معركة الحد الأدني الأجور في تركيا: خلاف بين المعارضة والحكومة

01 يوليو 2024
سوق في إسطنبول، 11 يونيو 2024 (أنس يلديريم/ الأناضول)
+ الخط -

تطالب المعارضة التركية برفع حد الأجور الأدنى على وقع ارتفاع التضخم، فيما تريد الحكومة تحسين معيشة المواطنين من دون زياد ضخّ العملة في الأسواق، بل عبر خطة تزيد الاستثمار والوظائف. إذ بينما تسير الحكومة التركية نحو تحسين مستوى المعيشة، عبر طرائق غير مباشرة، كما يقول أنصارها، يزداد الخلاف مع أحزاب معارضة، حول رفع الحد الأدنى للأجور، بعد ما تصفه المعارضة التركية بأنه "فشل الحكومة في خفض نسبة التضخم"، وتهاوي سعر العملة التركية إلى 32.8 ليرة مقابل الدولار، ما بدّد الزيادة التي أُقِرّت مطلع العام الحالي.

يضيف أنصار الحكومة لـ"العربي الجديد" أن رفع الأجور مجدداً سيزيد من المعروض النقدي ويؤثر في خطط الحكومة الرامية إلى تحسين سعر الصرف وخفض التضخم ومكافحة الغلاء. ومنذ الزيادة المقرة مطلع العام الحالي للحد الأدنى للأجور بنسبة 49%، أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي، فيدات اشيكهان، أن عام 2024 لن يشهد رفعاً جديداً في أجور القطاع الخاص، كما حدث عامي 2022 و2023.

وكانت لجنة زيادة الأجور قد رفعت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، الحد الأدنى من 11.402 ليرة إلى 17.002 ليرة، لتطاول الزيادة ما نسبته 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا، وفق الإحصاءات الرسمية.

عدم كفاية الأجور

لكن، يبقى الحد الأدنى للأجور، ورغم رفعه المتكرر من قبل الحكومة، دون المستوى الأدنى للفقر الذي حدده الاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" بمبلغ 45 ألفاً و686 ليرة، بعد أن أشار إلى ارتفاع تكلفة المعيشة الشهرية للموظف الأعزب إلى 18 ألفاً و239 ليرة.

ورأى الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، أن حزب العدالة والتنمية تخلى عن وقوفه إلى جانب الفقراء وبات يدعم التجار والأغنياء، من خلال إعفائهم من الضرائب.

وأضاف أويصال في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أن الحزب الحاكم لن يرفع الحد الأدنى للأجور لأنه لا يوجد انتخابات في الأفق اليوم، فمن يراقب أداء الحزب، يرَ أنه كان يرفع الأجور قبل كل استحقاق انتخابي. وأشار الاقتصادي إلى ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى تكاليف المعيشة التي قدّرها بأكثر من 30 ألف ليرة شهرياً "بالحد الأدنى".

وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، قد طالب برفع الأجور، مشيراً إلى أن "الأوضاع الاقتصادية ستزداد سوءاً قريباً، حيث ستشهد البلاد ارتفاعاً في الأسعار من الإبرة إلى الخيط، وستُفرض ضرائب على كل ما يمكن التفكير فيه"، ورأى رئيس أكاديمية الفكر للدراسات الاستراتيجية وعضو حزب العدالة والتنمية، باكير أتاجان، أن الحد الأدنى للأجور في تركيا اليوم "مناسب"، ولا حاجة إلى زيادته إن نظرنا إلى أمرين. الأول أنه يوجد أكثر من عامل بكل أسرة "على الأقل"، والعامل الثاني وهو الأهم، أن قلة قليلة "أو نادرة" من الأتراك يتقاضون الحد الأدنى للأجور.

واعتبر أتاجان خلال حديث مع "العربي الجديد" أن الزيادة بالحد الأدنى ستزيد المعروض النقدي بالسوق، وتؤثر في خطة الحكومة بخفض التضخم وتحسين سعر الصرف لكونها ستؤدي إلى رفع الأسعار، ولكن من خلال الخطة الاقتصادية العامة، ستتحسن معيشة الأتراك تباعاً، فلو نظرنا إلى خروج تركيا عن "القائمة الرمادية لغسل الأموال" قبل أيام، من جراء الخطة الحكومية، فسنرى أن ثقة الرساميل ستزيد وتأتي الاستثمارات وتتحسن المعيشة، ولو نظرنا إلى الصادرات وتوقعات وصولها إلى 270 مليار دولار هذا العام، فسنرى آمالاً بتحسن سعر الصرف، كذلك فإن جميع المؤشرات تدل على تراجع عجز الميزان التجاري وزيادة الإيرادات السياحية وبدء مسيرة التضخم بالتراجع، بعد وقف رفع سعر الفائدة المصرفية".

وتابع أن "الخطة الاقتصادية الاستراتيجية تسير على الطريق الصحيح، ولا يمكن رفع الأجور وزيادة ضخ العملة التركية بالسوق، وبالتالي التأثير في الخطة العامة للحكومة". ورأى الأكاديمي والاقتصادي، إسلام أوزجان، أنه لا بد من حلول لتحسين مستوى المعيشة، بعد ارتفاع الأسعار وعدم تحقيق وعود تحسين سعر صرف الليرة أو خفض نسبة التضخم، لأن تكاليف المعيشة بتركيا أعلى بكثير من الحد الأدنى للأجور.

وتابع أنه "أمام عدم قدرة أو رغبة الحكومة في رفع الحد الأدنى للأجور سواء للقطاع الخاص أو الحكومي، وأمام مطالب الأحزاب المعارضة برفع الأجور، لا بد من حلول وسطية، لا ترهق ميزانية الدولة ولا تؤثر بالقطاع الخاص، وتسعف المستهلك التركي"، معتبراً أن الحل المجدي هو رفع الحد الأدنى للأجور بالنصف الثاني من هذا العام، ولو بنسبة معقولة، توازي نسبة زيادة معاشات المتقاعدين مثلاً، التي يقال إنها سترتفع 25%. وبذلك لا يتأثر قطاع الأعمال كثيراً ولا تتحمل الميزانية أموالاً مرهقة".

وأضاف الأكاديمي المستقل أوزجان، أن أسعار كل شيء في تركيا ارتفعت، منذ رفع الحد الأدنى، بداية العام، من أسعار المواد الغذائية وإيجار المنازل، والأهم أسعار الوقود التي انعكست على جميع السلع والمنتجات، لذا لا بد من رؤية تلك الأعباء والوقوف إلى جانب المستهلك، بصرف النظر عن الخطط الكبيرة أو ما تقوله المؤسسات الدولية، أو توصي به، لجهة عدم رفع الأجور وأثر ذلك على سعر الصرف ونسبة التضخم".

وعلق المحلل باكير أتاجان، قائلاً إن سياسة الفريق الحكومي وجدوى رفع الفائدة إلى 50% ستبدأ آثارهما بالظهور من الربع الثالث، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن الأسواق بحاجة إلى الانتظار إلى نهاية العام المقبل كي تشعر بتأثير رفع الفائدة "وسنرى تراجعاً مستمراً للتضخم، بعد تثبيت سعر الفائدة والتوقعات بتخفيضه بناءً على دراسة السوق وتحليل المصرف المركزي والفريق الحكومي".

المساهمون