معهد بيترسون يحلل أزمة مصر الاقتصادية

14 اغسطس 2024
سوق خضر بالقاهرة، 19 ديسمبر 2023، (محمد الخواص/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تناولت الورقة البحثية الأزمات الاقتصادية المتكررة في مصر، مشيرة إلى أن الأزمة الحالية ناتجة عن مشكلات هيكلية مثل تقييم العملة بأعلى من قيمتها، التدخل الحكومي المفرط، والاعتماد على المساعدات الخارجية.
- تفاقمت الأزمة بسبب فتح الباب للاستيراد بشكل مفرط، الإنفاق في مشروعات غير مجدية، وتثبيت سعر الصرف. تلقت مصر دعماً مشروطاً من الإمارات وصندوق النقد الدولي، مما أثر على الشعب المصري.
- أكدت الورقة على الحاجة للإصلاحات الاقتصادية العميقة لتحسين الحوكمة وتقليل دور الجيش في الاقتصاد، محذرة من استمرار الأزمات إذا لم تُنفذ إصلاحات كبيرة.

في ورقة بحثية نشرت هذا الشهر، تناول معهد بيترسون للاقتصادات الدولية أزمات مصر الاقتصادية المتكررة، ملقياً الضوء على الأزمة الأخيرة، التي اعتبرها مستمرة منذ بداية العام الماضي وحتى الآن، ومتسائلاً عما إذا كانت الأمور ستختلف هذه المرة عن الأزمات السابقة.

تحدث كاتبا الورقة الاقتصاديان في المعهد، روتشير أغاروال وعدنان مزاري، عن أزمات مصر المتكررة والمستمرة منذ عقود، وقالا إن مصر نجت من أزمة مالية ضخمة مطلع العام الحالي، سبّبتها مجموعة من المشكلات الهيكلية، مثل تقييم العملة بأعلى من قيمتها الحقيقية، والتدخل الحكومي المفرط، والاعتماد على المساعدات الخارجية بدلاً من السياسات الاقتصادية المستدامة.
وأشار الكاتبان إلى أن هذه الأزمات ليست جديدة على مصر، إذ كانت جزءاً من نمط متكرر في تاريخ مصر الاقتصادي، إلا أنهما أكدا أن الأهمية الجيوسياسية لمصر، بسبب موقعها وحجمها ودورها في استقرار المنطقة، فرضت تدخلات دولية متكررة لتقديم مساعدات مالية ضخمة، وهو ما كان يحمي البلاد من العواقب الوخيمة لسوء الإدارة الاقتصادية.

واندلعت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في مصر مع بداية عام 2022 نتيجة عدة عوامل، شملت فتح الباب على مصراعيه للاستيراد، والإنفاق الاستثماري المبالغ فيه في مشروعات وهمية لا تدر عائداً، مع تثبيت سعر الصرف، ما جعل العملة المصرية تبدو أقوى من قيمتها الحقيقية، وأعطى من ثم انطباعاً بأن السلع المستوردة كانت أرخص من الثمن الحقيقي الذي كان يفترض أن يعكسه سعر صرف حقيقي للعملة المصرية. وقالت الورقة إن الصدمات الاقتصادية العالمية، بما فيها الحرب في أوكرانيا، ثم عدم الاستقرار الإقليمي بعد اشتعال الأوضاع الصراع في غزة، زادت من هشاشة الاقتصاد المصري، مما أدى إلى أزمة مالية حادة.

لكن في مواجهة الأزمة، تلقت مصر دعماً كبيراً من الإمارات العربية المتحدة، ممثلاً في مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة، ومن صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، وشمل قروضاً وحزماً مالية استهدفت تحقيق الاستقرار في الاقتصاد. ومع ذلك، غالباً ما كانت هذه التدخلات مشروطة، مثل تخفيض قيمة العملة وتقليل الدعم، مما أثر بوضوح على الشعب المصري، وفقاً لما جاء في الورقة البحثية.

تناول الاقتصاديان السياق التاريخي لسوء الإدارة الاقتصادية في مصر منذ ثورة 1952، إذ كافحت الحكومات المتعاقبة لتحقيق التوازن بين السياسات الشعبية والحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي. وقالا إن هيمنة الدولة على الاقتصاد، إلى جانب المشاركة الكبيرة للجيش في الأنشطة الاقتصادية، أدتا إلى عرقلة نمو القطاع الخاص والابتكار. وأوضحا أن تاريخ مصر الاقتصادي يتميز بدورة من الأزمات، يليها استقرار مؤقت بسبب المساعدات الخارجية، ثم العودة إلى الأزمات بسبب عدم تنفيذ الإصلاحات الأساسية. وأوضحا أيضاً أن هذه الدورة تكررت عدة مرات، مع تجنب الدولة، في معظم الأحيان، التغييرات الهيكلية العميقة اللازمة لضمان الاستقرار على المدى الطويل.

ناقشت الورقة التحديات الكبيرة التي تواجه الإصلاح في مصر، والتي قالت إنها تشمل المصالح الراسخة للجيش والنُّخب السياسية الذين يستفيدون من الوضع القائم، بالإضافة إلى اعتماد شريحة كبيرة من السكان على الدعم الحكومي. وقالا إن أي محاولة لتنفيذ إصلاحات عميقة قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، مما يجعل الحكومة مترددة في متابعة مثل هذه التغييرات.

وعلى الرغم من هذه التحديات، أكد الباحثان الحاجة الماسة إلى الإصلاح إذا أرادت مصر كسر دورة الأزمات التي تمر بها، وأوضحا أن ذلك يشمل تحسين الحوكمة، وتقليل دور الجيش في الاقتصاد، وتشجيع تنمية القطاع الخاص، وتنفيذ سياسات مالية ونقدية أكثر استدامة، إلا أنهما شككا في احتمالية تنفيذ هذه الإصلاحات، نظراً إلى المناخ السياسي والاقتصادي الحالي.

لم يقنع كاتبا الورقة بما تم إعلانه من خطوات إصلاح بعد الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي في مارس الماضي، وتوقعا ألا تؤدي الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية، مثل تخفيض قيمة العملة، ورفع سعر الفائدة إلى مستويات قياسية، وتقليل الدعم، مع الإسراع في بيع الأصول المملوكة للدولة، إلى حالة من الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل. وقالا إنه في حين أن هذه الإجراءات قد تحد من الاضطرابات الاقتصادية على المدى القصير، لكنها لا تعالج المشكلات الأساسية التي أدت إلى تكرار حدوث الأزمات.

حذرت الورقة من أنه من دون إصلاحات كبيرة، من المرجح أن تواجه مصر أزمات اقتصادية أخرى، لأن الاعتماد على المساعدات الدولية، مع تجنب إعادة هيكلة الاقتصاد كثيراً، يعني أن مصر ستظل عرضة للصدمات الخارجية وسوء الإدارة الداخلية. وقال الكاتبان إن مصر تقف عند مفترق طرق حاسم، وإن الخيارات التي ستتخذها الحكومة المصرية في السنوات القادمة ستحدد ما إذا كان يمكن للبلاد تحقيق نمو اقتصادي مستدام، أو ما إذا كانت ستستمر في نمط الأزمات المتكررة، والتي لا تحل إلا بالاعتماد على المساعدات الدولية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لا أعرف إن كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قرأ هذه الورقة، أم أن وقته لم يسمح بذلك، ولكن وكالات الأنباء نقلت إلينا الأسبوع الماضي قوله إن "الجميع يعيش حالة من عدم اليقين بسبب حدة وتعقيدات المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، وتصاعدها في الأيام الأخيرة"، مستطرداً بأنه من الوارد تعرّض بلاده لصدمات أخرى، على غرار ما حدث في عام 2022 باندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأزمات الاقتصادية في الدولة.

وتوحي كلمات رئيس الوزراء بأنه يدرك هشاشة الأوضاع الاقتصادية، على الرغم من تدفق أكثر من 60 مليار دولار إلى البلاد خلال 5 أشهر. فماذا عساه ينتظر ليتمكن هو ورفاقه ممن يديرون دفة الاقتصاد المصري من تحقيق الاستقرار، وتحسين معيشة المواطن المصري، وتجنب الاقتراب من الانهيار كلما توترت الأوضاع الجيوسياسية في أي بقعة من العالم، حتى لو كانت على بعد 4200 كيلومتر، كالمسافة التي تفصل بين القاهرة وكييف.

المساهمون