شهدت كرواتيا تغييرين تاريخيين مع حلول العام الجديد، إذ انضمت أحدث دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى دول منطقة شنغن للحدود المفتوحة التابعة للاتحاد واعتمدت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، ما حقق طموحاتها التي تصبو إليها منذ فترة طويلة بتعزيز تكاملها مع أوروبا، لكن ثمة تحديات تفرض قيوداً على المكاسب المتوقعة، لا سيما في ظل ارتفاع مستويات الديون في هذا البلد واعتباره ثالث أفقر بلد أوروبي.
تحمل عضوية منطقة اليورو بعض الفوائد السياحية لكرواتيا. فبانضمامها إلى منطقة شنغن بات من الممكن للكرواتيين السفر بحرية في أوروبا، وسيتمكن السياح الأوروبيون من السفر بحرية أكثر إليها (حيث زار ساحله الأدرياتيكي بين سبليت ودوبروفنيك في عام 2019 ما مجموعه 17 مليون سائح).
الأمر الهام الآخر لكرواتيا أنها تودع عملتها الضعيفة نسبيا "كونا"، مستعيضة عنها باليورو. وبرغم أن الأغلبية العظمى من الكرواتيين يرحبون بانضمام بلدهم إلى حدود الاتحاد الأوروبي المفتوحة، وفقا لمسح أجرته مؤسسة "يوروباروميتر" لقياس الرأي في 2022، إلا أن 55% فقط أيدوا دخول بلدهم إلى منطقة اليورو، ونحو نصف المستطلعين أبدوا خشية من العواقب السلبية لتلك العضوية.
ثالث أفقر دولة أوروبية
قلق الكرواتيين ينبع من أن اقتصاد بلدهم يضعهم على قائمة ثالث أفقر دولة أوروبية. فهم يعتمدون بصورة رئيسة على السياحة التي تشكل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن كرواتيا ليست جاذبة للشركات الأوروبية الكبيرة المنتجة، مثلما هو الحال في سلوفينيا المجاورة، التي تمكنت منذ سنوات من التحول إلى مقر لبعض الشركات الصناعية المشغلة لليد العاملة المحلية.
كما أن مستويات الديون لدى البلد تجعل من عضويته في منطقة اليورو ليست امتثالاً تاماً لمعاييره، خاصة أن ديون كرواتيا تبلغ 80% من الناتج المحلي الإجمالي، لتعد ثالث أعلى دولة بالنسبة لمستوى الديون في منطقة اليويور، بينما بحسب معيار "ماستريخت"، وهي اتفاقية تأسيس الاتحاد الأوروبي، ينبغى أن تبقى نسبة الديون 60% كحد أقصى لبلدان اليورو.
ومقارنة بدول أخرى تبدو كرواتيا بلداً فقيرا، لكنه ليس أشد فقراً من بلد ينتشر فيه الفساد كبلغاريا، إذ يبلغ فيها الناتج المحلي أقل من 10 آلاف يورو للفرد، بينما في كرواتيا يصل إلى نحو 17 ألف يورو، في حين يبلغ في بلد مثل الدنمارك حوالي 68 ألف يورو للفرد.
وفي مقابل المخاوف من الامتثال للضوابط المالية لمنطقة اليورو التي قد تحمل شروطا اقتصادية، ينظر أكثر من 80% من الكرواتيين بأهمية إلى الانضمام لمنطقة اليورو، إذ يعتقدون أن التحول من العملة الوطنية إلى اليورو سيساهم في تقوية قدرتهم الشرائية، وفق مسح مؤسسة "يوروباروميتر".
كما أن الانضمام إلى العملة الأوروبية سيجعل بلدهم مدعوما ويمكنهم من الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، مثلما حصل مع إيطاليا في أزماتها المالية. والبنك المركزي الأوروبي لديه تعهدات بألا تختلف أسعار الفائدة بين دول منطقة اليورو، ما يعتبر أيضا ميزة إضافية لكرواتيا.
في المقابل، لا يبدو أن هدف ضم كرواتيا لمنطقة اليورو هو إظهار أن منطقة اليورو تنمو، وأن مشروع العملة الأوروبية يحقق نجاحاً واستقراراً، وخصوصا أن العضو الجديد ليس بلدا ملتزما بقواعد اليورو الصارمة، وهو ما سيزيد بالتالي تحديات البنك المركزي الأوروبي في إيجاد توازن بين الدول الغنية والفقيرة، سواء من حيث أسعار الفائدة أو قواعد الديون.
خطوة أبعد من المال
فمقابل أن السويد والدنمارك، البلدين الاسكندينافيين غير العضوين في منطقة اليورو، لديهما ديون وطنية لا تتجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ليسا على قوائم الانضمام إلى "اليورو"، إلا أن ضم كرواتيا إلى شنغن واليورو يبدو أبعد من المال، وفق محللين، خاصة أنها عضو في الاتحاد الأوروبي منذ 2013.
فصحيح أن ذلك سيكون أكثر ملاءمة للسائحين وستجد الشركات الأجنبية والكرواتية تسهيلات، بيد أن الاضطرابات المتجددة والمعارك الجيوسياسية في منطقة البلقان هي المحرك الرئيس للمفوضية الأوروبية للإقدام على هذه الخطوة لإظهار رسائل سياسية واضحة في خضم محاولات الصين وروسيا المنافسة في المنطقة على اعتبار أن البلقان جزء من الغرب، وأن ما يملكه الاتحاد الأوروبي من مزايا سيكون متاحا للآخرين، وأن التنافس على المنطقة يبقى دائما في مصلحة منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي.