صخب واسع أثاره إعلان مسؤول إيراني كبير توقيع بلده اتفاقاً مع العراق لبدء تنفيذ أعمال الربط السككي بين البلدين، في إطار مشروع "الممر الكبير من الشرق إلى الغرب" المثير للجدل، والذي تسعى طهران من خلاله إلى جني فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية ضمن خطط لتوسيع النفوذ.
ورغم تأكيد مساعد وزير الطرق وإعمار المدن الإيراني ميعاد صالحي توقيع الاتفاق في بغداد، نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، خرج وزير النقل العراقي ناصر الشبلي، يوم الأربعاء الماضي، لينفي الأمر، موضحا أن ما جرى هو "توقيع محضر اجتماع مع الجانب الإيراني بشأن الربط السككي، وهو ليس اتفاقية".
وأضاف الشبلي: "نحن أعطينا عهداً للعراقيين بأن أي ربط سككي لن يكون بالإمكان إتمامه إلا بعد إكمال ميناء الفاو (جنوب محافظة البصرة)، وأيضا إكمال السكك وبنيتها التحتية لتكون جاهزة لاستقبال الربط مع أي دولة".
قطارات شحن من إسلام آباد
لكن يبدو أن إيران تضغط باتجاه الإسراع في مشروعات الربط السككي مع العراق، بعد إتمام الربط مع باكستان وتسيير قطارات شحن من إسلام آباد مروراً بزاهدان في إيران وصولا إلى إسطنبول في تركيا.
ووفق مساعد وزير الطرق وإعمار المدن الإيراني ميعاد صالحي، فإن الربط السككي بين شلمجة والبصرة هو في الواقع إكمال للممر الكبير من الشرق إلى الغرب الذي انقطع لفترة طويلة، مضيفا في تصريحات نقلتها وكالة "إرنا" في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن هناك فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية متوقعة من إنشاء الخط.
ورغم نفي وزير النقل العراقي، في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، توقيع اتفاق بشأن الربط السككي، عاد وزير الطرق وإعمار المدن الإيراني رستم قاسمي ليؤكد، في تصريحات للتلفزيون الإيراني مساء السبت، الأول من يناير/ كانون الثاني الجاري، أهمية مشروع مد سكك الحديد بين شلمجة الإيرانية والبصرة العراقية، لكلا البلدين، سواء من ناحية ترانزيت السلع أو نقل المسافرين، خاصة في أيام أربعينية الإمام الحسين.
وأضاف الوزير: "خلال الاتفاق الجديد بين البلدين تم تحديد موعد بدء إنشاء هذا الخط السككي، وينبغي تأسيس شركة مشتركة للاستثمار والتشغيل في غضون الشهرين القادمين"، لافتا إلى أن طول الخط يبلغ 32 كيلومترا، والمسالة المهمة في المشروع إنشاء جسر بين إيران والعراق.
وتابع: "سنقوم في غضون الأيام القادمة بإيفاد خبراء لكسح الألغام في مسار هذا الخط السككي في العراق"، مشيرا إلى أن من المتوقع أن يتم تنفيذ المشروع في غضون عامين كحد أقصى، وأن تبلغ كلفته ما بين 100 و120 مليون دولار، وإن الاتفاق المبدئي هو التناصف بين الجانبين في الاستثمارات اللازمة للمشروع.
وأضاف أنه مع تنفيذ المشروع ستصبح صادراتنا إلى العراق أقل كلفة وأكثر أمانا، وسيتم ربط هذا الخط السككي بالبحر الأبيض المتوسط مستقبلاً.
اندهاش عراقي من الإعلان الإيراني
لكن المتحدث باسم وزارة النقل العراقية حسين الخفاجي أبدى استغرابه من تصريحات الجانب الإيراني، قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات الإيرانية تعلن عن بدء المشروع، وهذا ما لا يعلم العراق أيا من أسبابه، كما أننا لا نعرف لماذا تتجه إيران إلى هذا الحديث، رغم عدم وجود اتفاقية، لكن إيران تنتظر هذا المشروع منذ 20 عاماً".
ومنذ عام 2016، بدأ الحديث عن مشروع سكة حديد تربط ميناء الخميني بشلمجه الإيرانية (يقع الاثنان في محافظة خوزستان)، ثم بالبصرة في العراق، وصولاً إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط في سورية.
واعتبر الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في تصريحات له، في مايو/ أيار الماضي، أنّ مشروع ربط شبكة السكك الحديدية بين بلده والعراق مهم للغاية، موضحاً أنّه سيربط إيران بالعراق وسورية ومنطقة البحر المتوسط، وسيساهم في تحقيق تغيير كبير في المنطقة.
ويثير المشروع ردود فعل واسعة في العراق، إذ يحذر نواب برلمان ومحللون اقتصاديون وخبراء في القطاع اللوجستي من أضراره على العراق، خاصة ما يتعلق بالموانئ، حيث سيتحول البلد إلى مجرد محطات ترانزيت لممر إيراني واسع.
وقال نائب مستقل في البرلمان العراقي الجديد، طلب عدم ذكر اسمه، إن "طهران تسعى من خلال هذا الربط إلى الوصول لميناء اللاذقية السوري على البحر الأبيض المتوسط".
وأوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن نوابا في البرلمان سيسعون إلى "وقف استمرار التوسع التجاري الإيراني على حساب ميناء الفاو وخطوط النقل العراقية، خصوصاً أن مشروع الربط السككي مع إيران سيؤدي إلى إلغاء الأهمية الاقتصادية لمنافذ البصرة البحرية".
في السياق، وصف علي الحساني، المسؤول المحلي السابق في محافظة البصرة، الربط السككي مع إيران بأنه "ملف مشبوه"، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معظم القوى السياسية الداعمة لهذا المشروع حليفة لإيران بشكل واضح، وسعت خلال الفترة الماضية إلى تعطيل أي جهود عراقية لإحياء ميناء الفاو، كما أنها هي ذاتها كانت ترفض الربط السككي مع الكويت وتقبل به مع إيران رغم أنه لا فرق بين هذه وتلك".
أضرار للبصرة من الربط السككي
وتابع "البصرة ستتضرر من مشروع الربط السككي مع دولتي الجوار (إيران والكويت)، لأنها لن تستطيع أن تكون عنصراً فاعلاً في الحركة التجارية، بل إنها ستتحول إلى معبرٍ عادي فقط، وأن المشروع (الربط السككي مع إيران) هدفه الربط مع سورية أيضاً".
بدوره، قال محمد عطية الشماع، الخبير الاقتصادي، إن "العراق لم يتفق إلى الآن بصورة رسمية مع إيران على مدّ الربط السككي، لكن السلطات الإيرانية تريد أن تحصد منجزات إعلامية أمام الشعب الإيراني الذي يمر بأزمات اقتصادية كبيرة، كما أن إيران تريد أن تستولي عبر الإعلام على القرار العراقي الذي يظهر أنه أضعف من أن يرد على الإيرانيين".
وأضاف الشماع في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "حكومة مصطفى الكاظمي وتدعمها بعض الكيانات السياسية المعارضة للتوسع الإيراني على حساب مصالح العراق، تعمل على تطوير ميناء الفاو وإحياء دوره الاقتصادي، وأن الربط السككي سيؤدي حتماً إلى قتل الميناء العراقي وتحويله إلى قناة عادية لإيصال البضائع الإيرانية إلى العراق وسورية ولبنان".
واعتبر أن "ميناء الفاو يعتبر من أهم المشاريع التي يمكن أن تلعب دوراً اقتصادياً بالغ الأهمية في حركة التجارة العالمية ونقل البضائع بين قارتي آسيا وأوروبا، بكلف مالية أقل وفترة زمنية أقصر".
وتحولت إيران خلال الأعوام العشرة الماضية، إلى مصدر رئيسي للسلع في العراق، لأسباب مرتبطة بالقرب الجغرافي، ما يعني كلفة نقل أقل، وتمدد سلعها في الأسواق بجانب السلع الأجنبية الأخرى، في وقت يضعف فيه الطلب على المنتج العراقي.
إيران تطمح إلى مضاعفة صادراتها
وبحسب أرقام رسمية، فقد صدرت إيران إلى العراق خلال العام الماضي، نحو 20.8 مليون طن من مختلف المنتجات، بما يعادل 5.9 مليارات دولار، فيما تطمح إلى زيادة هذا الرقم إلى 20 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتصريحات مسؤولين إيرانيين.
وبخلاف تضرر ميناء الفاو العراقي من مشروعات تمدد النفوذ الإيراني عبر الممرات التجارية، فإن الربط السككي بين إيران والعراق قد يهدد أيضا أحد مسارات طريق الحرير الصيني المتمثل في هذا الميناء العراقي.
وسبق أن أشارت تقارير عراقية وصينية إلى هذه الهواجس، إذ قال وزير النقل الأسبق كاظم فنجان الحمامي، في تصريحات صحافية أخيراً، إن العراق خرج من طريق الحرير بسبب ما سماه الفشل في التعامل مع ميناء الفاو.
كما نشرت وكالة الأنباء الصينية خريطة لطريق الحرير، الذي يتضمن عدم مروره عبر ميناء الفاو، وإنما يشمل العراق عن طريق إقليم كردستان ومن ثم تركيا.
لكن مدير عام الموانئ العراقي فرحان الفرطوسي قال في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية (واع)، في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إن "ميناء الفاو جزء من طريق الحرير، ولا يوجد أي تغيير في هذا الطريق".
وأوضح أن "المسافة بين ميناء الفاو وميناء طرطوس السوري بحدود 1200 كيلومتر، وبين ميناء الفاو وميناء مرسين التركي 1500 كيلومتر، وهذه أقصر مسافة، وتسمى العنق أو الخصب في طريق التجارة البحرية".
لا تراجع عن طريق الحرير
وأضاف: "عندما تنقل البضائع من الصين أو جنوب شرق آسيا بحراً باتجاه البحر الأحمر صعوداً باتجاه قناة السويس وعبر البحر المتوسط إلى أوروبا، فإن ميناء الفاو سوف يختصر ويختزل تلك المسافة عبر القناة الجافة العراقية ابتداء من الميناء صعوداً وبالعكس".
وفي ظل التخبط العراقي تبدو تحركات إيران للربط السككي مع العديد من دول الجوار أكثر تحققاً. فقد أعلنت شركة السكك الحديدية الإيرانية عن انطلاق ثاني قطار شحن مشترك بين إيران وتركيا وباكستان، وذلك بدءاً من محطته الأولى في إسلام آباد ومروراً بالمحطة الثانية في إيران (زاهدان)، وانتهاء بمدينة إسطنبول التركية، التي تشكل المحطة الثالثة والأخيرة لهذا القطار.
وأشارت الشركة الإيرانية، في بيان أوردته وكالة "إرنا" مساء الأحد الماضي، إلى نجاح تجربة تسيير القطار الأول، الذي انطلق في ما يعرف بممر "الشرق ـ غرب لترانزيت السلع" (ITI )، ليتم تسيير القطار الثاني المكوّن من 24 عربة مسقوفة بتعاون مشترك بين مصلحة الجمارك وشركة السكك الحديدية في إيران وباكستان وتركيا.
وتقدر مسافة هذا الممر بنحو 6.44 آلاف كيلومتر، بدءاً من محطة ازاخل الباكستانية ومروراً بمدينة زاهدان في سيستان وبلوشستان (جنوب شرق إيران)، وصولا إلى إسطنبول في تركيا.
وتعتمد إيران بشكل كبير على دول الجوار في تسويق بضائعها، في محاولة للتقليل من تداعيات العقوبات الخانقة التي أعادت الولايات المتحدة فرضها في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموقع مع طهران.
الاقتصاد الإيراني يبتلع السوق العراقية
ووفق تقارير مستقلة، فإن الاقتصاد الإيراني بكل مفاصله ابتلع نحو 90% من السوق العراقية. إذ سبق أن حذر تقرير لمنظمة "سوق"، وهي إحدى المنظمات المحلية المعنية بالاقتصاد العراقي، من أن "إيران ستتحول، خلال أعوام، إلى مالك للاقتصاد العراقي ومتحكم فيه بدون منافس".
وأشار التقرير إلى التغول المصرفي الإيراني والاستثمار في مصانع عراقية مملوكة للدولة أو القطاع المختلط والتحكم في قطاعات تجارية، مثل سوق السيارات والحديد والأجهزة الكهربائية والمنزلية، فضلا عن السياحة.