معضلة الغاز الطبيعي في مصر

03 يوليو 2024
عمليات تنقيب عن الغاز بالمياه المصرية، 29 يناير 2023، (الأناضول/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شركة سيدي كرير للبتروكيماويات في مصر تعلن عن تحالف لاستيراد غاز الإيثان السائل من الولايات المتحدة لمواجهة نقص إمدادات الغاز الطبيعي، مع وصول أول شحنة ضمن أكثر من 20 شحنة متفق عليها.
- مصر تواجه تحديات في إدارة مواردها من الغاز الطبيعي على مدار العقدين الماضيين، مما أدى إلى تحولها من مصدر للغاز إلى مستورد بسبب الاستهلاك المحلي المتزايد والتحديات اللوجستية والسياسية.
- التحديات المتزايدة في سوق الغاز الطبيعي بمصر، بما في ذلك توقف واردات الغاز من إسرائيل والشراء بأسعار مرتفعة من السوق العالمية، تسلط الضوء على الحاجة لإعادة تقييم وإدارة موارد الطاقة وتعزيز الشفافية.

قالت شركة سيدي كرير للبتروكيماويات (سيدبك) في مصر إنها دخلت في تحالف مع بعض الشركات لاستيراد غاز الإيثان السائل (الغاز الصخري الأميركي)، سعياً لسد النقص في إمدادات الغاز الطبيعي الذي تسبب في تنغيص حياة المصريين بقطع الكهرباء عن معظمهم لساعات، وأجبر مصانع عدة على وقف الإنتاج مرتين الشهر الماضي.

وجاء إعلان الشركة المصرية بالتزامن مع الإعلان عن وصول أول شحنة غاز من أكثر من 20 شحنة تم الاتفاق عليها وينتظر وصولها إلى البلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الوطن العربي خلال الصيف الحالي، فيما أكد المتحدث باسم وزارة البترول أن إنتاج البلاد من الغاز يبلغ حاليا 5.7 مليارات قدم مكعبة يومياً، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في البلاد. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الشهر الماضي، إن مصر تحتاج إلى استيراد ما قيمته نحو 1.18 مليار دولار من الغاز الطبيعي والمازوت لإنهاء انقطاع الكهرباء الذي تفاقم بسبب موجات الحر المتتالية. 

ورغم أهميته العالمية، ووفرته في الأراضي والمياه المصرية، مثّل الغاز الطبيعي معضلة كبيرة جداً في الاقتصاد المصري على مدار ما يقرب من عقدين. فمصر، التي تتربع على عرش حقل "ظُهر" للغاز، وهو أكبر اكتشاف حتى الآن في شرق البحر المتوسط، باحتياطي يصل إلى 30 تريليون قدم مكعبة، باتت مضطرة لاستيراد كميات كبيرة من الغاز، كان أغلبها حتى وقت قريب يأتي من عند "أولاد العم". 

ودخلت مصر، وهي أحد أكبر منتجي الغاز في أفريقيا، سوق التصدير في بدايات القرن العشرين بعد سلسلة من الاكتشافات الهيدروكربونية البحرية، دفعت الحكومات المصرية المتعاقبة للاستثمار بكثافة في تجهيز خطوط أنابيب عابرة للحدود ومحطات للغاز الطبيعي المسال. وفي عام 2003، بدأت مصر تصدير الغاز إلى الأردن عبر خط أنابيب "الغاز العربي" الممتد على طول 1200 كيلومتر. وبعدها بقليل، مُدّ هذا الخط نحو 100 كيلومتر تحت سطح البحر، ليصل إلى مدينة عسقلان في إسرائيل، ويربطها بمدينة العريش في مصر.

وكانت القاهرة تبيع الغاز لإسرائيل بسعر زهيد، وجرى فتح تحقيق بعد سقوط نظام مبارك حول الاتفاقية، واتُّهم على أثره مسؤولون بالفساد؛ إذ كانت إسرائيل تدفع نحو أربعة دولارات لكل مليار وحدة حرارية بريطانية، في الوقت الذي كانت تركيا واليونان وإيطاليا تشتري الكمية نفسها بسعر يراوح بين سبعة وعشرة دولارات، إلا أن أحداً لم يُحاسب في هذا الخصوص. 

وحتى عام 2011، اعتمدت إسرائيل على الغاز المصري لتغطية ما يقرب من 40% من احتياجاتها، لكن هجمات من "مجهولين" على البنية التحتية لخطوط الأنابيب بين البلدين تسببت بتعليق إمدادات القاهرة من الغاز المتعاقَد عليه مع تل أبيب. ودفع ذلك التعليق شركات طاقة إسرائيلية ومشغلي خط أنابيب عسقلان - العريش إلى الذهاب للتحكيم الدولي لمقاضاة مصر لإخلالها بالتعاقد. 

وبعد اكتشاف احتياطات كبيرة في حقليها البحريين ليفياثان وتمار، أصبحت إسرائيل لاعباً دولياً في سوق الغاز العالمية. وفي مطلع 2020، تم توقيع اتفاقية غامضة، لم تُنشر تفاصيلها حتى الآن، بين القاهرة وتل أبيب، بعد مفاوضات مُطوّلة، تضمنت اعتبارات سياسية ومالية، إذ قال محللون إن مصر اضطرت لعرض خطة على إسرائيل، التي كانت بدورها تبحث عن طريقة ملائمة لبيع الغاز الفائض لديها، لشراء كميات ضخمة من الغاز، ولفترات مطولة، لتسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا.

وأضافوا أن الصفقة شملت "تسوية المبلغ الذي حكم به على الحكومة المصرية، والمقدر بنحو 2.4 مليار دولار"، ضمن السعر الذي تم التعاقد عليه، وقال السيسي وقتها إن مصر "جابت جول" بالتوصل إلى هذا الاتفاق. وأثارت طريقة إدارة الاتفاق تساؤلات كثيرة، بسبب سيطرة جهاز المخابرات العامة المصرية على حصة كبيرة في الشركة المُشغلة لخط الأنابيب (شركة غاز شرق المتوسط)، بينما كانت هناك حقوق ملكية تخص شركات أخرى، واحدة منها على الأقل إسرائيلية، كما كان من بين الشركاء من يعد من المساهمين الرئيسيين في حقلي ليفياثان وتمار الإسرائيليين. 

وفي إبريل/ نيسان الماضي، كشفت وزارة البترول المصرية عن إيقاف تصدير الغاز المسال اعتباراً من مطلع شهر مايو/ أيار، مشيرة إلى أن القرار خطط له منذ فترة وليس له علاقة بقطع الكهرباء، ومؤكدة في الوقت نفسه أن هذا لا يمثل إخلالاً بأي عقود تجارية تم الاتفاق عليها مع أي دولة. وأوضحت الوزارة أن "الخبر ليس جديداً، وهو معلن منذ العام الماضي، فمع زيادة الاستهلاك المحلي بسبب ارتفاع درجات الحرارة يتم إيقاف تصدير الغاز في أشهر الصيف، كما حدث العام الماضي". الجديد هذا العام كان أن وقف التصدير لم يحل أزمة السوق المحلية، ومن ثم تسبب في لجوء الحكومة المصرية لاستيراد الشحنات الأخيرة.

وتوقفت واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد الحرب على غزة، قبل أن تُعاود الارتفاع تدريجياً خلال نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الماضيين. ولكن خلال الأشهر الأخيرة، بدا واضحاً تراجع صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، إن لم يكن توقفها تماماً، ما دفع القاهرة إلى التوجه للأسواق العالمية، واضطرها للشراء بعلاوة وصلت في بعض الأحيان إلى 1.7 دولار على كل مليون وحدة حرارية مقارنة بالأسعار العالمية! 

كل هذه الأمور تحدث في ملف الغاز الطبيعي في مصر ولا يسأل أحد عنها، ولا تناقش في البرلمان إلا صورياً، ولا يخبرنا مسؤول عن بنود اتفاق أو أسعار أو غرامات، وإنما نعرفها من وسائل إعلام أجنبية أو مواقع محجوبة في مصر، وكأن أفراد الشعب هم مجموعة من الدواجن في حظيرة لا ينبغي أن تشتكي أو يعلو صوتها طالما يتم تقديم "الحبوب" لها، وإن غلى ثمنها أو قلت حصة كل دجاجة فيها.

المساهمون