خلال السنوات الأربع التي تلت الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اندفع المزيد من الفرنسيين الأثرياء على شراء العقارات الفاخرة في لندن، ليتربعوا في المركز الأوّل بين المشترين الأجانب. وجاء أولئك القادمون من هونغ كونغ في المركز الثاني، وبقي المركز الثالث للأميركيين، بينما تراجع الصينيون إلى المركز الرابع، بعد أن كانت أموال هؤلاء تغرق العاصمة البريطانية، ومثلوا نسبة 15% من المعاملات الخارجية في وسط لندن، في العام 2019.
ولعب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني، دوراً هاماً في بيع منازل لندن الراقية بأسعار قياسية. فكان الفرنسيون أكبر المشترين الأجانب للعقارات الفاخرة في وسط العاصمة، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، حتى قفزت حصتهم من المشتريات من 2% في عام 2019 إلى 11%. ودفعت عوامل جديدة، إلى تهافت الأجانب على امتلاك عقارات في لندن وإتمام الصفقات قبل إبريل/نيسان 2021، تفادياً لدفع ضريبة بنسبة 2% على المنازل التي يشتريها الأجانب، كما أدّى انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني مقابل اليورو منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، إلى جعل لندن رخيصة نسبيًاً بالنسبة للمشترين الأوروبيين.
في هذا الإطار يقول ريتشارد بيج، مدير التسويق في شركة عقارات "ديكستيرز"، لـ "العربي الجديد"، إنّهم لاحظوا أن عدد الزيارات إلى موقعهم الإلكتروني، من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ارتفع بنسبة 24% مقارنةً بالعام الماضي. وأضاف أنّ هناك أكثر من 300 ألف مواطن فرنسي يعيشون الآن في لندن، وتعدّ "مدرسة ليسيه فرانسيز شارل ديغول" في جنوب كينزينغتون، إحدى أكبر مناطق الجذب، وهي منطقة يفضلها الفرنسيون في لندن. وتدفقت الكثير من الأموال من أوروبا إلى لندن، على الرغم من محادثات بريكست التي أثارت قلق المستثمرين الأجانب، بحسب ما يقول توم بيل، رئيس قسم الأبحاث السكنية في المملكة المتحدة، من شركة الاستشارات العقارية "نايت فرانك". وأظهر بحث سابق لهذه الشركة، أنه في عام 2020 ارتفعت مبيعات منازل لندن التي تزيد قيمتها عن 10 ملايين جنيه إسترليني (13.1 مليون دولار) بنسبة 16% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019.
ولا تجذب لندن الأثرياء الفرنسيين بسبب الاستثمار أو التمويل فقط، بل تقود المملكة المتحدة أوروبا في مجال استثمار رأس المال الاستثماري، مما يعني أن العديد من الشركات الناشئة التي تسعى إلى جمع الأموال تأتي إلى لندن.
وبحسب تقرير حديث لـ " Tech Nation"، (شبكة في المملكة المتحدة لأصحاب المشاريع التكنولوجية)، تبيّن أن المملكة المتحدة جمعت ما يقرب أكثر من ثلاثة أضعاف رأس المال المستثمر في الذكاء الاصطناعي، مما تم جمعه في فرنسا. وتعهدت المملكة المتحدة في عام 2020 بتقديم 1.48 مليار دولار للذكاء الاصطناعي، بينما قدّمت فرنسا 538 مليون دولار. وعلى مر السنين، تحوّلت العديد من هذه الشركات الناشئة إلى شركات مربحة، الأمر الذي أتاح لمؤسسيها الفرنسيين، شراء منازل باهظة الثمن في لندن.
ووفق أحدث الأرقام من شركة عقارات "رايت موف"، فإنّ سوق الإسكان في لندن يشهد بداية قوية للعام الجديد، على الرغم من حالة الإغلاق. ويبلغ متوسط سعر الطلب للعقار في العاصمة الآن 604 آلاف جنيه إسترليني. بيد أن ما يلفت الانتباه هو أنّ ضواحي لندن، شهدت أعلى ارتفاع في الأسعار، حيث يطالب المشترون بمساحة أكبر. وتشمل المطالب الجديدة، لمشتري المنازل والقصور الفاخرة في لندن ومحيطها، مساكن تتناسب مع متطلبات جائحة كوفيد 19، وأن تكون قريبة من المطارات الخاصة. وبحسب وكالة العقارات الفاخرة في لندن، "بوشامب"، من المرجح أن يسافر العملاء الأثرياء جدًا على متن طائرات خاصة، بما في ذلك المشترون الأجانب، الذين استخدموا بالفعل طائرات خاصة للسفر إلى المملكة المتحدة ومشاهدة العقارات، منذ بدء جائحة كورونا.
وفي هذا السياق، يقول جيومي جي، المدير الإداري من شركة "بوشامب"، إنّ هذا التغيير في السفر بالطائرات الخاصة، زاد الطلب على المنازل التي يسهل الوصول إليها عبر المطارات الخاصة الأصغر حجمًا. ويضيف أنّ العملاء يطلبون منهم الآن العثور على منازل كبيرة، يمكنها الوصول إلى أماكن مثل فارنبورو (بلدة في مقاطعة همبشر، تقع جنوب غربي لندن، ويوجد فيها مطار فارنبورو، للطائرات الملكية التاريخية)، ونورثهولت، في غرب لندن، (حيث تقع محطة القوات الجوية الملكية، في المنطقة المجاورة لها)، في إشارة منه إلى المطارات في لندن وحولها. وتشير شركة "بوشامب"، إلى أهمية السكن بالقرب من المطارات، تقول إنها أتمت صفقة شراء، قصر ويندسور بارك هول، الذي يقع بالقرب من مقاطعة ساري ومطار فارنبورو، في أواخر العام الماضي، مقابل 21.5 مليون جنيه إسترليني (29.3 مليون دولار). حيث استخدم المشتري الملياردير الروسي، طائرة خاصة لزيارة العقار الذي تبلغ مساحته 2700 قدم مربع.
ولكن في المقابل، انخفض متوسط الأسعار في وسط لندن الرئيسي بنسبة 4.3 في المائة على خلال عام 2020، بسبب جائحة كورونا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي،، لأنّ النسبة الأكبر من المشترين فيها هم من الخارج، وفقًا لبحث أجراه وكيل عقارات "نايت فرانك". مع ذلك، لا تزال المناطق وسط لندن، الأكثر شعبية للمشترين الدوليين، حيث تتصدر الأحياء المرموقة مثل تشلسي ومايفير ونايتسبريدج ومارليبون وساوث كينزينغتون، القائمة بين المستثمرين الأجانب.
وفي هذا الشأن، يقول المستثمر العقاري آرون ب. ديفيد، إنّ هذا التحول أزاح فئة "النخبة البريطانية القديمة"، التي بدأت في شراء العقارات في مناطق خارج وسط لندن، مثل هامستيد وفولهام وريتشموند وتشيزيك وبارنز واندسوورث. ويلفت إلى أنّ المشترين الحصريين في المملكة المتحدة، حوّلوا انتباههم أيضًا إلى سوق المنازل الريفية التقليدية، التي بدأت تجذب المشترين الاثرياء الأجانب أيضاً، نظرًا لأسلوب الحياة الذي تقدّمه، وغالبًا ما يقترن بهندسة معمارية استثنائية لها سحر معين يجذب المشترين ويخلق زيادة في الطلب. وتحافظ المنازل الريفية التقليدية دائماً على قيمتها، وهي استثمار ممتاز طويل الأجل.
ومع استمرار المستثمرين في البحث حول العالم عن فرص استثمارية ذات عائد قوي، لا تزال العقارات في المملكة المتحدة جذابة للمستثمرين من منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من قيود الإغلاق والسفر بسبب جائحة كورونا التي أثّرت على الاستثمار في العقارات التجارية في المملكة المتحدة، حيث بلغ إجمالي الاستثمار من هذه المنطقة في الربع الثاني من 2020، 32 مليون جنيه إسترليني، وهو أدنى مستوى له منذ الربع الثالث من عام 2010. وبحسب التقرير الذي نشرته الشركة العقارية "نايت فرانك" في 13 يناير/كانون الثاني، بلغ إجمالي الأرباع الثلاثة الأولى 1.275 مليار جنيه إسترليني. ويأتي الدعم الأكبر جرّاء شراء عبد الهادي مانع الهاجري، من قطر، فندق لندن ريتز، بمبلغ 700 مليون جنيه إسترليني في مارس/آذار. كذلك أدى تحسّن معنويات الناس في الأشهر الأخيرة من عام 2020، إلى زيادة النشاط الاستثماري، حيث تم التعامل مع 352 مليون جنيه إسترليني في الربع الثالث، بزيادة 26% عن الربع الثالث من عام 2019.
واتسع نطاق تدفقات رؤوس الأموال من منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة خارج لندن، ووصل إلى مدن غلاسكو وكارديف وبريستول ومانشستر وإدنبرة وبرمنغهام وليدز. ويتوقع محللون اقتصاديون أن يستمر هذا التوجه في العام 2021.
وتجذب المملكة المتحدة المستثمرين الأجانب لامتلاكها أنظمة قانونية ومحاسبية شفافة، مقترنة بأساسيات الاستثمار العقاري القوية وتدفقات الدخل الطويلة. كذلك يلعب تراجع الجنيه الإسترليني دوراً رئيسياً لدى المستثمرين الذين يعتمدون على الدولار، مثل أولئك من منطقة الشرق الأوسط، الذين لا يزالون قادرين على الحصول على عقارات بأسعار تصل إلى 13% أقل مما كانت عليه قبل خمس سنوات.