ملفات شائكة بين أميركا والصين... بايدن يأمل بمكتسبات دون إنهاء الحرب التجارية

15 نوفمبر 2021
من لقاء في بكين عام 2013 بين الرئيس الصيني وجو بايدن (فرانس برس)
+ الخط -

تترقب الأوساط الدولية باهتمام بالغ القمة الافتراضية، التي سيعقدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، بعد ساعات قليلة على أمل تخفيف حدة التوتر، والبحث عن حلول للمشاكل المتراكمة بين الدولتين، إلا أن حجم الملفات الشائكة، ولا سيما على صعيد الصراع الاقتصادي يجعل من التوصل إلى تسويات أمراً بعيد المنال، خاصة في ظل تمدد النفوذ الصيني خلال السنوات الأخيرة وتجاوز العراقيل الكثيرة التي وضعتها واشنطن وحلفاؤها وكذلك تداعيات جائحة فيروس كورونا، بينما تنغمس الولايات المتحدة في أوقات عصيبة معظم عناوينها الداخلية اقتصادية.

ورغم التصريحات المتبادلة بين الجانبين بشأن الرغبة في الوصول إلى تهدئة، إلا أن لكل طرف حساباته التي تجعله يمضي قدماً فيما يصبو إليه، فالولايات المتحدة تريد تحجيم العملاق الصيني وتعطيل زحفه عبر تهدئة تخفض من خلالها صخب الحرب التجارية من دون أن تخمدها، بينما ترغب الصين في كبح العراقيل الأميركية من دون أن تقدم تنازلات من شأنها دفعها للتخلي عن طموح إزاحة أميركا من موقع أكبر اقتصاد في العالم لتحل مكانها في سنوات لا تبدو بعيدة وفق محللين.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تبادل أكبر اقتصادين في العالم التعريفات الجمركية والعقوبات وتوجيه أصابع الاتهام حول كل شيء من الالتزامات المناخية إلى التعامل مع الوباء العالمي.

وتأتي القمة التي تعقد، مساء اليوم الاثنين، بتوقيت واشنطن، وصباح الثلاثاء، بتوقيت بكين، بعد سلسلة من الاتصالات الدبلوماسية بين الدولتين، كما تحدث الرئيسان هاتفيا مرتين منذ تنصيب جو بايدن، خلال يناير/ كانون الثاني 2021.

 فائض تجارة الصين مع الولايات المتحدة بلغ 40.75 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول، بينما وصل في الأشهر العشرة الأولى من العام، إلى 320.67 ملياراً

وقال البيت الأبيض في بيان، يوم الجمعة الماضي، إن الرئيسين سيناقشان سبل إدارة التنافس بين بلديهما بشكل مسؤول، مضيفا أن الرئيس بايدن سيكون خلال الاجتماع واضحاً وصريحاً بشأن ما يقلق بلاده من جهة الصين.

في الجانب الآخر، أعلن الرئيس الصيني قبل أيام، أن بلاده تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع واشنطن لإعادة العلاقات الثنائية للمسار الصحيح، وفي نبرة تصالحية على ما يبدو، أكد أن البلدين سيستفيدان من التعاون وسيخسران من المواجهة.

وتابع في رسالة تهنئة إلى اللجنة الوطنية للعلاقات الأميركية الصينية، أن بكين مستعدة للعمل مع واشنطن لتعزيز التبادلات والتعاون بجميع المجالات، على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.

ويرجح المراقبون أن تتصدر قضايا التجارة جدول أعمال القمة، نظرا لاقتراب الموعد النهائي لقيام الصين بشراء منتجات أميركية بقيمة 200 مليار دولار بموجب اتفاق جرى التوصل العام الماضي لتهدئة حرب الرسوم التجارية المتبادلة بين الجانبين المستمرة منذ نحو أربع سنوات.

ويشير المراقبون إلى أن بكين لم تلتزم بـ 40% من المشتريات التي نص عليها الاتفاق، والتي تشمل الطاقة والمنتجات الزراعية والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى طائرات بوينغ، بينما تريد الصين من الولايات المتحدة وقف القيود والعقوبات المفروضة على شركاتها، بخصوص الاستثمار أو الإدراج في الولايات المتحدة.

وكان اتفاق المرحلة الأولى بين واشنطن وبكين قد ترك، تعريفات جمركية على معظم المنتجات المتداولة بين الصين والولايات المتحدة، لكن جانيت يلين وزيرة الخزانة الأميركية ألمحت أخيراً إلى إمكانية خفض بعض الرسوم الجمركية إذا أوفت بكين بالتزاماتها التجارية بخصوص المشتريات من البضائع الأميركية.

وبينما تظهر المواقف الأميركية تمسكاً بالحصول على مكتسبات مسبقة قبل تخفيف القيود التجارية والعقوبات المفروضة على كبريات الشركات الصينية خاصة العاملة في الاتصالات والتكنولوجيا، فإن الوضع الراهن في الولايات المتحدة يشير إلى حاجة الأميركية أنفسهم إلى تخفيف هذه القيود لتجاوز أوقات عصيبة من الغلاء بفعل اضطرابات سلاسل الإمدادات العالمية وصعود أسعار السلع الصينية المورد الرئيسي في العالم وارتفاع أسعار الطاقة.

وسجلت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، الشهر الماضي، أكبر زيادة سنوية لها منذ 31 عاماً، مدفوعة بارتفاع سعر البنزين وسلع أخرى. وسط انتقادات من قبل الجمهوريين للرئيس الديمقراطي بايدن. إذ أفادت بيانات رسمية صادرة، الأربعاء الماضي، بارتفاع أسعار المستهلك على أساس سنوي بنسبة 6.2%.

وتزعج الأسعار الأخذة في التصاعد بالمتاجر ومحطات الوقود الأميركيين، فيما يتخوف كثيرون من استمرار صدمتها لفترات أطول. وبجانب ارتفاع أسعار الطاقة واضطراب سلاسل الإمدادات العالمية، جاءت الرسوم الجمركية الكبيرة المفروضة على الكثير من السلع الصينية منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بنتائج عكسية إذ تسببت في زيادة أسعار الكثير من السلع للمستهلكين الأميركيين، في حين تجد إدارة بايدن الحالية نفسها في مأزق بين مواربة الأبواب مع بكين والتضحية بمزيد من العجز التجاري أمامها لتجنب غضب المستهلكين الأميركيين، أو الاستمرار في سياسة تحجيم العملاق الصيني.

وقال ريتشارد كورتين، الذي يشرف على دراسة ثقة المستهلكين التي تصدر عن جامعة "ميتشيغان"، وهي مؤشر مهم يقيس اتجاهات القطاع العائلي، وفق ما نقلت وكلة بلومبيرغ الأميركية في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري: "لم نسجل من قبل هذا العدد الكبير من الناس الذين يتحدثون عن ارتفاع أسعار المنازل أو أسعار الأجهزة المنزلية أو أجهزة التلفزيون.. لدينا نسبة كبيرة من الناس يتحدثون عن تدني مستوى معيشتهم بسبب التضخم، وقد أصبح أشد عنفاً بسبب أن المستهلكين لا يرون سياسة اقتصادية فعالة تستطيع أن تكبح التضخم".

كما توقع الاقتصاديون لدى بنك "غولدمان ساكس" ارتفاع الإيجارات في السنة المقبلة إلى أعلى مستوى لها في ثلاثين عاماً، إذ يقدر البنك في آخر توقعاته أن معدل التضخم سيسجل رقماً تاريخياً خلال 2022.

في المقابل، قال بايدن، الأربعاء الماضي، إنه وجّه كبار مساعديه الاقتصاديين إلى التركيز على خفض تكاليف الطاقة، وركز على دور الاحتياطي الفيدرالي في مراقبة الأسعار. كذلك، طلب من الجهات الرقابية والتنظيمية متابعة أي "مبالغة في الأسعار".

لكن محللون يرون أنه يتعين على تجار السلع والمستهلكين، الانتظار لفترة أطول قليلاً، قبل عودة الأسعار للهدوء، خاصة أن التعويل على إلغاء بايدن، التعريفات الجمركية على واردات بقيمة 370 مليار دولار من الصين لا يبدو قريباً.

 احتياطيات النقد الأجنبي في الصين، وصلت إلى 3.218 تريليونات دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، لتعد الأعلى عالمياً

وكان ترامب، قد اعتبر عقب إبرام المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في يناير/ كانون الثاني 2020، أن اتفاق المرحلة الأولى التجاري مع الصين، يمثل انتصاراً كبيراً لسياساته، إلا أن الصين خرجت ممسكة بأوراق ضغط كبيرة، لا تقل أهمية عن المكاسب التي قالت الولايات المتحدة إنها حققتها من وراء الضغط الذي مارسته على بكين.

وفي يناير/كانون الثاني من العام الجاري، نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً أشار إلى النتائج العكسية التي تسببت فيها سياسة ترامب. واستعادت الوكالة تغريدات شهيرة للرئيس الأميركي السابق قال فيها إن "الحروب التجارية جيدة ويسهل الفوز بها" وذلك عندما بدأ في فرض رسوم جمركية على حوالي 360 مليار دولار من الواردات الصينية عام 2018، لافتة إلى أنه تبين أنه كان مخطئاً في كلا الاستنتاجين.

وبدلاً من أن يتقلص العجز التجاري مع الصين، زاد إلى مستويات تاريخية. كما حلت مجموعة من 10 دول من جنوب شرق آسيا محل الولايات المتحدة كثاني أكبر شريك تجاري للصين في عام ما قبل جائحة كورونا.

وحتى قبل أن يصيب فيروس كورونا الملايين من الأميركيين ويؤدي إلى أشد انكماش اقتصادي منذ الكساد الكبير، كانت الصين تتحمل رسوم ترامب الجمركية، وفقاً للمقاييس ذاتها التي استخدمها لتبريرها.

وبمجرد سيطرة الصين على الفيروس، أدى الطلب على المعدات الطبية والسلع المرتبطة بالعمل من المنزل إلى توسيع فائضها التجاري مع الولايات المتحدة على الرغم من الرسوم.

وبدت الصين في موقف أقوى، إذ سرعان ما طوقت تداعيات الوباء وأعادت الاقتصاد إلى عجلة الإنتاج. وكانت الصين، حيث بدأ الوباء في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أول اقتصاد يتعرض للإغلاق، لكنها أعلنت الانتصار على الوباء في مارس/آذار 2020، حيث أعيد فتح المصانع وأبراج الشركات ومراكز التسوق، وأصبحت أول اقتصاد في العالم يعود إلى النمو.

وتمسكت الكثير من الشركات الأميركية بالاستثمار في الصين، رغم سياسات التحفيز والتخويف التي مارستها الإدارة الأميركية، بل إن هذه الشركات قد تتحول إلى ورقة ضغط في يد بكين في مواجهة واشنطن.

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نقت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة إن الصين حثت المديرين التنفيذيين والشركات ومجموعات الأعمال الأميركية في الأسابيع الأخيرة على محاربة مشاريع قوانين متعلقة بالصين في الكونغرس الأميركي، مشيرة إلى أن المسؤولين الصينيين حذروا الشركات من أنها ستخاطر بفقد حصتها في السوق أو الإيرادات في الصين مع هذه التشريعات.

وكان مجلس الشيوخ قد أقر بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في يونيو/ حزيران الماضي، قوانين شاملة لتعزيز المنافسة الأميركية مع الصين وتمويل إنتاج أشباه الموصلات الذي تشتد الحاجة إليه. وتوقف مشروع قانون له صلة بذلك في مجلس النواب وكان يركز بشكل أكثر صرامة على السياسة بسبب انشغال الكونغرس بمبادرات محلية أخرى.

وكانت اللغة المستخدمة في الرسائل تطلب صراحة من الشركات معارضة القانونين. وقالت رويترز إن هذه الرسائل أرسلت بشكل منفصل إلى عدد كبير من الأشخاص.

ويتنامي زحف التجارة الخارجية الصينية، بالرغم من القيود الأميركية واستمرار تداعيات فيروس كورونا، وصعوبات سلاسل التوريد العالمية، وتضرر الكثير من الشركات الصينية من أزمة الطاقة.

وأظهرت بيانات صادرة عن الهيئة العامة للجمارك الصينية، الأسبوع الماضي، تسجيل التجارة الخارجية قفزة بنسبة 22.2% على أساس سنوي في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، لتصل إلى 31.67 تريليون يوان (4.89 تريليونات دولار). والرقم المُسجل يمثل زيادة نسبتها 23.4% مقارنة بمستويات ما قبل كورونا في 2019.

ووفق البيانات التي أوردتها وكالة شينخوا، قفزت الصادرات على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول وحده بنسبة 27.1%، لتصل إلى 300.2 مليار دولار. وتعد نسبة نمو الصادرات المحققة الشهر الماضي هي الـ13 على التوالي، والتي تسجل رقماً مزدوجاً، بحسب رصد لوكالة بلومبيرغ.

وسجلت الدولة فائضاً تجارياً بقيمة 84.54 مليار دولار الشهر الماضي، مقارنة مع فائض قدره 66.76 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول. وخلصت حسابات أجرتها وكالة رويترز استناداً إلى بيانات الجمارك الصينية إلى أن فائض تجارة الصين مع الولايات المتحدة فقط بلغ 40.75 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول، بينما وصل في الأشهر العشرة الأولى من العام، إلى 320.67 مليار دولار، ما يزيد من مأزق واشنطن في كبح العجز التجاري لها أمام بكين التي تتعرض لقيود تجارية واقتصادية أميركية متزايدة.

ومع التوسع التجاري، تتعاظم احتياطيات النقد الأجنبي في الصين، لتعد الأكبر في العالم، إذ وصلت إلى 3.218 تريليونات دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مقابل 3.201 تريليونات دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول، وفق أحدث بيانات صادرة عن بنك الشعب الصيني " البنك المركزي الصيني) مطلع الأسبوع الماضي.

المساهمون