خطت المفوضية الأوروبية خطوة إضافية لتعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال، بعد سنوات من فضائح ضربت القطاع المصرفي الأوروبي. وقدمت رئيسة المفوضية، أورسولا فون ديرلاين، تصور الاتحاد للقوانين الجديدة المتعلقة بتلك الظاهرة، من خلال سياسات إشراف مشترك لتطبيق قواعد صارمة لمحاربة الملاذات الضريبية.
ويفترض أن تصبح السياسات الأوروبية الجديدة سارية بعد تصديق البرلمان الأوروبي عليها. واعتبرت رئيسة المفوضية، أن الاتفاق سيعزز دور هيئة الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال والجرائم المالية من خلال التعاون بين وحدات الشرطة المالية الأوروبية. فما أهمية هذه الإجراءات اليوم؟
يرمي الأوروبيون، من خلال إنشاء هيئة إشرافية مشتركة وموحدة للتعامل مع غسل الأموال، إلى "مكافحة وصولها إلى جيوب عصابات الجريمة المنظمة والإرهابية"، وحيث ستنسق الهيئة الأوروبية المشتركة الخطوات "ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
وتضع السياسة الجديدة قواعد صارمة وتحظر المدفوعات النقدية في التعامل التجاري بأكثر من 10 آلاف يورو. ووضع سقف للدفع النقدي هو واحد من بين مقترحات أخرى تقدمها الحزمة الأوروبية، إذ تتجه المفوضية إلى فرض صيغ إضافية تحد من إمكانية تلاعب الجريمة المنظمة بالنظام المصرفي في دول الاتحاد، هذا بالإضافة إلى تناول الخطة ذهاب منطقة اليورو إلى إصدار جديد لقواعد التعامل بالعملة المشفرة، للتأكد من أنها تخضع لذات القواعد المطبقة على البنوك.
وفي المسودة المرفوعة من المفوضية الأوروبية إلى البرلمان في ستراسبورغ تسعى أوروبا إلى تبني المزيد من الضمانات لأجل شفافية كاملة في المعاملات، ومن بينها التعامل بعملة "بيتكوين"، وحظر المحافظ الرقمية المجهولة لتخزين العملات المشفرة.
ولأجل تطبيق القواعد الجديدة تتجه المفوضية إلى إنشاء قائمة "رمادية" و"سوداء" للبلدان التي لا تفعل ما فيه كفاية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك وفق فريق عمل عالمي أو الذي سيتمخض عن الاتحاد الأوروبي.
ويلقى المقترح دعما من العديد من الدول الأوروبية، ومن بينها تلك التي جرى استغلال نظامها المصرفي من قبل بعض الحكومات، بما فيها الروسية والبيلاروسية ودول في وسط آسيا لتبييض الأموال.
وكانت شرطة الجرائم الاقتصادية ووحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأوروبية طالبت عددا من الدول منذ 2019 بتبني الاتحاد لقواعد مشتركة ومنسقة، بعد أن كشف النقاب عن تعامل فرع "البنك الدنماركي" في إستونيا بعشرات مليارات اليوروهات "المشبوهة" (تقدر بنحو 160 مليار يورو بين 2007 و2015) المحولة للغسل من قبل رجال أعمال مقربين من الكرملين ومن رؤساء آخرين في جمهوريات سوفييتية سابقة، وهو ما عرف بـ"فضيحة غسل الأموال"، التي توالت فصولها بالكشف عن استغلال لمصارف أوروبية أخرى.
رهان على وقف هدر مئات مليارات اليوروهات التي يجري تبييضها في السوق الأوروبية، وخصوصا في عالم الجريمة المنظمة الذي يعتقد مختصون اقتصاديون أنه الأكبر في مجال غسل الأموال الأوروبية
ويُعد الاتفاق الجديد حزمة طموحة لحماية مواطني الاتحاد والنظام المالي الأوروبي من غسل الأموال من خلال إستراتيجية أمنية ستمتد حتى 2025.
ورأى أحد خبراء القوانين المالية في مؤسسة "التمويل الدنماركي"، كييلد غوسفي ينسن، أن المقترح الأوروبي يعتبر خطوة هامة "وخصوصا بتأسيس هيئة تشرف على تعاملات أكبر البنوك وعلى الشركات الأوروبية من خارج القطاع المالي".
ورأى ينسن في تصريحات لصحيفة "بورسن" الاقتصادية الدنماركية أن اقتراح إنشاء هيئة إشرافية في الاتحاد الأوروبي "خطوة هامة لضمان توحيد وتنسيق أفضل بين الدول الأعضاء"، واعتبر أيضا أنه من المهم "توضيح الاختصاص بين الهيئة الجديدة وسلطات الرقابة الوطنية، حتى لا يكون هناك إشراف مزدوج".
ويبدو أن المفوضية الأوروبية ماضية في إنشاء آليات تتعلق بعمل الهيئة الجديدة من خلال التعاون مع سلطات مكافحة الجرائم الاقتصادية في الدول الأعضاء. ويأمل الأوروبيون تبني برلمانهم المشترك للخطة لتدخل حيز التنفيذ في 2024، وتتحول عملية الإشراف المباشر بدءا من 2026.
ويراهن هؤلاء على وقف هدر مئات مليارات اليوروهات التي يجري تبييضها في السوق الأوروبية، وخصوصا في عالم الجريمة المنظمة الذي يعتقد مختصون اقتصاديون أنه الأكبر في مجال غسل الأموال الأوروبية، واستغلال أنظمة سياسية أخرى وعالم الجريمة ثغرات غياب سياسة مصرفية موحدة بين الدول الأعضاء خلال السنوات الماضية.
وكان الاتحاد الأوروبي توصل في يونيو/حزيران الماضي إلى اتفاق، بعد خمس سنوات، لمكافحة الملاذات الضريبية وتهرب الشركات متعددة الجنسيات من استحقاقاتها في المجال.
وسيصوت البرلمان الأوروبي على الموافقة النهائية على الاتفاقية بعد العطلة الصيفية.
تفرض الاتفاقية على الشركات الكبرى المزيد من الشفافية والانفتاح حول مقدار الأرباح والضرائب التي تدفعها من عام إلى آخر في الدول التي تعمل فيها
وتفرض الاتفاقية الجديدة على الشركات الكبرى المزيد من الشفافية والانفتاح حول مقدار الأرباح والضرائب التي تدفعها من عام إلى آخر في الدول التي تعمل فيها، ولو كان إنتاجها خارج القارة الأوروبية.
وتعتبر الخطوة المنتظر أن يوافق عليها البرلمانيون الأوروبيون، الذين انتظروا منذ 2016 توصل المفوضية ومجلس الوزراء الأوروبي لهذا الاتفاق، واحدة من الخطوات التي تسعى من خلالها السياسات المالية المشتركة فرض مساهمة الشركات المتهربة من الضريبة المساهمة في موازنات أوروبا، ووقف هدر مئات المليارات عبر التهريب إلى الملاذات الضريبية، وخصوصا تلك التي تسجل أكثر من 750 مليون يورو في مداخليها السنوية، والتي تشكل نحو 10 في المائة من مجموع الشركات التي تطرح انتاجها/خدماتها في السوق الأوروبية.