أثار عدم تضمين مشروع موازنة العراق للعام الجاري، أي مخصصات مالية للمناطق المدمرة نتيجة المعارك التي جرت فيها ضد تنظيم داعش الإرهابي وما تبعها من انتهاكات، انتقاد قوى سياسية عدة، حمّلت الحكومة مسؤولية ذلك، فيما هاجم مركز حقوقي عراقي الحكومة، بسبب عدم إنصافها هذه الشريحة المظلومة.
وبدأ البرلمان، أمس السبت، مناقشة موازنة 2021، والتي تجاوزت قيمتها 150 تريليون دينار عراقي (103.4 مليارات دولار) بعجز يصل إلى نحو 70 تريليون دينار (48.2 مليار دولار)، بما يعادل 46.6% من إجمالي الموازنة لأول مرة في تاريخ العراق.
وقال رئيس لجنة المهجرين، في البرلمان، رعد الدهلكي لـ"العربي الجديد"، إن "الموازنة لم تتضمن أي فقرة لإعادة النازحين، ما يدل على ضعف التخطيط وعدم اكتراث الحكومة بالمناطق المحررة وعدم سعيها لإعادة النازحين".
وأضاف الدهلي أن عدم وجود مخصصات لإعمار المناطق المدمرة في الموازنة "مخيب للأمل"، بينما " مخصصات انفجارية للمؤسسات والهيئات المستقلة". وتابع "سيكون لنا موقف واضح في البرلمان تجاه هذه الملفات، إذ لا يمكن إهمال حقوق واستحقاقات الشعب".
بدوره، قال النائب عن كتلة النهج الوطني، حسين العقابي، لـ"العربي الجديد"، إن "العجز المالي والأزمات السياسية وسوء إدارة الدولة، كلها ألقيت على كاهل المواطن الفقير، وعدم تضمين الموازنة مخصصات للمناطق المدمرة يعكس السياسة الحكومية غير الصحيحة"، مؤكدا أن "ذلك تسبب بخيبة الأمل، لدى أهالي تلك المناطق".
وأشار العقابي الى أن "هذا الظلم، نتيجة سيطرة الأجندات السياسية على الحكومة والبرلمان، والتي تعكس أزماتها على مصلحة الشعب"، مشددا على أن "قانون الموازنة يحتاج إلى بنود واضحة وصريحة لمعالجة أزمة تلك المناطق وإنصافها، وهذا من مسؤولية الجميع".
من جهته، انتقد مرصد أفاد، وهو مركز حقوقي عراقي معني بالقضايا الإنسانية في العراق، "عدم تضمين الموازنة الحالية أي فقرة تخص إعمار المناطق المحررة، الأمر الذي تسبب بخذلان وخيبة أمل كبيرة لدى سكان مدن شمال وغرب العراق المنكوبة".
وأفاد المرصد في تقرير له بأنه "لا توجد أي تعويضات في الموازنة للمواطنين المدمرة منازلهم ومتاجرهم ومصادر أرزاقهم، على الرغم من أن فقرات بالموازنة تضمن تعويض أخرى ضمنتها الحكومة لشرائح أخرى، وهي بالتأكيد أقل أهمية من الملف الإنساني والأخلاقي الأول في العراق".
وأضاف أن "الموازنة تتضمن تمييزاً واضحاً بين المناطق، وهو ما يجعل البرلمان متورطاً إلى جانب الحكومة في حال مرت من دون تخصيص أي مبالغ لتعويض المواطنين، وعلى الأقل الذين تم تصنيفهم ضمن الحالات الحرجة (بلا مأوى)".
ووفقا لبيانات وتقارير وزارة التخطيط العراقية، وصندوق إعادة الإعمار، وتقرير الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن العدد المسجل للوحدات السكنية التي تشمل المنازل المستقلة (الفيلا) والشقق والدور المشتركة داخل المجمعات السكنية، التي تدمرت بفعل العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية والقصف الجوي والصاروخي، 147 ألف وحدة موزعة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك، منها أكثر من 90 ألف وحدة تعرضت لدمار كامل أو شبه كامل لا يصلح ترميمه.
وأشار المرصد الى أنه تم أيضا تدمير 1415 مصنعا وورشة إنتاجية بشكل كامل و3893 بشكل جزئي أخرجها عن الخدمة، كما سجل تدمير وتضرر قرابة 65 ألف محل تجاري موزعة بين محلات مواد استهلاكية وإنشائية وبضائع غذائية وملابس ومواد منزلية، عدا عن خسائر تقدر بنحو 750 ألف هكتار زراعي مع المعدات الخاصة بالفلاحين.
ولفت المرصد الى أن "الملف الأهم هو عدد الشهداء الذين سقطوا جراء العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية، إذ نجحت الحكومات المتعاقبة في تحويله من ملف إنساني إلى سياسي، متعمدة عدم تقديم أي أرقام تتعلق بعدد الضحايا منذ عام 2014 ولغاية نهاية العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، مطلع يناير/كانون الثاني 2017.
وقال إن "استمرار مماطلة الحكومة للعام الرابع على التوالي في تضمين أي فقرات متعلقة بالتعويضات للمواطنين في مدن شمال وغرب العراق ووسطه ممن قتل أهاليهم، أو دمرت منازلهم ومصادر رزقهم، أو ممن أصيبوا بإعاقات تمنعهم من العمل، تمثل واحدة من أبرز أسباب استمرار الواقع المأساوي في تلك المناطق التي تشكل 48.7% من مساحة العراق الإجمالية ويقطنها نحو 15 مليون نسمة".
وأشار إلى أن هذا التجاهل يأتي "رغم تضمين مشروع الموازنة المقدم إلى البرلمان عدة فقرات تعويض تتعلق بدفع مستحقات الفلاحين في إقليم كردستان العراق ومحافظة ميسان، أو تعويض متضرري السيول".
وأكد أنه "من المعيب على البرلمان الموافقة على تمرير الموازنة، في الوقت الذي تتشرد آلاف الأسر وتعيش ظروفا قاسية بسبب تدمير منازلها وعدم إمكانية بناء ولو غرفة واحدة تؤويهم على أنقاضه".