عاد عمال المياومة (اليومية) والقطاعات الصغرى إلى دائرة التضييق على مصادر رزقهم، بعد فرض الحكومة التونسية حجراً صحياً شاملاً لمدة أربعة أيام بداية من اليوم الخميس، في إطار خطة مكافحة كورونا، وسط انتقادات لضعف الإحاطة الرسمية بالفئات الهشة التي تواجه تبعات الغلق بجيوب فارغة.
ويضع الرجوع إلى الحجر الصحي الشامل ومنع الجلوس بالمقاهي والمطاعم الكثير من التونسيين أمام شبح البطالة القسرية دون أي تعويضات أو احتواء حكومي يساعدهم على مجابهة فقدان الدخول.
وأعلنت حكومة هشام المشيشي، مساء أول من أمس، إقرار اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا الحجر الصحي الشامل لمدة أربعة أيام وتطبيق حظر التجول طيلة هذه المدة بداية من الساعة الرابعة عصرا إلى غاية السادسة صباحا إلى جانب الاكتفاء بحمل الوجبات والمشروبات من المقاهي دون الجلوس فيها.
وبسبب الحجر الصحي الشامل لمدة أربعة أيام سيخسر سامي الحجري (37 عاما) أجرة عمله في إحدى عمليات البناء لهذه المدة بمعدل أجر يومي يساوي 35 دينارا، وهو ما يساوي ثلث إيجار البيت الذي يسكنه مع عائلة تتكون من 5 أفراد.
يقول الحجري لـ"العربي الجديد": "وحدهم الفقراء وعمال المياومة يدفعون غاليا ثمن الحجر الصحي الشامل والعودة إلى الغلق"، مطالباً الحكومة بتعويضهم عن أيام بطالة لم يختاروها.
وأضاف المتحدث أن على السلطات أن تفكّر في صناديق لتعويض عمال المياومة والفقراء عن فقدان الدخول بسبب قرارات الغلق قبل أن تلقي بهم في المجهول وتتركهم في مواجهة العوز بمفردهم، وفق تأكيده.
وبحسب أرقام غير رسمية يقدر عدد عمال المياومة والناشطين في القطاعات الموازية في تونس بأكثر من مليون تونسي يعيشون مع عائلاتهم من الكسب اليومي من شغلهم في نشاطات تجارية أو العمل اليومي في قطاعات البناء والخدمات ولا سيما قطاعات المقاهي والمطاعم التي تعتمد بدرجة كبيرة على عمال يتقاضون أجورا يومية تتراوح بين 20 و25 دينارا (الدولار = 2.75 دينار).
عام 2018، قدّرت منظمة العمل الدولية أن 53% من عمال تونس هم من المشتغلين في القطاع غير الرسمي، فيما تقول منظمات مدنية مستقلة إن عمال المياومة والمشتغلين في القطاعات الهشة يزيدون عن مليون تونسي.
وإبان الموجة الأولى من جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي قالت الحكومة السابقة برئاسة إلياس الفخفاخ إنها صرفت تعويضات بنحو 800 مليون دينار لما يقارب مليون أسرة تونسية كانت في حاجة للدعم الحكومي من أجل تسيير النفقات اليومية الأساسية، ولا سيما منها نفقات الغذاء.
في المقابل، يكشف قانون الموازنة للعام الحالي أن الحكومة لن تدعم سوى 285 ألف عائلة عن طريق تحويلات اجتماعية في حدود 180 دينارا شهريا، ما يبقي نحو 725 ألف عائلة فقيرة دون أي مساعدات، فضلا عن فقدانهم مصادر الدخول التي يوفرونها من العمل اليومي.
وبحسب قانون الموازنة لن تتجاوز المخصصات الاجتماعية الموجهة لمساعدة الفئات محدودة الدخل 833 مليون دينار (308 ملايين دولار).
ويعتبر الناطق الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أن القرارات الحكومية تتصف عموما بالارتجال ولا تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاجتماعية على حياة الفقراء.
وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الحكومة مطالبة بتهيئة أرضية اجتماعية تحمي الفئات الهشة من فقدان العمل عبر صندوق لصرف التعويضات يموّل من الضرائب أو الهبات، مشيرا إلى أن مقاومة العوز أصبحت أولوية مطلقة مع استمرار الجائحة الصحية
وانتقد عدم إقرار الحكومة لأي اعتمادات طارئة ضمن موازنة العام الجديد يمكن توجيهها لصرف تعويضات لفقدان العمل جراء الحجر الصحي أو أي تداعيات اقتصادية أخرى قد تترتب على استمرار الوضع الوبائي في البلاد، بحسب قوله.
وبسبب الغلق الشامل في مارس/ آذار الماضي فقد أكثر من 270 ألف تونسي مواطن شغلهم، قبل أن تسترجع سوق العمل في تونس قدرتها على خلق الوظائف مجددا خلال الربع الثالث من السنة، ويعود 100 ألف تونسي إلى العمل، وفق أرقام رسمية.