اعتمد النظام السوري خلال السنوات الأخيرة على القمح الروسي بشكل كبير، وبات يستورد ما يقرب من المليون ونصف المليون طن سنوياً وخاصة بعد خروج الأراضي الزراعية الواقعة في منطقة الجزيرة السورية، التي يزرع فيها أكثر من 60% من قمح البلاد، عن سيطرته لصالح "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، إضافة إلى أجزاء أخرى من محافظتي إدلب وحلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة.
وسيضع إعلان روسيا وقف تصدير القمح حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل حكومة النظام السوري في مأزق حقيقي، إذ كانت تستورد سنوياً نحو نصف حاجتها من روسيا وشبه جزيرة القرم، تضاف إلى ذلك العقوبات الأميركية وأزمة الجفاف التي شهدتها البلاد خلال الموسم الفائت وتبعات فيروس كورونا الجديد.
ويقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة عبد الحكيم المصري، لـ"العربي الجديد"، إن التأثير الأكبر لوقف تصدير القمح الروسي سينعكس على السكان في مناطق سيطرة النظام السوري بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام في الأساس، وشح السيولة المالية التي لن تمكّنه من إيجاد بدائل أخرى، وتموضع معظم مصادر زراعة القمح السوري خارج سيطرته، ووقوعها تحت سيطرة القوات الكردية شمال شرقي البلاد.
ويوضح أن هذا القرار قد يحدث أزمة مجاعة في تلك المناطق التي يقطنها العدد الأكبر من السوريين بسبب نقص دقيق القمح المستخدم في صناعة الخبز، لكن تأثيره سيكون أقل في مناطق سيطرة المعارضة والقوات الكردية شمالي وشمال شرقي البلاد، بحسب رأيه، لأن هذه المناطق تعتمد بشكل كبير على ما تنتجه الأراضي الخاضعة لسيطرتها والمساعدات الإنسانية والمنح المقدّمة من المنظمات الإنسانية التي تحوي في الغالب مخصصات من الدقيق.
بدوره، توقّع الباحث في مركز جسور للدراسات خالد التركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تشهد أسعار القمح في الشمال السوري ارتفاعاً بسبب هذا القرار، وخاصة في مناطق سيطرة القوات الكردية التي قد تصدّر الفائض عن حاجتها للنظام، لكنه أشار إلى أن روسيا قد تستثني النظام من هذا الحظر بسبب قربه من موسكو وعدم وجود مانع من تصديره إليه.
وأكّد أن النظام السوري يستورد القمح عادة عبر التجار من رومانيا وبلغاريا أيضاً، وهذا لن يشكل عائقاً كبيراً في إيجاد المادة، لكن المشكلة الأكبر تتمثّل بتأمين السيولة المالية، التي قد تؤثر حتى على المنظمات الإنسانية العاملة في سورية، إن لم تكن قد وضعت في حسبانها ارتفاع أسعار القمح والدقيق في الأسواق العالمية.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قال المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب عبد اللطيف الأمين، في تصريح لوكالة "سانا" الرسمية، إن العمل مستمر في كل مفاصل المؤسسة، وخاصة المطاحن والصوامع، لضمان تأمين مادة القمح والطحين من دون انقطاع، مشيراً إلى وجود مخزون كاف من مادة القمح يكفي الاحتياجات الطحينية لغاية الشهر السابع، حيث لا تزال عملية توريد الأقماح مستمرة عبر تنفيذ العقد مع الجانب الروسي المتضمن استيراد مليون طن تم تنفيذ أكثر من 600 ألف طن منها.
وأعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل عن انخفاض في حجم القمح المزروع من مليونين إلى 400 ألف طن سنوياً، الأمر الذي يضطرهم إلى شراء ما يقارب مليوناً ونصف مليون طن من القمح لتغطية حاجة السوق المحلية، لافتاً إلى أن حكومته تستورد شهرياً، بالعملة الصعبة، أكثر من 180 ألف طن من القمح.
وأطلق رئيس النظام على العام 2021 عام القمح، في إشارة إلى دعم هذه الزراعة والعودة بسورية إلى سابق عهدها، حيث كانت تنتج أربعة ملايين طن من القمح في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، لكن الجفاف أثّر على الإنتاج الزراعي وتأثّرت منطقة الجزيرة السورية حيث لم يزد إنتاجها عن 850 ألف طن، وما فاقم المشكلة إحجام كثير من التجار عن الاستمرار في استيراد القمح الروسي الذي يبلغ سعر الطن الواحد منه 200 دولار بينما لا يتجاوز سعره محلياً 180.
وفي عام 2021، قدّر مسؤولون وخبراء في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن هناك حاجة في سورية إلى 1.5 مليون طن على الأقل من واردات القمح، مؤكدين أن استهداف النظام شراء 1.2 مليون طن يبدو حالياً غير واقعي إلى حد كبير.