من هنا يبدأ حل أزمة مصر الاقتصادية

05 ديسمبر 2021
لو زادت الاستثمارات ما رفعت الحكومة المصرية أسعار السلع الأساسية /فرانس برس
+ الخط -

مصر ليست في حاجة إلى قوانين وتشريعات جديدة لحلّ الأزمات التي تواجه الاقتصاد القومي والموازنة العامة وسوق العمل وغلاء الاسعار، وليست بحاجة إلى شهادات من مؤسسات مالية دولية تؤكد أنّ كل شيء على ما يرام، وأنّ مؤشرات الاقتصاد ومعدلات النمو في مصر هي الأفضل عالمياً.
بل هي بحاجة ملحة إلى تهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات، سواء المحلية أو الخارجية، وقبل ذلك إلى مصالحة مجتمعية تنهي حالة الانقسام داخل المجتمع منذ سنوات وتطمئن المستثمر وتدعم الاستقرار.
تشجيع الاستثمار هو المدخل الطبيعي لحلّ تلك الأزمات وغيرها، وخاصة مشاكل البطالة والفقر وتفاقم عجز الموازنة العامة وقفزات الدين العام، خصوصاً الخارجي، والحد من الواردات واحداث قفزة حقيقة في الصادرات وغيرها.

مصر بحاجة ملحة إلى تهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات، وإلى مصالحة مجتمعية تنهي حالة الانقسام داخل المجتمع وتطمئن المستثمر وتدعم الاستقرار

والبداية تكون بالقضاء على المنافسة غير العادلة التي يتعرض لها القطاع الخاص المولد الحقيقي لفرص العمل، والمحرك الأساسي لزيادة الإنتاج القابل للتصدير والمساهم في سد احتياجات الأسواق المحلية من السلع الضرورية.
والتشجيع بحاجة أيضا إلى تقليل التكاليف التي يتحملها المستثمر، سواء المتعلقة بالإنتاج، مثل الطاقة التي شهدت قفزات خلال السنوات الأخيرة خاصة الكهرباء والغاز الطبيعي، أو الضرائب والقيمة المضافة والتأمينات.

كذلك، نجد أن المستثمر في حاجة إلى أموال رخيصة تتطلب خفض سعر الفائدة داخل البنوك وسهولة الوصول إلى القروض المصرفية، وتقليل منسوب الفساد والبيروقراطية والتعقيدات الإدارية عند منح التراخيص وتخصيص الأراضي.

تشجيع الاستثمار هو المدخل الطبيعي لعلاج واحدة من أكبر مشاكل الاقتصاد المصري، وهي البطالة. 
فالقطاع الخاص، سواء المحلي أو الأجنبي، هو القادر على إقامة المجمعات الصناعية الحديثة والمشروعات الإنتاجية والفنادق السياحية وإعادة تأهيل آلاف المصانع المغلقة، والموانئ، ومشروعات توليد الكهرباء وغيرها.
وهو القادر على استيعاب الخريجين الجدد، وهو الذي يمتلك الإمكانات لتزويد العمالة بالخبرات والتدريب الحديث، وقبلها بالأجر المناسب والتأمين الطبي والتقاعدي. 
أما الحكومة، فقد توقفت عن استقبال العمالة الجديدة، ولديها خطة مع صندوق النقد الدولي بتقليص عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة عبر عدم استقبال خريجين وموظفين جدد، وبالتالي لا يجب الرهان عليها في حل أزمة البطالة على المدى البعيد والمتوسط، أما على المدى القصير، فقد تستوعب جزءاً من العمالة في المشروعات الكبرى التي تعمل عليها، ومنها العاصمة الإدارية الجديدة.

تشجيع الاستثمار، المحلي والأجنبي، المدخل الأمثل لعلاج أزمة عجز الموازنة العامة وزيادة الصادرات والحد من الواردات وتوفير فرص العمل لملايين الشباب

وتشجيع الاستثمار، المحلي والأجنبي، هو المدخل الأمثل لعلاج أزمة عجز الموازنة العامة. فعندما ينشط القطاع الخاص في المجتمع، وتدور عجلة الإنتاج، وتؤسَّس مشروعات جديدة وتزيد خطوط الإنتاج، هنا ترتفع الإيرادات الضريبة للدولة، سواء من القيمة المضافة أو ضريبة الأرباح الرأسمالية أو الجمارك أو الرسوم الحكومية وغيرها.
كذلك نجد أنّ تشجيع مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشروعات قطاع البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة يخفف العبء عن كاهل الموازنة العامة في تمويلها، وهو ما يتيح للحكومة توجيه هذه الموارد لخدمات أهم للمواطن مثل رغيف الخبز والتعليم والصحة وشبكات المياه والصرف الصحي والطرق والكباري.

وتشجيع الاستثمار هو المدخل لزيادة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي وعلاج عجز الميزان التجاري ودعم العملة المحلية واستقرار سوق الصرف.
فزيادة الإنتاج داخل الأسواق يترتب عنه ارتفاع فاتورة الصادرات، أهم مصدر للنقد الأجنبي في البلاد، والحدّ من فاتورة الواردات، وجذب الاستثمارات الأجنبية من الخارج للدخول في شراكة مع القطاع الخاص المصري.
وهذا يعني تدفق مزيد من السيولة الدولارية على مصر، وتوفير عشرات المليارات من الدولارات التي تُحوَّل إلى الخارج لسدّ فاتورة الواردات البالغة قيمتها نحو 41 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وقد تتجاوز 80 مليار دولار هذا العام مقابل صادرات تبلغ نحو 30 مليار دولار في المتوسط. 

القطاع الخاص يعاني بشدة، ومستثمرون كُثر أغلقوا مصانعهم وسرِّحوا العمالة بسبب تراجع الإيرادات والمنافسة غير العادلة

دعونا نعترف بأنّ القطاع الخاص المصري يعاني بشدة، وأنّ مستثمرين كُثراً أغلقوا مصانعهم وسرِّحوا العمالة بسبب تراجع الإيرادات والمنافسة غير العادلة التي يتعرضون لها والتي تحدث عنها كثيرون، وآخرهم الملياردير نجيب ساويرس.

وآخر دليل هو انكماش نشاط القطاع الخاص للشهر الثاني عشر على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حسب مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات الصادر اليوم الأحد.

والأرقام تشير إلى أنّ عدد المصانع المغلقة بسبب التعثر المالي والإداري يراوح ما بين 8 آلاف و 8.5 آلاف مصنع حسب أرقام لجنة الصناعة في مجلس النواب، وأنّه في حال إعادة تشغيل المصانع المتعثرة، فإنه يُوفَّر مليون فرصة عمل حسب بعض التقديرات. 
ولنا أن نتخيل حجم الخسائر التي ضاعت على الدولة بسبب استمرار أزمة المصانع المغلقة منذ سنوات دون حل والتي قدرها حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية في مصر، بنحو 560 مليار جنيه، أي ما يعادل 35.6 مليار دولار.

وبالتالي، إذا أرادت الحكومة حقاً علاج الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، فعليها الاهتمام أكثر بملف الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص ومنحه الحوافز المطلوبة كما يحدث في كل دول العالم، ولو أعطت الحكومة هذا الملف 10% من الوقت المخصص لملف الاقتراض الخارجي لوجدنا مصر في مكان آخر اقتصادياً.

لو اهتمت الحكومة بملف الاستثمار ما احتاجت إلى تعويم الجنيه، والحصول على قروض خارجية ضخمة، أو زيادة الأسعار وخفض الدعم

ولو اهتمت الحكومة بملف الاستثمار المباشر وتشجيع القطاع الخاص ما احتاجت إلى تعويم الجنيه، والحصول على قروض من صندوق النقد الدولي تجاوزت 20 مليار دولار منذ نوفمبر 2016، وما احتاجت إلى زيادة أسعار السلع الرئيسية، وخفض الدعم المقدم للوقود والكهرباء والمياه، وما رفعت كلفة المواصلات العامة والضرائب والرسوم وأنبوبة الغاز المنزلي والسكر والدقيق وغيرها من السلع التموينية.

المساهمون