منطقة تجارة حرة بين أوروبا وميركوسور بعد مفاوضات 25 عاماً

11 ديسمبر 2024
خلال قمة ميركوسور في الباراغواي، 8 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توصل الاتحاد الأوروبي وميركوسور إلى اتفاقية تجارة حرة بعد 25 عامًا من المفاوضات، تهدف إلى تعزيز التجارة وتوفير فرص عمل من خلال تخفيض الرسوم الجمركية وتبسيط الإجراءات.
- من المتوقع أن تحقق الاتفاقية فوائد اقتصادية كبيرة، خاصة لألمانيا، من خلال تعزيز صادرات السيارات والمنتجات الغذائية، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة والصين، رغم أن النمو الاقتصادي الإجمالي قد يكون محدودًا.
- تواجه الاتفاقية تحديات مثل تأثيرها على المزارعين الأوروبيين والمعايير البيئية في دول ميركوسور، مع ضرورة دراسة نصوص الاتفاقية قانونيًا قبل التصويت عليها.

توصل الاتحاد الأوروبي، بعد مفاوضات استمرت لمدة 25 عاماً تقريباً، إلى اتفاق مع تحالف دول ميركوسور في أميركا الجنوبية، على إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، بأكثر من 700 مليون نسمة، على الرغم من كل الهواجس في دول مثل فرنسا وإيطاليا وبولندا والنمسا. فماذا تعني هذه الاتفاقية لدول الاتحاد؟  

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، نهاية الأسبوع الماضي، بعد جولة أخيرة من المحادثات مع كبار ممثلي دول ميركوسور الأربعة: البرازيل، والأرجنتين، والبارغواي، والأورغواي من مونتيفيديو، عاصمة الأخيرة، أن الاتفاق "يعد انتصاراً لأوروبا"، وسيعمل لصالح الأفراد والشركات التي ستستفيد من الرسوم الجمركية المخفضة والإجراءات البسيطة، وبالتالي تعزيز التجارة، وسيخلق المزيد من فرص العمل والمزيد من الخيارات والازدهار.  

وفي وقت مارست ألمانيا خلال الفترة الأخيرة ضغوطاً لإتمام المفاوضات نهائياً وتقديم نص الاتفاقية إلى الاتحاد الأوروبي للتصويت عليه، ومن منطلق أن برلين تعتمد على حقيقة أن الجزء الخاص بالسياسة التجارية يمكن تحديده بأغلبية الأصوات في مجلس الدول الأعضاء، وعندها لن يكون للدول الأعضاء إلا الحق في الاعتراض على الاتفاقيات المزمعة بشأن الحوار السياسي والتعاون. ومع ذلك، فإن تقسيم العقد بهذه الطريقة قد يشكل مخاطر قانونية.  

قال الباحث في الشؤون الأوروبية كاي مورشلات لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاقية ستحقق أهدافاً اقتصادية لأوروبا، وبالأخص لألمانيا، بالاستفادة من المزايا التي ستعود على الصناعة المحلية، وأهمها تعزيز قطاع صناعة السيارات، مع تمتعها بإمكانات واضحة لزيادة الصادرات إلى أميركا الجنوبية. مشيراً إلى أنه مثلاً تم تصدير 20.700 سيارة فقط من ألمانيا إلى الأرجنتين والبرازيل في عام 2023 بأكمله، ودفعت ما مجموعه 35% على صادرات السيارات إلى دول ميركوسور. كذلك، سينتعش قطاع مصنعي المواد الغذائية والنبيذ والمشروبات التي تدفع ما بين 20% إلى 35% رسوماً جمركية.  

ومن المعلوم، أنه يعيش أكثر من 260 مليون شخص في هذه الدول الأربع، ويشكلون معاً خامس أكبر منطقة اقتصادية في العالم، ويبلغ الناتج المحلي السنوي 2.2 تريليون يورو.  

أهمية التعاون مع ميركوسور

وفي هذا الصدد، توصل المعهد الاقتصادي الألماني، وبعد احتساب الأرقام باستخدام مشروع تحليل التجارة العالمية (جي تي إيه بي)، إلى استنتاج مفاده أن التأثيرات الاقتصادية الإجمالية من المرجح أن تكون صغيرة إلى حد ما. وفي الاتحاد الأوروبي يمكن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6% فقط بين أعوام 2024 و2040، أي بما يعادل 11.3 مليار دولار أميركي. وستكون البرازيل المستفيد الأكبر، وسينمو الناتج المحلي لديها بنسبة 0.46%، وبما يوازي 9.3 مليارات دولار.  

ومن جهة ثانية، وبحسب مورشلات، فسيكون هناك مكسب استراتيجي لدول التكتل، إذ ستصبح أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة والصين. فاتفاقية التجارة الحرة مع تحالف ميركوسور تشكل رسالة إلى الرئيس الأميركي المستقبلي دونالد ترامب، وخطوة مهمة في المنافسة مع الصين. لكن يبقى الأهم كيفية تطبيقها بفعالية لإنعاش الاقتصادات على المدى الطويل، لأنها ستعوض إغلاق الأسواق الأميركية بفعل التعريفات الجديدة المرتقبة والحواجز التجارية الأخرى. والأهم أن الاتفاق قطع الطريق على هذه الدول للتوجه اقتصادياً وبشكل أكبر نحو الصين، مع تشديده على أهمية السعي لإقامة علاقات تجارية أفضل مع مناطق أخرى من العالم.  

وعلى المقلب الآخر، ومع تشكيك دول مثل بولندا والنمسا في الاتفاقية، وقول وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية صوفي بريماس من باريس إن ما حصل ليس توقيعاً على الاتفاق، بل مجرد خاتمة سياسية للمفاوضات، وهذا يلزم المفوضية فقط وليس الدول الأعضاء، واعتبار رئيسة الوزراء الإيطالية في وقت سابق أن شروط الاتفاق غير مستوفاة حالياً، برزت الخشية لدى المزارعين الأوروبيين من اضطرارهم إلى خوض حرب أسعار لا ترحم مستقبلاً، في ظل المنافسة الرخيصة من دول أميركا الجنوبية.

وبالتالي، فإن اتفاقية ميركوسور ستكون على حساب تراجع إنتاجهم، فضلاً عن ارتفاع حصص استيراد لحوم البقر. وهذا ما سيؤثر أيضاً على قطاع اللحوم المصنعة والدواجن والبيئة والمناخ، لأن المعايير البيئية في هذه الدول الأربع منخفضة.  

في المقابل، تجد ألمانيا أن الفوائد الاقتصادية الإجمالية تفوق السلبيات بشكل واضح، ووسط تأكيدات على أنه سيسمح فقط باستيراد المنتجات التي تتوافق مع اللوائح الأوروبية الشاملة مع قواعد الاتحاد الأوروبي. ناهيك عن أن الشركات الأوروبية ستوفر مليارات من اليورو من الرسوم الجمركية كل عام. ويمكن أن تستفيد إجمالي 60.500 شركة أوروبية من اتفاقيات التجارة الحرة المخطط لها. تم العام الماضي تصدير بضائع بقيمة 56 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي إلى دول ميركوسور الأربع، فيما بلغ حجم الصادرات من الجهة المعاكسة حوالي 54 مليار يورو.  

إلى ذلك، وبخصوص آليات حماية لما يسمى بالمنتجات الزراعية الحساسة، كلحوم الأبقار مثلاً، فإن حجم الواردات سيقتصر فقط على 99 ألف طن، وبمعدل تعرفة رسوم بنسبة 7.5%. لكن المزارعين الأوروبيين يعتبرون أن هذا المعدل للتعرفة الجمركية المنخفضة سيغطي حوالي نصف جميع واردات لحوم البقر الحالية إلى الاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بعيوب استخدام المبيدات الحشرية، أوضحت وزارة الاقتصاد الألمانية أن جميع الواردات يجب أن تستمر في الامتثال للمتطلبات القانونية، وبأن تتوافق المنتجات مع لوائح الاستيراد في الاتحاد الأوروبي.  

تجدر الإشارة إلى أنه ومع الانتهاء من المفاوضات، لا يزال يتعين دراسة نصوص الاتفاقية قانونياً وترجمتها إلى لغات الدول المتعاقدة. كما يتعين على المفوضية الأوروبية بعد ذلك اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم تقديمها إلى الدول الأعضاء للتصويت عليها ككل أو تقسيمها إلى جزءين، لا سيما وأن الاتفاقية لا تحتوي على اتفاقيات تجارية فحسب، بل تتضمن أيضاً اتفاقيات حول الحوار السياسي والتعاون، لتستتبع بموافقة البرلمان الأوروبي عليها. والتقديرات تشير إلى أن تنتهي كافة المعالجات قبل النصف الثاني من عام 2025 على أبعد تقدير.

المساهمون