من الصحراء إلى البحار.. الخليج يعيد رسم خريطة تجارة الغاز

07 اغسطس 2024
محطة للغاز الطبيعي في قطر، 12 يناير 2010 (Getty)
+ الخط -

على متن ناقلة الغاز الطبيعي المسال "الدقم" في ميناء صحار، كان المهندس العماني، سالم الحبسي، شاهداً على التحول الكبير الذي يشهده قطاع النقل البحري للغاز في منطقة الخليج، في إطار اتجاه سلطنة عمان للاستحواذ على 70 ناقلة غاز طبيعي مسال بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الطاقة والمعادن العمانية في إبريل/نيسان الماضي.

الحبسي، الذي يعمل في صناعة النقل البحري للغاز منذ 15 عاماً، شارك رؤيته لـ "العربي الجديد"، قائلاً: "صناعتنا شهدت تحولاً جذرياً خلال العقد الماضي. ففي عام 2010، كانت قطر تمتلك حوالي 45 ناقلة فقط. واليوم نتحدث عن أسطول يضم أكثر من 97 سفينة، مع خطط لتجاوز حاجز الـ 170 ناقلة بحلول عام 2027".

ويضيف الحبسي: "هذا النمو لا يعكس فقط طموحات قطر، بل يمثل اتجاهاً إقليمياً أوسع. فقد زادت عُمان من استثماراتهما في ناقلات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40% و30% على التوالي خلال العامين الماضيين".

ووفقاً لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي للغاز، في إبريل/نيسان الماضي، فإن شركة ناقلات القطرية تدير حالياً 69 سفينة وتشرف على إدارة 28 سفينة إضافية، مما يجعلها تمتلك أكبر أسطول لنقل الغاز المسال في العالم.

وفي سياق متصل، أفادت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" بأن دول الخليج، تتجه نحو توسعة أساطيلها بشكل ملحوظ في قطاع النقل البحري للغاز، مشيرة إلى أن قطر تخطط للتعاقد على بناء أكثر من 100 سفينة في السنوات القادمة، ما سيعزز سيطرتها على نحو 10% من تجارة الغاز العالمية المنقول بحراً. 

وأكدت المصادر أن هذا التوجه يمتد ليشمل دولاً خليجية أخرى مثل عمان والإمارات والسعودية، التي تتطلع إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي والتحول إلى مصدرين رئيسيين له.

ارتفاع الطلب على الغاز

وتأتي هذه التطورات في ظل توقعات بارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال، فوفقاً لتقرير صادر عن شركة إكسون موبيل، في يناير/كانون الثاني الماضي، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز المسال إلى 480 مليون طن سنوياً خلال العشرين عاماً المقبلة، وذلك في سياق الجهود العالمية للتحول نحو مصادر طاقة أقل تلوثاً، حيث يُعتبر الغاز الطبيعي المسال خياراً أكثر صداقة للبيئة مقارنة بالنفط.

ويشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن قطاع النقل البحري للغاز في دول الخليج يتجه نحو توسعة أساطيله بشكل ملحوظ، خاصة دولة قطر، التي تُعد الرائدة في هذا المجال، حيث تمتلك شركة ناقلات القطرية أكبر أسطول لنقل الغاز المسال في العالم.

ويضيف الشوبكي أن صناعة نقل الغاز القطرية تشهد نموًا متسارعًا، إذ تدير الشركة حاليًا 69 سفينة وتشرف على إدارة 28 سفينة إضافية، مشيرا إلى خطط قطر للتعاقد على بناء أكثر من 100 سفينة في السنوات القادمة، ما يعزز سيطرتها على نحو 10% من تجارة الغاز العالمية المنقول بحرًا.

ويمتد هذا التوجه ليشمل دول الخليج الأخرى، بحسب الشوبكي، موضحا أن عمان والإمارات والسعودية تتطلع إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي والتحول إلى مصدرين رئيسيين له، بهدف زيادة القيمة المضافة لصناعات الغاز الطبيعي والغاز البترولي في المنطقة.

وتسعى دول الخليج للحصول على حصة أكبر في السوق العالمية لتوريد الغاز المسال، وفقًا لتحليل الشوبكي، الذي يؤكد إدراك هذه الدول لأهمية الغاز الطبيعي في المرحلة الانتقالية نحو تصفير الانبعاثات الكربونية، تماشيًا مع تطلعات مؤتمرات المناخ العالمية.

لكن منطقة الخليج تواجه تحديًا في الموازنة بين انخفاض الطلب العالمي على النفط وضرورة تنويع مصادر الدخل، بحسب الشوبكي، الذي لفت إلى أن دول المنطقة تسعى لتعويض مداخيلها من خلال التركيز على إنتاج الغاز، الذي يتوقع أن تزداد أهميته في المستقبل.

ويخلص الشوبكي إلى أن التوسع في امتلاك سفن نقل الغاز يهدف إلى تعظيم القيمة المضافة من إنتاج هذه المادة الحيوية، في إطار توجه يتضح جليًا في المنطقة عبر تعزيز الأساطيل البحرية.

الوسيلة الوحيدة 

ويشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الغاز الطبيعي المسال (LNG) لا يمكن نقله عبر خطوط الأنابيب كما هو الحال مع الغاز الطبيعي والنفط، ولذا فإن السفن المخصصة لهذا الغرض هي الوسيلة الوحيدة لنقله إلى المستوردين والمشترين.

ويشير إسماعيل إلى أن الهدف الرئيسي من استخدام هذه الناقلات هو تعزيز وتطوير القدرات اللوجستية للدول المصدرة لضمان وصول الإمدادات إلى الأسواق العالمية، مضيفا أن ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال يدفع الدول المنتجة والمصدرة، مثل قطر والإمارات وسلطنة عمان، إلى الاستحواذ على المزيد من هذه الناقلات، في ظل دورها الحيوي في تلبية الطلب العالمي.

وبحسب تقديرات شركة إكسون موبيل، عملاق الطاقة الأميركي، فإن الطلب العالمي على الغاز المسال سيرتفع إلى 480 مليون طن سنويًا خلال العشرين عامًا المقبلة، ما يعني تزايد أهمية الغاز الطبيعي المسال مصدر طاقة أقل تلوثًا من النفط وصديقاً للبيئة، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى تقديرات لشركة شل تشير إلى ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال بنسبة تزيد عن 50% بحلول عام 2040.

وفي ضوء هذه التوقعات، يقرأ إسماعيل استثمار قطر في شراء عدد كبير من الناقلات، حيث وقعت عقودًا متعددة مع شركات كورية لشراء 18 ناقلة بسعة 271 ألف متر مكعب. وفي السياق ذاته، يلفت إسماعيل إلى أن سلطنة عمان تسعى للاستحواذ على 70 ناقلة، بينما وقعت شركة أدنوك الإماراتية عقودًا مع شركتي سامسونغ للصناعات الثقيلة وهانوا أوشين الكوريتين في أوائل يوليو/تموز لشراء 22 ناقلة غاز طبيعي مسال.

لكن إسماعيل يلفت الانتباه، في الوقت ذاته، إلى المخاطر المرتبطة بهذا القطاع، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة في البحر الأحمر واحتمال إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، محذرا من العواقب السلبية المحتملة لهذه التوترات على اقتصادات الدول المعنية وأسعار الشحن والاقتصاد العالمي بشكل عام.