاستثمارية سواء كانت ممولة من الخزانة العامة أو القروض والمنح.
 

المساهمون