ينظر اللبنانيون بخشيةٍ إلى العمليات العسكرية الآخذة في التصاعد في منطقة البحر الأحمر، وتعليق شركات شحنٍ عالمية مرورها في قناة السويس المصرية، بما يؤثر في سلامة الملاحة وأمنها، وينعكس سلباً على تجارة لبنان الخارجية.
وتفتح الأزمات شهيّة التجار في لبنان، الذين يسارعون إلى احتكار البضائع والتلاعب في أسعارها عشوائياً واستنزاف المستهلك، بذرائع مختلفة، مستغلين عدم قدرة الأجهزة المعنية على فرض رقابتها المشددة والشاملة على السوق.
ويشكو اللبنانيون منذ بدء المعارك على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غداة عملية "طوفان الأقصى" من ارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وزيادة كبيرة في بدلات إيجار الشقق السكنية، ولا سيما في مناطق الجنوب الآمنة، التي يلجأ إليه النازحون من القرى الحدودية الساخنة للإقامة، والذين فاق عددهم سبعين ألف شخص.
يقول مصدرٌ في وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان لـ"العربي الجديد"، إن "أسعار السلع لا تزال مضبوطة، وكل المواد متوافرة في السوق، لا انقطاع فيها، وشركات الاستيراد تحاول تأمين البضائع وتلبية حاجة السوق لشهر رمضان المبارك، والأجهزة المعنية في الوزارة تقوم بدورها الرقابي رغم الإمكانات الضئيلة".
لكن المصدر يشير إلى أن "الأسعار قد تشهد ارتفاعاً في الفترة المقبلة، منها المحروقات، وذلك نتيجة زيادة كلفة النقل والتأمين والمدة التي بات النقل يستغرقها، وأصبحت أطول بفعل الأحداث وتغيّر الوجهات ومسار الرحلات، ولكن بنسبة معينة، وسنكون بالمرصاد لكل من يحاول استغلال الأزمات ويزيد من معاناة المواطنين".
في سياق متصل، طمأن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، في بيان، إلى أن "لبنان لن يعاني من انقطاع في البضائع المستوردة جراء تسارع التطورات في منطقة البحر الأحمر، لكن قد يشهد تأخراً في وصولها إلى البلد، لأن طريق السفن طالت وأضحت تتطلب زيادة بين 15 و20 يوماً على الموعد المعتاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نقص مرحلي للبضائع إلى حين وصول البضائع الجديدة".
وقال بحصلي: "منذ بداية الأحداث، أكدنا أن موضوع النقل البحري حسّاس وخطير ويجب متابعته، ولا سيما أن ارتفاع كلفة الشحن بين 100% و150% والارتفاع في أسعار التأمين سيؤديان إلى ارتفاع في الأسعار يراوح بين 5% و15% بحسب نوع المنتج".
وأضاف: "إلى جانب ارتفاع الأسعار، يعاني المستوردون من تزامن هذه المشكلة مع موعد شهر رمضان المبارك (يحلّ في مارس/ آذار)، حيث يطلبون كميات كبيرة لكي تصل في الوقت المحدد، علماً أن البضائع التي كان من المفروض أن تصل بداية شهر الصوم قد تتأخر، وهذا ما قد يؤثر سلباً على التاجر لجهة تصريف البضائع الموسمية في الوقت المحدد لها".
من ناحيته، أشار نائب رئيس غرفة زحلة والبقاع، منير التيني، في بيان، إلى "تأثر الصادرات بشكل سلبي وكبير من جراء الأحداث في البحر الأحمر"، لافتاً إلى أجواء من البلبلة والقلق بدأت تسود بين التجار والمصدّرين بسبب الواقع المستجدّ.
وتحدث التيني عن انخفاض في الصادرات اللبنانية، ولا سيما المملكة النباتية والمنتجات الزراعية والغذائية، مشيراً إلى أنه بعدما اتخذت شركات الملاحة العالمية أخيراً قراراً بعدم المرور بباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، في ظل أجواء عدم الاستقرار، أصبح على الصادرات اللبنانية أن تقطع مسافات أطول للوصول إلى الأسواق الخارجية، ما أدى إلى رفع تكاليف الشحن بشكل كبير.
وأضاف: "المشكلة لا تنحصر فقط في ارتفاع تكاليف الشحن، بل أيضاً تكمن في أن دورة حياة بعض المنتجات المصدّرة قصيرة، كالمنتجات الزراعية والحمضيات، الأمر الذي يسبب تلفها نتيجة وقت الشحن الطويل الذي تستغرقه".
ولفت التيني إلى أن "الصادرات اللبنانية كانت تمرّ في السنوات السابقة من طريق البرّ إلى الخليج، من سورية إلى الأردن، ومن ثم إلى السعودية، حيث توزع المنتجات المصدّرة من هناك إلى أسواق العالم العربي من طريق البرّ، إلا أنه بعد حظر دخول الإنتاج اللبناني إلى الأسواق السعودية، سلكت البضائع اللبنانية طريق الشحن عبر المستوعبات إلى الأسواق الخليجية، وتحديداً إلى ميناء جبل علي".
ويقول رئيس جمعية المزارعين، أنطوان الحويك لـ"العربي الجديد"، إن الأضرار حالياً محصورة في قطاع الحمضيات، باعتبار أن لا فائض إنتاج قوياً للتصدير إلا بهذه المادة، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي حتماً إلى انخفاض بأسعار الحمضيات، لأننا سنشهد كمية كبيرة في السوق اللبناني، كان يفترض بها أن تصدّر إلى الخارج، وسيصبح العرض أكثر من الطلب.
ويلفت إلى أن هناك صادرات تفاح تذهب إلى مصر عبر البحر، هذه لم تتأثر حتى الساعة، كذلك الأمر بالنسبة إلى صادرات الموز التي تذهب براً إلى سورية. أما على صعيد البطاطا، فلم يحصل هذا الفائض الكبير في الإنتاج للتصدير.
وفي وقتٍ يشير الحويك إلى أن الخطّ البرّي موجودٌ، لكن أكثر كلفة، خصوصاً بوجود عائق الحظر السعودي، لكن حتى اللحظة لا يمكن القول إننا في كارثة، باعتبار أن لبنان في هذه الفترة ليس لديه فائض بالإنتاج للتصدير.
من جهته، يقول نائب رئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة والرئيس السابق لغرفة الملاحة الدولية إيلي زخور لـ"العربي الجديد"، إنه نتيجة الأحداث العسكرية، ارتفعت أجور الشحن، ورسوم التأمين على الحرب، والمستهلك اللبناني سيدفع الثمن، وسيكون أكبر المتضرّرين، إلى جانب المصدّر اللبناني، سواء الصناعي أو المنتجات الزراعية.
ويلفت زخور إلى أن لبنان بلد مستورد بامتياز، إذ يستورد نحو 19 مليار دولار في السنة، بينما لا يصدّر سوى 3 مليارات دولار سنوياً، ومن المعروف أن الصين هي الشريك الأول للبنان في التجارة الخارجية، على مستوى المواد الاستهلاكية، إلى جانب الهند، والبلدان ضمن آسيا، وبالتالي، بضائعهما تمرّ في قناة السويس.
كذلك يشير زخور إلى أن 90% من الصادرات تذهب إلى دول الخليج، والإمارات من أكبر الشركاء للبنان في التجارة الخارجية، وهي تستورد حوالى 800 مليون دولار، وأكثر من 21% من صادرات لبنان تذهب إلى الإمارات ثم الأردن وكذلك قطر والبحرين وغيرها، وكلها تمرّ من قناة السويس.
ويلفت نائب رئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة، الرئيس السابق لغرفة الملاحة الدولية، إلى أن لبنان يؤمن وارداته وصادراته من البلدان السابق ذكرها وإليها، سواء في الخليج، أو آسيا، بواسطة خطوط شحن بحرية عالمية منتظمة بسفن الحاويات وناقلات النفط والغاز، وذلك عبر المرور في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.
بيد أن الهجمات التي شنّها الحوثيون والعمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وفاقمت الأزمة، عرّضت سلامة الملاحة للخطر، سواء في البحر الأحمر وقناة السويس، ودفعت شركات الشحن العالمية إلى إعلان تجنّب مرور سفنها وناقلاتها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، مروراً بقناة السويس، في الوقت الراهن، وبالتالي بات المسار محوّلاً إلى أفريقيا ورأس الرجاء الصالح للوصول إلى المتوسط وأوروبا وأميركا "الأطلسية".
هذه التطورات أدت حتماً إلى زيادة في عدد أيام الرحلات، فبينما كانت تحتاج إلى 24 ساعة للمرور عبر قناة السويس، أصبحت تحتاج إلى ما لا يقلّ عن 10 أيام للمرور بالمسار الجديد، وفق زخور، ما يعني مصروف وقود أكبر، وارتفاعاً في الكلفة الإجمالية للرحلة، وارتفاعاً تلقائياً لأسعار السلع والبضائع المستوردة.
هذا عالمياً، وليس فقط لبنانياً، كذلك سيلحق هذا التأخير ضرراً واضطراباً في سلاسل التوريد والشحن والإمداد العالمية، وسيعرّض المواد الزراعية التي لا تحتمل التأخير للتلف، باعتبار أنها كانت تحتاج إلى 7 أيام مثلاً للوصول إلى الخليج العربي بالباخرة، وأصبحت أيام الرحلات تتخطى الـ17 يوماً.
وفي وقتٍ يعتبر زخور أن ما يحصل اليوم أظهر أنه لا يمكن الاستغناء عن قناة السويس، وهي ممرّ طبيعي وجيد جداً لحوالى 13 في المائة من التجارة العالمية، يرى أن الحل في لبنان لتدارك العديد من الأزمات، الانتقال إلى طريق البرّ، وهذا يتطلب من الحكومة اللبنانية أن تتواصل مباشرة مع السلطات السورية لتخفيض رسوم الترانزيت، وإجراء محادثات مع السعودية، لفك الحظر، والسماح بمرور المنتجات الصناعية والزراعية على أراضيها، وصولاً إلى الخليج العربي.